د. عبدالله الأشعل*
تابعت على مدى سنوات تقلب المواقف الإعلامية والعربية، ولاحظت أن الإعلام التابع للدول العربية يمكن التعرف على سياسات هذه الدول من إعلامها وهو أمر يمكن تفسيره في ضوء حقيقتين؛ الحقيقة الأولى، أن الإعلام أداة في يد نظم الحكم وأن هذه النظم تتصارع فيما بينها وتشن حملات إعلامية ضد الفريق الآخر المناوئ لها، حيث أتمنى أن تخصص الدراسات العليا في كليات الإعلام موضوعات الرسائل الجامعية في هذا الموضوع. الحقيقة الثانية، إن التوجيه السياسي للإعلام يسلب حرية الإبداع كما أن تقلب علاقات النظم يؤدي إلى تقلب الإعلام والمواقف الإعلامية، فلا يتيح تكوين كوادر من الإعلاميين.
من هنا، خلصت في مقالة أخرى إلى أنه لا يوجد إعلام عربي كما لا يوجد إعلاميون عرب، وقد قارنت بين الدول العربية والدول الديمقراطية حيث يتمتع الإعلام بالحرية الكاملة عن السلطة السياسية، بل إن للإعلام في الدول الديمقراطية وظائف معتبره وهي السعي لإطلاع الرأي العام على الحقائق خاصة تلك التي تخفى عليه، بينما تخفي الحكومات العربية الحقائق ويطلق إعلامها الأكاذيب والمهاترات فتصرف طاقة الناس إلى العداء بين الشعوب. ففي مقال سابق أيضاً، حذرت من أن الصراعات الشخصية بين الحكام لا علاقة لها بمصالح الأوطان، وأن محاولة الحاكم أن يتستر بالوطن لكي يسوق خطابه عند العامة يجب كشفه خاصة وأن نُظم الحكم العربية جميعاً لا تستطيع مكاشفة شعوبها بالحقائق ولذلك لا ينتظر أن يكون هناك إعلام حر، كما أن إصلاح الإعلام أسطورة ووهم ولا يعني سوى إعادة توجيه الإعلام لكي يكون أداه فعالة بيد الحاكم العربي يستخدمها لتوجيه شعبه إلى صفه في معاركه الشخصية. وقد أشرت فيما مضى إلى هذه الحقيقة، ورجوت أن تحافظ الشعوب العربية على العلاقات فيما بينها وألا تعتبر ذلك تنكراً للحاكم وإنما تعتبره وفاء للوطن وللأمة الواحدة.
وسوف أقدم في هذه المقالة الإفتتاحية بعض الإيضاحات حول هذا الدليل الذي أنوي وضعه بالتفصيل في مساحة واصلة بين علوم السياسة وعلوم الإعلام رغم أن الفصل اليوم بينهما لم يعد ممكناً.
ببساطة، يمكن التمييز بين الخط السياسي لدولتين متصارعتين، ومثال ذلك قناتي الجزيرة القطرية والعربية السعودية وهما يتناولان القضايا من منظور الدولتين. فالجزيرة القطرية تقف ضد المشير خليفة حفتر في ليبيا وتؤيد حكومة الوفاق، بقيادة فائز السراج، بينما تتفق مع قناة العربية، إلى حد كبير، عندما يتعلق الأمر بالمسلحين في سوريا. أما في لبنان، فقناة العربية ضد حزب الله، فيما تتعاطف معه الجزيرة ويتخذان موقفاً متعاكساً من كتلة المستقبل. أما موقفهما من الأحداث في مصر، فالجزيرة معادية للنظام وتدعم معارضيه كما أنها ناقدة لسياساته في كل مكان، على عكس العربية التي تدعم النظام بشكل مطلق.
أما في اليمن، غيرت الجزيرة موقفها بعد الجفاء القطري – السعودي حيث كانت الدوحة في معسكر الرياض ضد الحوثيين، وفي سوريا مع المسلحين. لكن عندما دعمت إيران قطر، إلى جانب تركيا، ضد ما تسرب من الأوساط الأمريكية حول غزو سعودي – إماراتي – مصري لقطر (حيث أحبطت واشنطن المخطط بحسب تصريحات الرئيس دونالد ترامب)، تغير خط الإعلام القطري من المسلحين في سوريا والحوثيين في اليمن وإشتد ضد سلوك الإمارات في جنوب اليمن.
أما قناة الميادين، فولدت من رحم الجزيرة القطرية بسبب دعم قطر للمسلحين في سوريا، أصبحت الميادين تدعم السياسة الإيرانية والمقاومة، خاصة حزب الله، وتنتقد المسلحين وتصفهم بالإرهابيين. وعندما نشاهد القناة دون أن نعلم خلفيتها، نتعرف عليها بما تقدمه، فهي موالية بشكل مطلق لإيران وسوريا، وناقدة للسعودية في سوريا وفي اليمن، ومنحازة بشكل مطلق للمقاومة ضد إسرائيل. فيما يخص التلفزيون العربي التابع لقطر، نرى بأنه يتبع خط الجزيرة ما يعني الخط السياسي للحكومة القطرية.
في الختام، لا بد من الإشارة إلى الإعلام المصري، الذي يعكس الخط السياسي للسلطة القائمة، فهو يعادي قطر وتركيا و”الإخوان المسلمين” والتيارات الإسلامية جميعاً، ويؤيد المشير حفتر ضد السيد السراج، وربما يغير الإعلام المصري لهجته في الأيام القادمة مع تغير لهجة الحكومه من الطرفين في ليبيا.
لا شك أن الإعلام المصري يكن مودة خاصة للإمارات والسعودية، ويؤيد بشكل غير مباشر الموقف السعودي في اليمن، لكنه يتخذ موقفاً مناهضاً للرياض في سوريا.
السؤال الذي يجب أن نفكر في إجابته هو: هل الخط السياسي لنُظم الحكم العربية، الذي يعبِّر عنه الإعلام في كل دولة، يخدم مصالح الوطن أم مصالح النظام؟ هذا مجال خصب لمن أراد أن يدرس العلاقة بين الإعلام والسياسة.
*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.
مصدر الصورة: نيويوك تايمز.
موضوع ذا صلة: دور وسائل الإعلام البديلة في العلاقات الدولية*