زار رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، تركيا على رأس وفد حكومي رفيع المستوى، وإلتقى كبار المسؤولين الأتراك، لبحث تعزيز التعاون الثنائي والقضايا ذات الإهتمام المشترك، وتكمن أهمية هذه الزيارة التي جاءت بدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، 14 أكتوبر/تشرين الأول 2020، في كونها تأتي في مرحلة مصيرية مهمة قد تحدد شكل العلاقات المستقبلية بين البلدين.
حملت الزيارة 8 ملفات مهمة على مستويات عدة، أبرزها الأمن والإقتصاد والإستثمار والطاقة والمياه والربط السككي والتأشيرة والأموال المجمدة وغيرها، وشهدت توقيع مذكرات تفاهم متنوعة بين البلدين.
إلتفاف تركي
عرفت تركيا كيف تطبق على جيرانها، فتارة من خلال القومية والطورانية، وطوراً تحت مسمى “دول إسلامية شقيقة”، كما لا يمكن إغفال الإطباق الأكبر أي الإقتصادي، وصولاً إلى التدخل العسكري، المباشر وغير المباشر.
بما يخص مسألة الطاقة، إن إستعداء تركيا للعراق، من خلال قصف شماله بحجة ضرب الإنفصاليين وتعديها على السيادة العراقية، لن يحقق لأنقرة فوائد طاقوية لا سيما بعد الإستنكارات العراقية الرسمية، ومن بينها إستدعاء السفير التركي لدى بغداد أكثر من مرة وتوجيه رسائل لتركيا عبره. هذا الأمر سيعزز الخلافات التركية – العراقية، في حين أن التعاون بين البلدين سيجلب منافع كثيرة لها.
تأتي أهمية العراق بالنسبة لتركيا بعد أن زاد الإهتمام الأوروبي بها مؤخراً وزيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الأخيرة إلى بغداد. كلها أمور نبهت أنقرة إلى حجم الخطر المحدق بها في حال إتجهت بغداد نحو أوروبا وحتى روسيا، في وقت لم تربح فيه سوى عداء هذا البلد بسبب سياساتها الإستفزازية لا أكثر ولا أقل.
إقصاء للغرب
بدأت تركيا بتشغيل “سد إليسو”، الذي خفض حصة مياه نهر دجلة التي كان يستفيد منها العراق؛ بالتالي، هناك أزمة أمن قومي مائي تتهدد البلاد جراء السدود التركية وتخفيض الحصص المائية ليس فقط في العراق بل أيضاً سوريا في شرق البلاد. من هنا، تأتي زيارة الكاظمي ضمن التفاهم على إيجاد حلول لهذا الملف والذي من المحتمل أن تقايضه أنقرة بالنفط من خلال الحصول على أسعار تقل عن السعر العالمي، ما يعني إيجاد صيغة ما يضمن للعراق حصته المائية بعد الجفاف الكبير الذي لحق بالكثير من الأراضي الزراعية.
على ما يبدو، أيقنت تركيا أن العراق شريك إقتصادي كبير يقبع في جوارها، وهي لن تتركه هدفاً لأوروبا أو حتى مصر، التي نسقت مع الكاظمي قبل شهور قليلة عقب عودته من الولايات المتحدة ووقعت معه مبادرة “الشرق الجديد” مع الأردن. كل ذلك، جعل أنقرة تفكر ملياً بالخسائر المحدقة والأعداء المحتملين الذين سيكونون على مقربةٍ منها، فجاءت هذه الزيارة لسد الفجوات والخلافات الحاصلة بين الجانبين.
أخيراً، من الممكن القول بأن تركيا لا ترى إلا بعين المنفعة الخاصة ومن الناحية الإقتصادية تحديداً. فالعراق سوق ضخم لتصريف بضائعها، وسوق طاقوي كبير تستطيع الإستفادة منه لتعزيز قدرتها الصناعية والعسكرية والتكنولوجية، إضافة إلى قطع الطريق على فرنسا، تحديداً، خوفاً من الدخول إلى العراق والإستثمار فيه بدلاً عنها. فهل تنجح تركيا فيما ترمي إليه؟ هذا ما سيتبين في القادم من الأيام.
مصدر الصورة: روسيا اليوم.
موضوع ذا صلة: مبادرة الشرق الجديد.. مشروع إقتصادي بأهداف سياسية