تحدث كثير من الانقلابات في كثير من دول العالم، يأتي رئيس بعد الإطاحة برئيس، وفي بعض الحالات وعلى خلفية ظروف معينة (سياسية أو اقتصادية) تنتهج البلاد خطة الانتخابات المبكرة، لوضع شخص مناسب في المكان المناسب، بعد فشل سلفه، وقد تحدث اضطرابات معينة ترافق الحالة، بما في ذلك فوضى مجتمعية، لكن تنتهي الأمور بتنصيب الرئيس الجديد مع خطة عمل للمرحلة اللاحقة، لكن ماذا عن دولنا العربية؟

تابعت بإيجاز العملية الانتخابية في تونس، ولفتني أن هناك مقاطعة كبيرة لهذا الاستحقاق، الأمر الذي وضع الرئيس التونسي بين فكّي كماشة، وهو الذي قال بما معناه، إن تونس تطهرت من كل رمز يريد تدمير الدولة، لكن المقاطعة الكبيرة، أثبتت العكس، فقد تكون هذه الانتخابات مفصلية بما يتعلق به، لا بل قد تكون وضعت نهاية له كرئيس لتونس، والسبب، أن الإقصاء مع الجهات التي تختلف ونهج الدولة لا يصح إذا ما أرادت أي دولة في العالم النهوض من ركام ما يعتريها، وما حدث في تونس في العامين الماضيين وحتى الآن، يثبت أن السياسة التونسية عملت على إقصاء الآخر بطريقة ألغت حقه في الوطن على خلفية الاعتقالات وتجميد الصلاحيات بما في ذلك وقف صلاحيات البرلمان وهو أمر لم يحدث في بلد عربي في العصر الحديث.

أما في لبنان، للمرة العاشرة يفشل هذا البلد الجميل، الذي يزداد قبحاً بمن يتولى إدارة مهامه، ويحوله إلى مستنقع للمحسوبيات والمزاودات، بعيداً عن المواطن وهمومه وإيجاد حلول تقيه من مخاطر الاقتصاد المشلول والحالة السياسية الغائبة، فمن فراغ امتد لشهور طويلة فيما يتعلق بالمجلس النيابي، انتقل الوضع الآن إلى فراغ رئاسي، فالجامع في الحالة اللبنانية اليوم هو عدم توحيد الرأي والاتفاق على أي شيء من شأنه إنقاذ ما تبقى من هذا البلد الجميل وهذا يقودنا إلى أساس المشكلة وهي الأجندات الخارجية التي تتحكم في لبنان، لكن الممكن قوله في هذه الحالة، ومع تسلم السعودية في العام المقبل (2023) رئاسة جامعة الدول العربية، قد تحدث بعض الانفراجات، لكن إلى أن يحين ذلك سيبقى الفراغ الرئاسي موجوداً ولن يتم انتخاب رئيس في الوقت الحالي.

هذا الوضع مرتبط أيضاً، بالجمهورية الإسلامية الإيرانية التي أعلنت وعبر وزير خارجيتها استعدادها للتطبيع مع المملكة العربية السعودية، وفي هذا إشارة إيجابية للبنان بالمقام الأول وتالياً لسوريا، بصرف النظر عن الرد أو الموقف السعودي الذي يتسم بالفترة الأخيرة بالتوازن والاعتدال.

بالتالي، من تونس إلى لبنان إلى كل البلاد العربية، إن لم يتم صون السيادة الوطنية من المستحيل أن ترتفع مكانة المواطن العربي، اقتصادات منهارة، ولا حديث هناك عن صناعة أو تجارة، الحديث اليوم عن جوع يطيح بالمواطن العربي، لأجل ألا يتنازل هذا الزعيم أو ذاك عن مصالح الدول التي وظفته وتسيطر عليه، فإن التحالفات الحالية أثبتت فشلها ولا يمكن أن تنهض لا بلبنان أو العراق أو غيرها، يجب اليوم نبذ هذا الوضع الذي عصف بحقوق المواطنين، مع الإشارة إلى أن الدول الرئيسية المتحكمة بهذه البلاد هي نفسها بدأت تتضعضع من الداخل، فعلى من يعوّل الساسة اليوم؟

أما عن مسألة فراغ السلطة، فهي تعني، الحالة التي يفقد فيها الفرد سيطرته على شيء ما ولا يوجد من يحل محله، وعادة ما يكون وضعاً سياسياً يمكن أن يحدث عندما لا تمتلك الحكومة سلطة مركزية محددة. عند حدوث فراغ في السلطة، مثل أي فراغ مادي، تميل القوى الأخرى إلى الإسراع لملء الفراغ بمجرد حدوثه، وربما يأخذ ذلك شكل ميليشيا مسلحة، أو جماعات مسلحة، أو انقلاب عسكري، أو ظهور زعيم حرب أو دكتاتور، لكن حتى في هذا الشكل في بلادنا لا يحدث ذلك، لأن المتزعمين باتوا قوة اليوم من الناحية العددية إن صح التعبير، لكن من ناحية القرارات، فحدّث ولا حرج.

بالنتيجة، لا بد أن يتغير هذا الوضع، ولا بد لأي قيد أن ينكسر، وإلى أن يحين ذلك، فليفكر الإنسان العربي بتوجهه، فلا زعيم ينفع عندما يُفقد دواء، ولا سياسي يفيد عندما تشتد العاصفة، فالثورة الحقيقية إن لم ترتبط ببرنامج إصلاح فعلى الدنيا السلام.

مصدر الصورة: أرشيف سيتا.

إقرأ أيضاً: إلى الناخب اللبناني: ما نفعنا بدون هويّة؟ لبنان أولاً

عبد العزيز بدر القطان

كاتب وإعلامي – الكويت