الشيخ كامل العريضي*

عند كل عيد إستقلال، تنهال الأسئلة الشامتة بهذا العيد وذلك بسبب الواقع الصعب المُعاش وكثرة الفاسدين في مراكز الدولة، وتدني نسبة الثقة من قبل المواطنين بالإصلاح والتحسين في ظل العقلية والمنهجية السياسية السائدة.

ببالغ الأسى، قرأت الكثير من النهفات (النكات)، وشاهدتُ العديد من مقاطع الفيديو التي إنتشرت بمناسبة عيد الإستقلال حيث تحتوي على كمية تهكم وسخرية كبيرتين من هذا العيد، لا بل أصبحت تلك النهفات تتردد على ألسنة الأطفال الصغار مع التعليقات الساخرة منهم. إنني أجزم بأنهم لا يعلمون ما يقولون، بل يكررون ما سمعوه مِن مَن حولهم، أي البالغين والراشدين.

إن من شأن هذا الأمر أن يعزز في نفوسهم عدم الإهتمام واللامسؤولية تجاه القضايا الوطنية، ويضعف مستوى المواطنة الصحيحة داخلهم. في هذا المجال، يقول إبن خلدون “إذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث، فإعلم أن الفقر فد أقبع عليهم وهم قوم بهم غفلة وإستعباد ومهانة.” فما بالنا بالإستهزاء بالمقدسات والثوابت الوطنية، كعيد الإستقلال؟

أيضاً، هناك مَنْ يتمنى لو بقي الإستعمار الفرنسي حيث كنا نمتلك جواز سفر يخولنا التنقل بين كل دول العالم، أو نُعد مواطنين فرنسيين؛ بالتالي، سيتحسن وضعنا وظروف حياتنا. لكننا هنا نسينا كيف تعامل الإستعمار الفرنسي معنا، وكذلك الأمر في سوريا، حيث المعارك والشهداء. وكم كنت أتمنى لو نقرأ عن ما إقترفه من أفعال في الجزائر حيث وقع مليون ونصف المليون شهيد، ناهيك عن كل المستعمرات والدول المنتدبة. وما تقوم به فرنسا اليوم في دول الساحل الإفريقي خير برهان ودليل على ذلك. ما أتمناه لهذه العلاقة، أن تكون على مستوى متكافئ، ولقد سبق وأن أشرت إلى هذا الموضوع في مقال سابق بعنوان “نرحب بفرنسا الصديقة لا الإنتداب”.

برأيي، من غير المسموح التفريط والتقليل من أهمية هذا العيد، لأن ذلك من شأنه أن يؤثر بشكل سلبي على مسألة حيوية آلا وهي الإنتماء الوطني الصادق. كذلك، لا يحق لنا الضرب بعرض الحائط بالتضحيات الجسام التي قدمها رجالات الإستقلال من رفض القوى الوطنية لهيمنة الفرنسي، والعمل السياسي لتغيير القوانين المتعلقة بالإنتداب، وعملية إعتقال الرموز الوطنية وزجهم في سجن قلعة راشيا، وإنشاء حكومة بشامون والنخوة الشعبية لحماية مقر الحكومة الجديد آنذاك، وإستشهاد سعيد فخر الدين، وغيرها الكثير الأفعال المناهضة من شعب قرر العيش بكرامة.

ما يجب الإنتباه له بأن المستعمر لا يرحل عن أي أرض إحتلها أو انتدبها كرمى عيون شعبها، إلا اذا وجد مقاومة أو معارضة لوجوده وإحتلاله بشتى الطرق والأساليب. لذلك، لا يجوز لنا تسفيه الإستقلال تحت حجة فساد بعض رجال السلطة الحاكمين اليوم، فهذه مقارنة ظالمة بحق من أخلص لوطنه ولم يرضَ ببيعه للأجنبي مهما كانت الظروف وبين مَنْ أساء الأمانة ولم يقم بواجبه الوطني في تعزيز بناء دولة القانون والمؤسسات.

على سبيل المثال، عندما صدرت مذكرة من المجلس النيابي تدين الممارسات الفرنسية لجهة الإعتقال والأعمال العسكرية، ذهب كل من الأمير مجيد إرسلان وخليل تقي الدين وصبري حماده إلى الكولونيل سيل الإنكليزي الذي قال لهم “ليس بمقدوري مساعدتكم، فالسلطات الفرنسية جادة في مسألة إعتقالكم، يمكنني فقط أن أجهز طائرة خاصة لكم كي تسافروا إلى القاهرة لإنشاء حكومة في المنفى هناك.” والسؤال هنا: إلم يكن بإمكانهم الهروب والرصوخ لقوى أمر الواقع؟ الجواب نعم، إلا أن وطنيتهم أبت ونفوسهم الشامخة رفضت. فأجابه الأمير مجيد إرسلان “نحن مصممون على المقاومة، إما الإستقلال أو الإستشهاد”، بينما قال حبيب أبي شهلا له “نشكرك على العرض، ونعتذر عن قبوله”.

عندما نتكلم عن الإستقلال، فهذا يعني أننا شعب حر لديه من القدرة والخبرة والكفاءة والشجاعة ما يجعله قادراً على حكم نفسه بنفسه من دون أية تدخلات خارجية، سواء من دول صديقة أو حليفة أو أية أخرى دولة نافذة. هذا الأمر، يرجع إلينا نحن اللبنانيين؛ فإما أن نكون على قدر المسؤولية، أو لا نكون.

بالله عليكم، إذا كنا نحن عاجزين عن تحقيق هذا الوسام الوطني الحقيقي، فحذارِ من أن نورث هذا العجز والضعف إلى أولادنا، بل يجب علينا أن نزرع فيهم قيمة الإستقلال وشرفه وعزته وكرامته، لعلهم ينجحون حيث فشلنا، ويؤسسون بكل معنى الكلمة دولة حرة ومستقلة وسيدة وقوية وقادرة وعادلة.

*مدير ثانوية الإشراق – لبنان.

مصدر الصورة: النهار العربي.

موضوع ذا صلة: لبنان أين.. لا إلى أين؟