نشر موقع “ذا كونفرسيشن” الأسترالي للأبحاث الأكاديمية مقالاً للكاتب جوناثان ميتشي، أستاذ الإبتكار وتبادل المعرفة بجامعة أكسفورد، والمتخصص في الإدارة والمحاسبة والمالية والإقتصاد في جامعة كامبريدج، تناول فيه منتدى دافوس 2021 المنعقد في منتجع دافوس بسويسرا، والموضوعات المطروحة على طاولة المنتدى في أعقاب جائحة فيروس “كورونا” التي ضربت أمواجها شطآن العالم بأسره، وخاصة على المستوى الإقتصادي.
جائحة “كورونا” تفرض نفسها
يستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن المنتدى الإقتصادي العالمي الـ 51، “دافوس 2021″، يبدأ أعماله في 25 يناير/كانون الثاني، ولكن مع اختلاف كبير في اهتماماته عن سائر منتديات دافوس التي عُقدت من ذي قبل. وفي حين أن هذا هو التجمع السنوي الشهير الذي يعقد بمنتجع دافوس للتزلج في سويسرا ويحضره قادة عالميون من قطاع الأعمال والحكومة والمجتمع المدني، فإن حدث هذا العام سيعقد تقريباً بسبب جائحة “كورونا”.
يؤكد الكاتب أن الحدث الذي يضم أكثر من 1200 مندوب من 60 دولة يهدف إلى التجاوب مع الأحداث المروعة، التي وقعت في الاثني عشر شهراً الماضية. وينعقد المنتدى هذا العام تحت شعار “عام حاسم لإعادة بناء الثقة”، ولكنه يدور حول شعار “إعادة الضبط الكبرى” الذي أطلقه مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي، كلاوس شواب، والأمير تشارلز فيليب، ولي عهد المملكة المتحدة، العام الماضي، 2020.
وسيُصاحب الحدثَ أحداثٌ افتراضية في 430 مدينة حول العالم، لتأكيد حقيقة أننا نواجه تحديات عالمية تتطلب حلولاً وإجراءات عالمية. ويُعد هذا إقراراً بأن آثار الجائحة من المرجح أن تتفاقم على نحو متزايد بسبب التهديدات العالمية الرئيسة الأخرى، بما في ذلك أزمة المناخ والأزمات المالية وعدم المساواة الإجتماعية والإقتصادية.
ولإعطاء مثال واحد فقط على هذا الوضع، نذكر أن معدل وفيات فيروس “كورونا” المُستجد في إنجلترا، شهر ديسمبر/كانون الأول، كان في المناطق الأكثر حرماناً أعلى مرتين منه في المناطق الأقل حرماناً. إذن، ما مدى نجاح المنتدى الاقتصادي العالمي في أداء مهمته؟
دروس من التاريخ
يقول الكاتب هذه ليست هي المرة الأولى التي تتطلّب فيها الأزمات العالمية اتخاذ إجراءات عالمية، ولكن كانت هناك نتائج متفاوتة في الماضي. إذ بعد الحرب العالمية الأولى، لعبت المملكة المتحدة دوراً محورياً في تشكيل عصبة الأمم على المسرح الدولي. لكن هذا الدور فشل في النهاية، في ظل إصرار المملكة المتحدة على الحصول على تعويضات ما بعد الحرب التي قوضت الإنتعاش الإقتصادي والإستقرار السياسي في ألمانيا.
وعندما سعى العالم بعد ذلك إلى منع الصراعات المستقبلية قرب نهاية الحرب العالمية الثانية، كان قد تعلم الدرس إلى حد ما من المرة السابقة. والتقى الحلفاء في غابات بريتون وودز، في ولاية نيو هامبشاير، في الولايات المتحدة عام 1944 لوضع سياسات للإستقرار الإقتصادي في ما عرف رسمياً بإسم مؤتمر النقد الدولي.
أدى ذلك إلى نظام جديد خاص بأسعار الصرف المترابطة، والذي طرحت فيه الولايات المتحدة الدولار بوصفه عملة احتياطية مربوطة بالذهب، بحيث يلتزم البنك الفيدرالي الأمريكي بتحويل الدولارات إلى ذهب لأي بنك مركزي في أي وقت، بالإضافة إلى مؤسسات جديدة للمساعدة في إدارة هذا النظام، بما في ذلك صندوق النقد الدولي الذي أصبح فيما بعد البنك الدولي.
وفي العامين التاليين، تلا ذلك الصندوق ظهور الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية. واستمر نظام (اتفاقية) بريتون وودز حتى أوائل السبعينيات من القرن العشرين عندما خرجت الولايات المتحدة عن المعيار الذهبي، لكن الكثير من قواعد النظام الذي أنشئ في الأربعينيات ما زال قائماً بشكل أو بآخر حتى اليوم.
وأضاف الكاتب أن الأزمة المالية التي وقعت بين عامي 2007 و2009، والتي تضمنت أول ركود عالمي منذ ثلاثينيات القرن الماضي، أدت إلى عديد من الدعوات لاتخاذ إجراءات لمنع حدوث أزمات مماثلة في المستقبل. وكان هناك نوع من التشديد في التنظيم، لكن التهديد بحدوث عدم استقرار ما يزال قائماً بسبب الديون المفرطة والمضاربة الزائدة. وبما أن الأربعينيات فقط هي التي شهدت استجابة مناسبة حقاً للأزمات العالمية، فما الذي سيحدث الفرق هذه المرة؟
إعادة الضبط الكبرى
يرى الكاتب أن رؤية المنتدى الإقتصادي العالمي الخاصة “بإعادة الضبط الكبرى” تقر بأن ما هو مطلوب لمعالجة هذه الأزمات يتجاوز بكثير الإصلاحات الإقتصادية أو التدابير المناخية أو معالجة الجائحة – بل يشملها كلها مجتمعة، ويشمل أكثر من ذلك. وتتمثل الفكرة في أن العمل العالمي يحتاج إلى أن يكون مدعوماً برسالة لتغيير المجتمع، لجعله أكثر شمولاً وتماسكاً؛ ولمواكبة الإستدامة البيئية مع الإستدامة الإجتماعية. ويتبع ذلك دعوتهم إلى “إعادة البناء بشكل أفضل أو BBB (استراتيجية تهدف إلى الحد من المخاطر التي يتعرض لها شعوب الأمم والمجتمعات في أعقاب الكوارث والصدمات المستقبلية)” – وهي دعوة رددها كثيرون حول العالم.
ويسعى المنتدى الاقتصادي العالمي إلى اتخاذ إجراءات عبر سبعة موضوعات رئيسة: الإستدامة البيئية، اقتصادات أكثر عدلاً، “تكنولوجيا من أجل الخير”، مستقبل العمل وضرورة صقل المهارات، عمل أفضل، مستقبل صحي يتضمن وصولاً عادلاً للجميع، والعمل على نحو “يتجاوز الجغرافيا السياسية” – حيث تتعاون الحكومات الوطنية على الصعيد العالمي.
وفي هذا الصدد، يقول المنتدى الاقتصادي العالمي إن المفتاح لتحقيق ما سبق هو إعادة بناء الثقة العامة، والتي “تتعرض للتآكل، ويرجع ذلك جزئياً إلى سوء التعامل مع جائحة فيروس كورونا المُستجد”. لكن هذا الأمر ربما يكون صعباً، نظراً لحدوث تغيير طفيف في قيادة الشركات أو الحكومات، ويتمثل الأمل الكبير في وصول الرئيس جو بايدن إلى الحكم.
هل يستطيع جو بايدن إنقاذنا؟
يعلق الكاتب قائلاً: للأسف، يكمن السبب الرئيس للتفاؤل في حقيقة مؤداها أن أزمات اليوم كبيرة لدرجة أنها ربما تستدعي اتخاذ إجراءات على الفور. إذ من المحتمل حدوث أزمات مالية في المستقبل. ويتزايد قبول فكرة أن أزمة المناخ تمثل تهديداً وجودياً. والآن، أصبحت الجائحة كارثة إقتصادية وبشرية ضخمة، مع تزايد الإعتراف بإحتمال حدوث المزيد من هذه الجوائح بسبب كل شيء بدءاً من حدوث انفجار في وضع السفر العالمي إلى آثار تغير المناخ.
الإنجراف الليبرالي الجديد
يشير الكاتب إلى أن السؤال الرئيس للمنتدى في هذا العام، والذي من المقرر أن تعقبه مرحلة ثانية في سنغافورة، شهر مايو/أيار، هو ما إذا كان سيجري تطوير شكل جديد من العولمة أم لا. وكان هناك شكل من أشكال العولمة متمثلاً في السوق الحرة التي أدت إلى الحرب العالمية الأولى، ثم حدث تراجع خلال المدة الواقعة ما بين الحربين العالميتين (بين نهاية الحرب العالمية الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 1918 وبداية الحرب العالمية الثانية في سبتمبر/أيلول 1939). وأدى التوصل إلى اتفاقية بريتون وودز إلى عصر العولمة المنظمة، من العام 1945 حتى ثمانينيات القرن العشرين. ولكن منذ ذلك الحين، رفضت “النخبة العالمية” قبول فرض قيود تنظيمية على كل شيء بدءاً من تدفقات المضاربة المالية عبر الحدود إلى عمليات الدمج والإستحواذ.
وأصبح هناك حاجة لحقبة جديدة، تبنى على ما حققته “إتفاقية باريس للمناخ” للحد من تغير المناخ الآن بعد أن انضم الأمريكيون مرةً أخرى إلى الاتفاقية – مع مزيد من الدعم لصفقة خضراء جديدة تهدف إلى تحقيق صافي انبعاثات صفرية، وتجعل الإقتصاد العالمي مستداماً حقًاً. ولتحقيق هذا، نحتاج إلى مبادرات جريئة للتصدي لخطر حدوث جوائح في المستقبل؛ والمضاربة المالية والتهرب الضريبي وتجنب دفعها، وخطر الأزمات المالية؛ والحد من التفاوتات غير المستدامة في الثروة والدخل والسلطة في جميع أنحاء العالم.
ويتساءل الكاتب في ختام تقريره قائلًا “هل سيرتقي صناع القرار السياسي والمؤسسي إلى مستوى التحدي؟ ويخلص إلى أنه يجب أن يكون هناك ضغط شعبي كاف، من جانب المواطنين والناخبين والمستهلكين والعاملين والمعلمين والناشطين، لدفع الحكومات والشركات لتغيير المسار على نحو جذري. وفي هذا السياق، شهدت السنوات القليلة الماضية “حركة احتلوا”، و”حركة أنا أيضاً” وحركة “حياة السود مهمة” وعدداً لا يحصى من مجموعات أزمات المناخ.
وتواصلت الدعوات للعمل من جانب قادة الأعمال في دافوس وأماكن أخرى منذ سنوات، والأمل هذه المرة أن يجعل حجم حالة الطوارئ التغيير الجذري أخيراً أمراً لا مفر منه.
*إعادة الضبط الكبرى.. ما هي رؤية منتدى دافوس 2021؟
المصدر: نون بوست.
مصدر الصور: روسيا اليوم – العين الإخبارية.
موضوع ذا صلة: “دافوس 2019”: بين الفشل والأمل