إعداد: مركز سيتا

تخوض الدول العظمى سباقاً عالمياً وحرباً من نوع آخر تحت مظلة لقاح فيروس “كورونا” وإنقاذ البشرية، ظاهرياً، لكن ما خفي منها يذهب بإتجاه تحقيق مكاسب مالية هائلة خصوصاً لجهة الشركة المنتجة له والذي سيكون لقاحها هو ما يتم البحث عنه.

تسجيل نقاط

إزداد التنافس المحموم لإطلاق لقاح خاص بجائحة “كورونا” وذلك بهدف إعادة الحياة البشرية إلى طبيعتها، خاصة الناحية الإقتصادية بعد الخسائر التي قدرت بمئات مليارات الدولارات. وعلى ضوء ذلك، أطلقت الولايات المتحدة، متسلحة بجهود جبارة عملية “الإلتفاف السريع” أو ما يعرف بـ Wrap Speed، حملة لتوفير 300 مليون جرعة آمنة وفعالة، بحلول يناير/كانون الثاني 2021. من جهتها، أنفقت الصين المليارات في هذا الصدد، كذلك فعل الروس.

تكمن المفارقة في تعامل الزعماء الثلاثة، دونالد ترامب وفلاديمير بوتين وشي جين بينغ، مع عملية إنتاج هذا اللقاح التي إعتبرت بمثابة “حرب بالوكالة” خدمة لشركاتهم الوطنية المتنافسة.

يأتي ذلك في وقت لم يلقى فيه اللقاح الروسي، “سبوتنيك”، أي إهتمام من قِبل الدول الغربية حيث إعتبروا الإعلان عنه نوعاً من “الإندفاع” كونه لم يكمل بعد التجارب السريرية المطلوبة عليه، مع تحذيرات المراجع الطبية العالمية من أن موسكو تقوم بتسجيل نقاط دعائية لها. في المقابل، إتهمت الحكومات الأميركية والكندية والبريطانية قراصنة روس بمحاولة سرقة أبحاث اللقاحات، لكن موسكو نفت ذلك بشكل قطعي مشيرة إلى أن لقاحها مبني على تصميم طوره علماؤها منذ سنوات لمواجهة فيروس “إيبولا”.

خارج السباق

فندت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية الأسباب التي تجعل اللقاح الروسي خارج السباق العالمي ومنها أنه لن يكون جاهزاً للتوزيع قبل العام القادم في وقت يوجد فيه 140 مشروعاً مقبولاً من منظمة الصحة العالمية، منها 28 بحثاً وصل إلى مراحله الأخيرة من أصل 3 مراحل تجريبية.

أيضاً، إن الثغرات التي تواجه “الإنتصار الروسي”، كما عنونت الصحف الأجنبية، لم تقف عند هذا الحد. بالمبدأ، تمر اللقاحات بثلاث مراحل من الإختبارات البشرية قبل الموافقة على إستخدامها على نطاق واسع، حيث تُختبر المرحلتان الأولتان اللقاح على مجموعات صغيرة نسبياً من الأشخاص لمعرفة ما إذا كان محفزاً لجهاز المناعة، ثم تقارن المرحلة الأخيرة، المعروفة بإسم “المرحلة 3″، اللقاح بالعلاج الوهمي لعشرات الآلاف من الأشخاص. لذا، يبقى إتهام موسكو بعدم إتمام المرحلة الثالثة، التي عادة ما تأخذ فترة زمنية طويلة، من باب الإحتمال بغية “التشكيك” بفعالية اللقاح الروسي على الرغم من عدم حدوث أية أعراض جانبية خطيرة على تجاربه الأخيرة، وهو ما يصب طبعاً في مصلحة الدول الأخرى لتعوض خسائرها بسبب الجائحة من خلال الطعن باللقاحات الأخرى “المنافسة”.

من جهتها رفضت موسكو هذه المخاوف بإعتبارها “نابعة من الغيرة”، إذ قال عدد من المسؤولون عن تطوير اللقاح أنهم سينشرون بياناتهم قريباً في مجلة علمية دولية بارزة.

على أرض الواقع، يوجد 6 لقاحات، من أكسفورد إلى بكين، وصلت إلى خط الإختبار النهائي، حيث وصل فريق جامعة أكسفورد إلى المرحلة الأخيرة من التجارب السريرية ويتكون اللقاح من فيروس قرد الشمبانزي إذ أضافوا إليه الشفرة الجينية لبروتين “سبايك”، الذي يميز فيروس “كورونا”.

إتهامات وتشكيك

بات تفشي فيروس “كورونا” مادة خصبة لنشر معلومات مغلوطة ونظريات مؤامرة عبر الإنترنت، إذ تركز سردية الإعلام العالمي على نقطة “إلقاء الإتهامات” على كل دولة تتنافس معها، مثل الحالتين الروسية والأمريكية. مثلاً، تناول برنامج تلفزيوني روسي بعنوان “المؤامرة الغربية” الأمر بطريقة تبدو وكأنها ساخرة وسخيفة، لكنها تترك لدى المشاهدين إنطباعأً بأنها تحتوي على بعض الحقائق منها أن كلمة “كورونا” التي تعني “التاج”، باللغتين اللاتينية والروسية، تشي بضلوع الرئيس دونالد ترامب في الأمر بطريقة أو بأخرى.

من جهته، أكد مدير المركز الوطني الأمريكي للأمن ومكافحة التجسس، وليام إيفانينا، أن كلاً من روسيا والصين وإيران تحاول منع الولايات المتحدة من الحصول على لقاح مضاد لفيروس “كورونا”، حيث قال “بمجرد أن نحصل على اللقاح، سوف يحاولون بكل عزم منعنا من إستخدامه. هم يحاولون بالتأكيد أن يكون اللقاح تحت تصرفهم”.

ووفقاً لإيفانينا، فقد “تغيرت تصرفات روسيا مقارنة بالعام 2016، فهم لم يعودوا يستخدمون الروبوتات ومواقع التجسس، فقد تم القبض عليهم. هم الآن يستخدمون المعلومات من المواطنين الأمريكيين ويضخمونها بشكل مصطنع”، مضيفاً أن “هدف موسكو هو تقسيم وتدمير الديمقراطية في الدول. نتوقع نشاطاً أكثر عدوانية من خصومنا تجاه الرئيس فيما يتعلق بالوضع مع كورونا. بالنسبة لنا، هذه مشكلة على مستوى الأمن القومي.”

أيضاً، قال الدكتور أنتوني فاوتشي، أحد الأعضاء البارزين في فريق البيت الأبيض المعني بمواجهة فيروس “كورونا”، إنه “يشك بشدة” بقدرة الروس في إثبات أن لقاحهم آمن وفعال.

رهانات غير صحية

يعد الوصول إلى لقاح فعال أحد أكبر الإنجازات الطبية حيث لا يرجع هذا فقط إلى مزاياه المنقذة للحياة، بل أيضاً لما يحمله من أمل في إنهاء حالة الاضطراب والفخر والتقدير لمن ينجح في التوصل إليه.

من هنا، يقول لورنس غوستين، أستاذ قانون الصحة العالمية في جامعة “جورج تاون” الأمريكية، أنه “لم أر قط رهانات سياسية بهذه الحدة على منتج طبي. السبب وراء الرمزية السياسية التي أعطيت للقاح كوفيد -19 هو أن القوى العظمى تعتبره إنعكاساً لبطولتها العلمية وإعترافاً بتفوق نظامها السياسي.”

“قومية” اللقاحات

يقول الكاتب توماس بوليكي “بالتأكيد، توجد بين الدول الغربية نزعة قومية في توفير اللقاحات. يتعلق الأمر مثلما نرى في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالعمل على حجز جرعات أولية كبيرة من إمدادات اللقاحات، كانت النزعات القومية بلا شك تشهد صعوداً قبل ظهور فيروس كورونا، لكن الفيروس عززها.”

في ذروة الأزمة، أدى التسابق على أجهزة التنفس الإصطناعي ومعدات الحماية الشخصية إلى المضاربة المالية على مستوى الدول لتأمينها، وسُلط الضوء على سلبيات الإعتماد على الإمدادات الخارجية ما حفز الرغبة على تعزيز القدرات المحلية. فما الذي يضمن بأن للدول التي ستنجح في تطوير لقاح أولاً الأولوية بإنقاذ أرواح مواطنيها وتحريك إقتصادها. وبالعكس، قد يؤدي عدم تأمين الإمدادات إلى تنامي غضب شعبي وتساؤلات بشأن القدرة على القيادة.

في 18 أغسطس/آب 2020، جدد مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، دعوته الدول الغنية إلى الإنضمام لبرنامج عالمي لمشاركة اللقاحات مع الدول الأكثر فقراً قائلاً “نحتاج إلى منع وقوع اللقاحات ضحية النزعات القومية”، وقد تجد بعض الدول ميلاً لتوفير اللقاحات لدول أخرى كأداة دبلوماسية لكسب التأييد والدعم.

أخيراً، المضحك المبكي أن نتائج المشاريع الأكثر تقدماً لن تحصل قبل حلول نهاية العام. وللوفاء بهذه المواعيد “النهائية المستحيلة” وفق الصحف الأجنبية، لا تنتظر المختبرات النتائج النهائية لمرحلة بعينها لبدء المرحلة التالية؛ بالتالي، إن العديد منها هي في مرحلة الإنتاج الصناعي بالفعل حتى قبل معرفة فعاليتها الحقيقية. والسؤال هنا: هل هذا يعني أن الإستثمارين السياسي والإقتصادي لهذا الوباء العالمي سيكون على حساب صحة البشر؟ وهل نحن أمام موجة أخرى من الموتى تحت شعار “السباق العالمي” لمحاربة الوباء؟!

بالنتيجة، إن طرح أول لقاح في الأسواق لا يعني أنه الأكثر فعالية إذ يحذر الخبراء من أن الأمر ليس سباقاً فيه فائز وحيد أو نهاية للسباق، وهذا يعني أن المنافسات بشأن تطوير وتوزيع اللقاحات ليست سوى البداية.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: الميادين – جريدة المال.

موضوع ذا صلة: لقاح “كورونا” والسباق المحموم