إعداد: مركز سيتا

وافق مجلس الأمن الدولي على تعيين الدبلوماسي السلوفاكي المخضرم، يان كوبيش، مبعوثاً للأمم المتحدة إلى ليبيا، بعد نحو عام من إستقالة المبعوث السابق. وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد رشح كوبيش لخلافة غسان سلامة، الذي استقال من المنصب في مارس/آذار الماضي (2020)، بسبب الإجهاد، فيما وتولت ستيفاني وليامز، نائب سلامة، منصب القائم بالأعمال.

يأتي تعيين كوبيش بعد أن وافق مجلس الأمن، ديسمبر/كانون الأول 2020، على خطة غوتيريش تعيين الدبلوماسي البلغاري، نيكولاي ملادينوف، كمبعوث، لكن الأخير إعتذر عن تولي المهام “لأسباب شخصية وعائلية”.

شغل كوبيش منصب وزير للخارجية في سلوفاكيا، ويشغل حالياً منصب منسق الأمم المتحدة الخاص في لبنان، حيث سبق وأن عمل قبلاً كمبعوث للأمم المتحدة في كل من أفغانستان والعراق.

رحلة البعثات الدولية

يعيد قرار تعيين كوبيش إلى الأذهان رحلة من سبقه من مبعوثين ومصير بعثاتهم، التي آلت جميعها للفشل الذريع؛ فمنذ العام 2011 وما تلاه من فوضى عارمة إنتشرت في مناطق عدة من ليبيا، لم تتمكن بعثة الأمم المتحدة، تحت قيادة ستة من رؤسائها المعينين بالإضافة إلى رئيس بالوكالة، من التوصل إلى تسوية تضع حداً للإنفلات الحاصل في البلاد حتى الآن، هو ما قد يعد السبب الرئيس وراء إعتذار ملادينوف عن المنصب نظراً لثقل الملفات التي خلَّفها أسلافه، فهي مهمة صعبة ومحفوفة بالمخاطر ناهيك عن التدخلات الخارجية التي تطبِق على القرار الليبي، بقيادتيه الشرقية والغربية.

أيضاً، جاءت إستقالة المبعوث السابق، غسان سلامة، في وقت كانت التحركات السياسية في أوجها، لكن الخلافات كانت تتصدر المشهد قبل عامٍ من الآن؛ بالتالي، إن مهمة كوبيش ليست إنتحاراً بل من الممكن التنبؤ بفشل نتائجها مسبقاً خاصة مع تدخل الكثير من القوى الدولية، لا سيما الولايات المتحدة بشكل رئيسي عندما طالبت بتوزيع مهام المنصب الأممي على شخصين يتولى الأول مهمة الأمم المتحدة السياسية بينما يركز الثاني على جهود الوساطة، إذ لم يكن أمام الأمم المتحدة إلا أن وافقت على ذلك، بحيث سيبدأ التنفيذ في سبتمبر/أيلول المقبل (2021).

لا فائدة مرجوة

منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي وإلى يومنا هذا، يتساءل الكثير من المتابعين عن النتائج التي حققتها البعثات الأممية، لا سيما مع تزايد التدخلات الخارجية وحدة المعارك وبروز الدور المهم لـ “الإسلام السياسي”، من “جهاديين” وإرهابيين و”إخوان مسلمين” الذين باتوا أكثر قوة عما كانوا عليه في السابق. على الصعيد الخارجي، بدأت بعض الدول بتثبيت أقدامها في ليبيا وبناء القواعد العسكرية، على غرار ما قامت به تركيا.

ليس هذا فحسب، يمكن القول بأن الأمم المتحدة فشلت فشلاً ذريعاً لدرجة أنها أبقت منصب المبعوث الأممي شاغراً لأكثر من عام، فلم تستطع تعيين بديلاً بشكل مباشر ما يعني أن هناك من يتحكم بالأسماء المطروحة للتعيين، وهو أيضاً ما يعطي صورة أوضح عن إعتذار ملادينوف، إذ يبدو أن ما طُلب منه يفوق قدرته.

إلى ذلك، شكك بعض المراقبين بدور البعثة، في “ملتقى تونس”، بعدما منعت وسائل الإعلام من نقل المؤتمر والتعتيم على مقرراته، حيث خرجت المواقف على شكل تسريبات، وأبرزها ورقة طرحت أسماء المرشحين لإدارة ليبيا والتي تظهر أن 50 شخصاً، من بين الـ 75، ينتمون لتيارات إسلامية مختلفة، ما يعني أن فرض “الإسلام السياسي” على المشهد الليبي يعكس إرادة غربية تعمل الأمم المتحدة على تنفيذها.

من خلال ما سبق، يبدو أن دور أية بعثة أممية جديدة إلى ليبيا سيحمل ذات التوجهات والأدوار التي تعكس مصالح الغرب، ما يعني إقتصار الدور الأممي على تنفيذ تلك الأجندة. هذا الأمر، بالإضافة إلى حقيقة الأوضاع القائمة في ليبيا لجهة الحسابات الإقليمية والدولية، سيزيد من صعوبة أداء أي مبعوث أممي لكونه سيقف عاجزاً، سلباً أم أيجاباً، أمام هذا الواقع المعقّد بحيث لن يستطيع الإعتراض، أو حتى الإدانة، على أي حدث، أو إتخاذ الخطوات اللازمة لوقف التجاوزات.

أخيراً، سيكون أمام كوبيش صعوبات عديدة بسبب الأعباء الكبيرة التي تنتظره، أهمها تضارب المصالح الدولية والتعقيدات الداخلية؛ بالتالي، يبدو أن النجاح بعيد المنال عن كوبيش إلا في حال جرى نوع من التوافق الدولي على إعطائه صلاحيات حقيقية يستطيع من خلالها إيجاد حل يرضي الأطراف المتناحرة منذ عقد من الزمن.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: الأمم المتحدة في العراق – أرشيف سيتا

موضوع ذا صلة: الشمال الأفريقي وتحديد الأدوار في ليبيا