د. علوان أمين الدين*
في سبتمبر/أيلول 2001، وقعت أحداث 11/9 الشهيرة التي غيّرت وجه العالم. ليس هذا هو المهم في موضوعنا، المهم هو العبارة الشهيرة للرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش التي تقول “من ليس معنا.. فهو ضدنا”.
كنت أعتقد أنه أخطأ، كعاداته. مع مرور الزمن، تبيَّن أنه كان على حق. من يراقب الأحداث، يعلم جيداً واقعية هذه المقولة التي قسمت العالم إلى محورين اثنين؛ “محور الخير” و”محور الشر”. وكما حال الدول، كذلك حال الأفراد خصوصاً في مجتمعاتنا.
لبنانياً، إما أن تتموضع في محور معيّن، أو يتكاتف على محاربتك الضدّان.. أو على الأقل تغرّد بعيداً عن السرب، إذا لم نقل يُهمل رأيك الذي أصبح اصلاً من دون أية قيمة. فلكي تستمر، وجب عليك التموضع في أحد المحورين. وإذا دخلت إلى احدهم، عليك أن تتبنّى جميع أفكاره وسياساته بحُلوها ومرّها، بصوابياتها وخيباتها.
لا يمكنك ذِكر “حسنات” المحور الآخر علناً كنوع من أنواع الديمقراطية وحرية التعبير و”الشراكة” في الوطن، فذلك سيضعف موقف محورك ويسبّب له نوعاً من الحرج. في المقابل، لا تستطيع أن تنتقد أو تعترف بـ “سيئات” محورك علناً، بل عليك أن تقوم بالمدافعة عنها باستماتة وشراسة لا متناهيتين، بل وربما طمسها وإخفاء معالمها على مبدأ “أحسن ما يشمتوا التانيين فينا”.
إن قمت بإحدى الخطوتين السابقتين، تعلم مسبقاً إنك “ستُلام” أو “تُنبذ”، إن لم نقل “تخوَّن”. سيعتبرون رأيك إما “ابتزازاً” لمحورك للحصول على مكسب ما (أياً كان)، أو “تلميعاً” للوجه تمهيداً لـ “تسويق” نفسك لدى المحور الآخر.
يبقى المال “بيت القصيد”. فما يأتي إلى محورك من أموال هو “حلال.. زلال.. بلال”، سواء عبر تحليله “شرعاً” أو اعتباره “هدية”. أما أموال المحور الآخر، فهي حتماً أموال مشبوهة هدفها “الفتنة النائمة”. لعن الله خصومك على إيقاظها.
وعلى قاعدة “يحق لهم ما لا يحق لك”، فـ “كلن يعني كلن” لا مانع عندهم من فتح قنوات إتصال مشتركة عند التقاء المصالح، ولو على حساب المبادئ، إما مباشرة أو عبر “بيادق” اعدت لهذا الغرض. لا مشكلة. “الفتاوى” السياسية جاهزة ومفصّلة مسبقاً على قياس كل حدث. فلا مانع من استخدام وسيلة “قذرة” لتحقيق هدف “نبيل”.
على الصعيد الشخصي، إذا أردت “الاستغلال” حقاً، فما عليك إلا التمركز مباشرة في المحور الذي لا يشبهك، أي ضمن الضفة المعاكسة لبيئتك، التي تنتمي أنت إليها شكلاً أم غصباً. في هذه الحالة، سيكون الانتفاع متبادلاً. سيغدقون عليك المال والشهرة.. مقابل أن تغرقهم مدحاً وتمجيداً، وتنهال على “أعدائهم” قدحاً وذمًّا.
من خلال التجارب الواقعية، هذا النوع يعدّ الأفضل. واضح وصريح. يقوم على المصالح المتبادلة. لا مكان فيه للمبادئ، بل لتبادل الخدمات. ينتهي دوره بانتهاء “الغاية” التي قام لأجلها.
ختاماً، أتذكر جيداً عبارةً لإعلامي كبير وصديق عزيز سألته ذات مرة: لماذا لا تظهر على الشاشات ونحن بأمسّ الحاجة اليوم لأمثالك؟ أجابني ببساطة، وبابتسامة خفيفة باهتة “لقد إتخذ الجميع خياره”.
*مؤسس ومدير مركز سيتا
مصدر الصورة: Valley Christian Schools.
موضوع ذا صلة: بدوي: “حلان” خارجيان للأزمة اللبنانية