عبد العزيز بدر القطان*

يرى كثير من الباحثين أن المجتمعات الأفريقية، التي سبقت السيطرة الإستعمارية، لم تكن بالضرورة مجتمعات بدائية، بل نجحت آنذاك بإقامة نُظم كفلت قدراً معقولاً من الحقوق الديمقراطية وحكم القانون للمجموعات التي تختلف عن الغرب.

لم يركز الناس في المجتمع الأفريقي على حقوقهم الفردية، إذ كانت تتحقق شخصيتهم عند قيامهم بدورهم في المجموعة، كما تدل دراسات كثيرة على أن أكثر سكان أفريقيا لا يزالون يعملون في الزراعة، حيث ساعد فائض القيمة البسيط الناتج عن عمل الفلاحين بين بعض الشعوب إلى ظهور كثير من الحرفيين والمتخصصين ورجال السياسة والدين والحكوميين. وإذا كانت درجة التخصص العالية في مجال الزراعة والحرف قد أفضت في غرب أفريقيا إلى قيام أسواق كبيرة تعد أكبر وأرقى من غيرها في بقية القارة، إلا أن ذلك كله لم يغير بنية الحياة، وحتى أن كثيراً من شعوب القارة السمراء تمارس التجارة على أساس المقايضة.

لقد كانت تجارة الرقيق مزدهرة وزادت معدلاتها، وبخاصة في المناطق الساحلية مع عملية تبادل للرقيق ثم زيت النخيل مقابل البضائع الأوروبية المستوردة. وفي حال كانت هنالك فوارق متميزة بين المناطق الأفريقية، إلا أن الكثير من السمات الثقافية تبدو بارزة ومشتركة تقريباً في أكثرها، كالإعتقاد مثلاً بقدسية الملك والآراء المتوارثة عن أصل الإنسان والنشأة الأولى بحسب الأساطير المنتشرة في القارة.

كذلك الأمر، تأثرت كثير من المناطق بالديانات التي دخلت إلى أفريقيا، مثل الديانتين الإسلامية والمسيحية؛ ففي حقبة الإستعمار، كان لسلوك المستعمرين أثره في تشكيل أنظمة وأعراف وتطوير بعض التقاليد، لكن هذا كله لم يلغِ أن الجماعات السلالية بقيت الركيزة الأساسية للتنظيم الإجتماعي للكثير من شعوب القارة، ويقصد هنا بالجماعة السلالي “طائفة من الناس تجمعهم شجرة نسب واحدة، وينحدرون جميعاً من جد قديم معروف الإسم”. هذا الأمر، بيّن طبيعة الإتحاد والتماسك بين أبناء الجماعة التي إعتبرت الملكية مشتركة للأرض، المالك والفلاح شركاء فيها.

وكان زعماء القبائل يُختارون بواسطة المجموعة، وكانوا عرضة للمسائلة والعزل، ما يعني أن المجتمع الأفريقي التقليدي إعترف بحقوق كثيرة للأفراد، كالحق في الحياة والتعبير والحرية الدينية والإجتماع والتنقل والعمل والتعليم؛ بالتالي، شكلت السلالة الجماعية “الممثل الشرعي” لحقوق الإنسان سواء في حقه بالأرض والحريات، وتلاحم أفراد الجماعة لدعم كل الحقوق المشتركة.

أيضاً، ورثت معظم الدول الأفريقية، في عهد الإستقلال، نظماً للحكم شبيهة بالنظم البرلمانية للدول المستعمرة، إلا أن تلك النُظم لم يكن لها ما يسندها، حيث كانت فترة الحكم الإستعماري فترة تسلط تركزت فيها السلطات، معظم الوقت، بيد حاكم عام مفروض على المجتمع. لهذا، كانت النتيجة قيام حكومات بأفريقيا تسيطر عليها أجهزة تنفيذية قوية، أو قادة أو دكتاتوريون عسكريون، وبذلك أضحت الحقوق ذات قيمة هامشية غالباً ما كان يتم تجاهلها، حتى عندما يُلجأ إليها فإنها نادراً ما تطبق بطريقة فعالة بواسطة المحاكم.

يرتبط التاريخ الدستوري في دول أفريقيا بعلاقة هذه الدول المستعمرة السابقة وموزعة بين الدول الإستعمارية الغربية. وعلى سبيل المثال، إن التاريخ الدستوري لعدد من بلدان أفريقيا، كأفريقيا الوسطى والغابون وساحل العاج والسنغال وغينيا والكاميرون ومالي ومدغشقر والنيجر والتي كانت مستعمرات فرنسية، يرجع إلى القانون الصادر عن حكومة الرئيس الفرنسي الراحل، شارل ديغول، التي قامت بوضع دستور يعرض على إستفتاء عام حيث حدد المبادئ الأساسية التي يجب أن يقوم عليها الدستور الجديد وهي الإقتراع العام هو المصدر الوحيد للسلطة التشريعية، وفصل السلطة التشريعية فصلاً تاماً عن السلطة التنفيذية، والحكومة مسؤولة أمام البرلمان، والسلطة القضائية يجب أن تكون مستقلة.

العلاقة الجديدة بين الأقاليم غير المستقلة، أي المستعمرات وفرنسا، ينظمها الدستور. هذا المبدأ هو الذي أسفر عن ظهور مشروع تفصيلي أصبح بمقتضاه لجميع المستعمرات الفرنسية حق الإختيار بين وضعين؛ الوضع الأول، قبول الدستور الجديد وإعلان الإستقلال على أن تكون عضواً في “الجماعة”، أي ضمن منظمة إتحادية من نوع خاص على غرار “الكومنولث” البريطاني. الوضع الثاني، رفض الدستور الجديد، وهذا يعني الإنفصال عن الإستعمار الفرنسي وعدم الإنضمام إلى الجماعة، وقد تم الإستفتاء على الدستور الجديد في فرنسا والمستعمرات الفرنسية، حيث رفضت غينيا الإستفتاء ورفضت أن تبقى جزءاً من أقاليم الجمهورية الفرنسية أو تكون عضواً في الجماعة، وأعلنت إستقلالها.

فما يلاحظ في الدساتير الأفريقية أنها كانت “روحاً واحدة” لأن الدستور كان فرنسياً خالصاً لا يتماشى وواقع دول القارة خاصة من الناحيتين الثقافية والإجتماعية.

أما بخصوص التنظيم الدولي لحقوق الإنسان، يمكن القول أن الدول الأفريقية نجحت في خلق منظمة الدول الأفريقية، الذي أشار ميثاقها إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة، كأساس متين للتعاون بين الدول. لكن ما يمكن يلاحظته هو خلو الميثاق من حقوق الإنسان الأفريقي إلا ما تعلق بتقرير المصير وإزالة كل أشكال الإستعمار من أفريقيا إلى أن تمت الموافقة على ميثاق أفريقي لحقوق الإنسان المؤلف من /68/ مادة، والذي أشار إلى تدابير الحماية لهذه الحقوق وقضى بتكوين اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.

أخيراً، وكما يبدو من الكتابات والمراجع التي تناولت موضوع حقوق الإنسان في أفريقيا، يستوجب القول إن آليات الحماية المنشأة بموجب الميثاق ضعيفة، حيث وصفت منظمة رؤساء الوحدة الأفريقية من أحد مؤسسيها، الرئيس التنزاني جوليوس نيريري، بأنها “نقابة رؤساء لا تحمي الشعوب”.

*مستشار قانوني – الكويت.

مصدر الصورة: مونتي كارلو الدولية.

موضوع ذا صلة: موضوع ذا صلة: “مشروع آسيا” لحماية حقوق إنسان