وفاء العرفاوي*

إتفاقيات التّطبيع تهدف إلى مُحاصرة وتطويق محور المقاومة جغرافياً، واقتصادياً، الوضع الراهن في المنطقة العربية يضعها بين خياري “تسويات سياسية كبرى، أو مواجهة كبرى”.

قال الكاتب اللبناني د. علوان أمين الدين مدير ومؤسس “مركز سيتا” للدراسات الإستراتيجيّة لـ”المغرب“: إنّ مسار تشكيل الحكومة في لبنان تعترضه عراقيل جوهرية على علاقة بإشراك الأحزاب من عدمه، وحول من سيكون الثلث المعطل في الحكومة، هل ستكون الحكومة حكومة سياسية أو حكومة تكنوقراط أو الإثنين معاً، وغير ذلك من الأمور.

وأضاف أنّ الوضع الرّاهن في المنطقة العربيّة أشبه بـ “عضّ للأصابع” ويضعها بين “تسويات سياسية كبرى، أو مواجهة كبرى”. وأكد أمين الدين أنّ سياسة الولايات المتحدة عموماً، لن تتغير مع الرئيس الجديد جو بايدن خصوصاً مع وجود ما يسمى بـ “الدولة العميقة”، فقد يستطيع الرئيس لعب دور ما في التكتيك، أمّا الإستراتيجيّة فلا تتغيّر بسهولة حيث يتمّ وضعها من قِبل المؤسّسات الحكوميّة الدائمة.

لو تقدمون لنا قراءتكم للمشهد الراهن في لبنان والصعوبات التي تواجه مساعي تشكيل الحكومة الجديدة؟

توجد في لبنان مشكلة تاريخية لا يمكن حلّها بسهولة ألا وهي الطائفية، بل حتى المذهبية. وفي كل مرة يتم فيها تشكيل حكومة جديدة، لا بد من مواجهة هذه المشكلة خصوصاً لجهة توزيع الحقائب الوزارية. بالمفهوم اللبناني، هناك ثلاث طبقات من الطوائف؛ الطبقة الأولى هي الحاكمة وهي تضمّ الموارنة والشيعة والسنَّة. والطبقة الثانية وهي المتوسطة وتضم الدروز والأرثوذكس والكاثوليك. أمّا الطبقة الثالثة، فتشمل الطوائف الأخرى المتبقية.

عند توزيع الحقائب، غالبا ما يقع الخلاف بين أطراف الطبقة الحاكمة خصوصاً مع تقسيم الحقائب إلى سيادية وغير سيادية؛ بالتالي، يكون الخلاف على تلك الحقائب وطريقة توزيعها حيث يعطى ما يتبقى منها للطوائف المتوسّطة، بينما لا تنال الطبقة الثالثة سوى ما تبقى من الوزرات.

أما المشكلة الآنية، فتكمن في أمور عديدة أبرزها إشراك الأحزاب من عدمه، وحول من سيكون الثلث المعطل في الحكومة، هل ستكون حكومة سياسية أو حكومة تكنوقراط أو الإثنين معاً، وغيرها من الأمور. لكن اللاّفت أنّ هذه الطبقة السياسية تتصرف على قاعدة أنّ البلد بخير، وكأنّ لبنان خالٍ من الأزمات، سواء منها إنفجار المرفأ أو أزمة الدولار أو الهبوط المدوي لسعر صرف الليرة، ناهيك عن الحديث الذي يطاول مسألة رفع الدعم وما سينتج عنها من زيادة في نسب الفقر، بالإضافة إلى أزمة فيروس “كورونا”، غير متناسين الأزمة الاقتصادية التي تضرب لبنان منذ زمن حيث سبق وأن أعلن رئيس الحكومة المستقيل، د. حسان دياب، عن عدم تسديد لبنان لديونه بسبب الأزمة المعيشية الحادة ونقص السيولة في البنك المركزي.

هل أثّرت التدخّلات الخارجيّة – خاصة من الجانب الفرنسي- على مسار تشكيل الحكومة أم أنّ الخلافات داخلية؟

من هنا، حاول الرئيس إيمانويل ماكرون، الدخول على خط الأزمة خصوصاً بعد انفجار مرفأ بيروت وما خلفه من آثار مدمرة على البشر والحجر. جاء هذا التحرك الفرنسي في وقت دخلت فيه الولايات المتحدة في فترة الإنتخابات الرئاسية. ومع التقدم الفرنسي في الملف، تشير بعض المصادر إلى أن الجانب الأمريكي “توجّس” من نجاحه فدخل على الخط وقام بإفشال مبادرته بفرضه عقوبات على شخصيات سياسية أسياسية وقد سبق ذلك تنحي د. مصطفى أديب، سفير لبنان في ألمانيا والذي قيل أنه طرح من قِبل الثنائي الفرنسي – الألماني، لتشكيل الحكومة مما أدى إلى تعطيل المبادرة خصوصاً مع الإدارة السابقة برئاسة دونالد ترامب الذي “لا يروقه” إيمانويل ماكرون كثيراً.

في 22 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، سيزور الرئيس ماكرون لبنان مجدداً للقاء العديد من الشخصيات والجهات، حيث يمكن القول بأنّ وضعه اليوم سيكون أفضل في ظلّ إدارة أمريكية جديدة تتقارب مع أوروبا في الكثير من الملفات، وقد يكون المطلوب أمريكياً، في هذه الفترة، إيجاد نوع من الهدوء إلى أنّ يتسلّم الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، مقاليد الرئاسة.

من خلال ذلك، يمكن القول بأن الضغوط الخارجية وتصرفات الفرقاء الداخليين، في غالبيتهم الساحقة، هي التي تعطل تشكيل الحكومة التي تنتظرها صعوبات جمة على كافة الصُعد.

تعيش المنطقة العربية تغيرات كبرى وهرولة من الرئيس الامريكي دونالد ترامب لحشد أكبر قدر ممكن من الدول العربية الداعمة والمطبعة مع “اسرائيل”. برأيكم لم هذا التوجه من الرئيس ترامب؟

في هذا الشأن، يبدو أن الرئيس ترامب كان يراهن من خلال إتفاقيات التطبيع على دعم اللوبي الهيودي الأمريكي له في الانتخابات الرئاسية، لكونه لوبي أساسي ومؤثر في سير العملية الإنتخابية لما يمتلكه من حضور ونفوذ في الكثير من المجالات، الإعلامية والإقتصادية تحديداً. لكن أظهرت إستطلاعات الرأي أن اللوبي قد صوَّت بنسبة 77% للمرشح بايدن، فيما صوَّت 21% لصالح الرئيس ترامب. من هنا، كان الرئيس الأمريكي يستعجل توقيع إتفاقيات تطبيع من أجل إستثمار ذلك في الإنتخابات وإستمالة اللوبي لصالحه، لكن على ما يبدو بأن “ورقة” الرئيس الحالي ليست صالحة للمرحلة القادمة.

كما لا يمكن نسيان دور صهره جاريد كوشنر، الذي أطلق عليه كثيرون لقب “لورنس العرب” الجديد، والذي يعتبر “مهندس” صفقة القرن. فهو الذي كان يقوم بهذه المهمة والمحرك الرئيس لها، حيث يرافق الوفود الإسرائيلية إلى الدول التي وقعت الإتفاقيات مع تل أبيب، وهو أيضاً من قام بمرافقة وفد إسرائيلي سيزور المغرب قريباً بعد الإعلان عن نية الرباط توقيع إتفاق التطبيع.

كيف ستكون المنطقة في ظل بروز علاقات وتحالفات بشكل رسمي مع كيان “إسرائيل”؟

على الصعيد الإقليمي، يبدو بأن هناك خطة من أجل تطويق ما يعرف بـ “محور المقاومة” وذلك عبر تضييق الحصار عليه أكثر فأكثر. فإتفاقيّات التطبيع تلك لا تعني فقط محاصرته جغرافياً، بل إقتصادياً كذلك. ولهذا الشقّ الكثير من الجوانب سواء على صعيد ضخ الأموال إلى دول الممانعة، أو رعاياها الذين يعملون في الدول المطبِّعة والذين يؤمنون لعائلاتهم ودولهم مدخولاً كبيراً من العملات الصعبة حيث من الممكن أن يتم إستبدالهم أو دفعهم للمغادرة لأسباب متعددة. هذا الأمر سيزيد ويعمق الأزمات بشكل كبير وخطير لا سيما لجهة وقف التحويلات المالية وزيادة نسب البطالة.

من هنا، يبدو أنّ وضع المنطقة لن يكون سهلاً البتة، فكلا المحورين يمتلكان أوراقاً من القوة تجعل كلا منهما يصر على البقاء في موقفه وبالتالي فإن الأمور أشبه بـ “عض للأصابع”. فإما أن تتجه الأمور إلى تسويات سياسية كبرى، أو أن تذهب الأحداث إلى مواجهة كبرى وهناك حاجة إلى رمي حجر في الماء الراكد. فهل يكون ذلك في شكل تفاهمات، وهو ما يرجح، أم مواجهة عسكرية ولو كانت محدودة، وهذا المعطى غير متوفر حتى الساعة عند الطرفين.

هل سيحمل فوز جو بايدن بالرئاسة تغيراً على مستوى سياسة أمريكا في الشرق الأوسط خاصة الحرب ضد إيران؟

سياسة الولايات المتحدة عموماً، لن تتغيّر مع الرئيس الجديد خاصة مع وجود ما يسمى بـ “الدولة العميقة”. وقد يستطيع الرئيس لعب دور ما في التكتيك، أما الإستراتيجية فلا تتغير بسهولة حيث يتمّ وضعها من قِبل المؤسسات الحكومية الدائمة.

لذا، لا يتوقع من الرئيس بايدن الكثير في ما يتعلق بالمنطقة، خصوصاً وأن الديمقراطيين هم الذين تسببوا تدميرها عبر ما سُمي بـ “الربيع العربي”. ولازلنا نذكر الزيارات التي كانت تقوم بها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، الديمقراطية، ومساعدوها إلى تونس ومصر وغيرهما من أجل دعم القوى المتطرفة. أيضاً، وبأنّ ما يحدث في ليبيا اليوم هو نتيجة واضحة لتلك الاستراتيجيات والسياسات.

أما على الصعيد الإيراني فيبدو بأنّ طهران تنتظر وصول بايدن “بفارغ الصبر” على الرغم من التصريحات القوية والإجراءات الميدانية المتخذة لجهة تقليص التزاماتها في الإتفاق النووي. اليوم، يوجد مناخ تصعيدي ظاهريا مع تهدئة ضمنياً حيث تشير الكثير من المصادر بأنّ عدم الردّ على عملية إغتيال العالم محسن فخري زاده، إلى حد الآن، يأتي ضمن هذا السياق. فقد تستطيع طهران الحصول من الرئيس المقبل على “ثمن سياسي” مقابل هذه العملية لا سيما وأنّ التحقيقات قد أظهرت تورّط “إسرائيل” فيها خصوصاً لجهة الأسلحة المستخدمة. وإذا صدق ذلك، فإنّ الثمن المقابل سيرتفع بالتأكيد.

فمن خلال الأحداث ومجرياتها، يبدو أن هذا السيناريو مرجَّح حدوثه اليوم خاصة مع وجود سؤال محوري: إذا كانت إسرائيل هي التي نفذت العملية، فهل ستقوم طهران باستهدافها على غرار ما حدث لقاعدة “عين الأسد” الأمريكيّة بعد عملية اغتيال اللواء قاسم سليماني؟

شخصياً، أشك في ذلك لأنّ من شأن ذلك أن يضع المنطقة بأكملها على فوهة بركان، ناهيك عن وجود عناصر جديدة أبرزها كلفة المواجهة في ظل عقوبات اقتصادية خانقة أنهكت طهران، وتزايد العداء لإيران خصوصاً بعد إتفاقيات التطبيع وما سيكون لها من آثار في هذا السياق، والتواجد الروسي في سوريا وعدم رغبته بإشعال الحروب والنزاعات في المنطقة بالإضافة إلى أنّ لطهران ملفات كثيرة مشتركة مع موسكو لذلك ليس من الوارد إثارة إي نزاع معها.

*صحفية تونسية.

المصدر: جريدة المغرب.

مصدر الصور: أرشيف سيتا.

موضوع ذا صلة: كتاب مفتوح إلى الرئيس ماكرون: أين الصورة الفضائية لمرفأ بيروت؟