الهند في وضع متميز، والآن يحاول الجميع إغواءها، نظراً للوضع الذي تجد فيه روسيا، أكبر مورد للأسلحة إلى نيودلهي، هكذا يبدو من زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الهند، والتي اتفق خلالها مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي على خارطة طريق لصناعة الدفاع وناقشا التعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

فهل يمكن للعلاقات المتنامية بين فرنسا والهند أن تخلق مشاكل في سوق الأسلحة العالمي؟

قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة للهند تستغرق يومين بدعوة من رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وتتزامن الزيارة مع ذكرى يوم الجمهورية، وهو العيد الوطني في الهند تكريماً لاعتماد الدستور، وكان زعيم فرنسا ضيف الشرف، وهو ما جاء بمثابة نوع من الرد على مشاركة مودي في احتفالات يوم الباستيل في 14 يوليو 2023.

ومع ذلك، كان من المقرر في البداية أن يلعب جو بايدن هذا الدور، لكن رئيس البيت الأبيض رفض الدعوة، وبحسب الرواية الرسمية فإن السبب يعود إلى أن الزيارة كانت قريبة جداً من خطاب الرئيس الأميركي أمام الكونغرس حول حالة البلاد مؤخراً، ويحظى الخطاب المقرر إلقاءه في 7 مارس/آذار بأهمية خاصة بالنسبة لبايدن قبل انتخابات 2024، وفي الوقت نفسه، تزعم عدد من وسائل الإعلام أن الرفض يعني بادرة استنكار من جانب الولايات المتحدة، نحن نتحدث عن مقتل أحد قادة حركة السيخ في كندا (يعتبر السيخ في الهند انفصاليين) هارديب سينغ نيجار، ونسبت واشنطن وأوتاوا تنظيمها إلى أجهزة المخابرات الهندية.

بالتالي، لم يجد ماكرون أي سبب للرفض: ففي اليوم الأول من زيارته، تم الترحيب به حرفياً في جايبور بسجادة حمراء، وفي اليوم الثاني شارك رئيس فرنسا في عرض عسكري مهيب بمناسبة العيد، ورافق ماكرون في الرحلة عدد من الوزراء بينهم رئيسي وزارتي الخارجية والدفاع في الجمهورية – ستيفان سيجورنيه وسيباستيان ليكورنو.

أما بالنسبة للجزء الرسمي من الزيارة، فقد اتفق القادة على خارطة طريق للتعاون الصناعي الدفاعي، والتي تنص على التطوير المشترك وإنتاج المعدات العسكرية الحيوية للعمليات القتالية على الأرض، وكذلك في الفضاء والفضاء الإلكتروني وفي الميدان، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، كما وقع الطرفان على اتفاقية للتعاون في مجالات العلوم والتكنولوجيا والرعاية الصحية والتعليم.

تعزيز التعاون الدفاعي

ركز اهتمام المجتمع الدولي بشكل خاص على صفقات الأسلحة. وتعد فرنسا حاليا ثاني أكبر مصدر للمنتجات الدفاعية إلى الهند بعد روسيا، وهكذا، قام الفرنسيون بالفعل بتزويد القوات الجوية الهندية بـ 36 مقاتلة رافال، ولا تزال المفاوضات جارية لبيع 26 طائرة إضافية لأول حاملة طائرات هندية، بالإضافة إلى ثلاث غواصات من طراز سكوربين، تم تطويرها بشكل مشترك بين فرنسا وإسبانيا. وتقدر القيمة الإجمالية للمعاملات بمبلغ 9-10 مليار يورو.

وتدرس الدول أيضاً التطوير المشترك لمحركات القوات الجوية الهندية، بما في ذلك الطائرات ذات الأجنحة الثابتة والمروحيات. جدير بالذكر أنه في أبريل 2022، أوقفت الهند شراء مروحيات روسية جديدة من طراز Mi-17. تزعم مصادر حكومية أن هذا لا يرجع إلى إطلاق البنك المركزي العماني، ولكن إلى الحاجة إلى دعم البرنامج الوطني “صنع في الهند”. لكن في الوقت الحالي لا تزال موسكو هي المورد الرئيسي.

بالتالي، “لا يمكن لفرنسا أن تحل محل روسيا بسبب علاقاتها التاريخية، وحتى اليوم ما يقرب من 70٪ من أسلحة الهند هي من أصل روسي”، ونيودلهي فيما يبدو تريد مواصلة هذه الشراكة، ولهذا السبب تشتري الهند، على سبيل المثال، أنظمة الصواريخ الروسية المضادة للطائرات من طراز S-400.

هنا فرنسا تريد الانتقام من روسيا على خلفية الخروج المذل من النيجر، فضلاً عن دق إسفين بين الجانبين، فالمعروف أن هناك مناوشات هندية صينية وكذلك هندية باكستانية، وفي ظل تسليح الهند، إنما تعزز باريس الشرخ الحاصل، ما قد يدفع هذه الدول إلى انتهاج سياسات أكثر حدة من خلال التنسيق الصيني الروسي، والباكستاني الروسي في حال شكلت هذه الصفقات خطراً على هذين القوتين وخاصة باكستان، فماكرون، يعمل الآن وفق عقلية الاستخبارات ويزج بأنفه في كثير من الدول كأرمينيا وبعض دول البلطيق للانتقام من روسيا وتركيا، والآن الهند، ربما هذا التحول يدلل على العجز الذي يعاني من الاتحاد الأوروبي الذي أثبت فشله في كثير من الأمور خاصة فيما يتعلق بالصراع الأوكراني، وفي إفريقيا، والآن في حرب الكيان الصهيوني على قطاع غزة.

بالتالي، إن روسيا شريك استراتيجي مهم للغاية، بما في ذلك العامل الجغرافي، ومع ذلك، فإن الهند مهتمة بزيادة الإمدادات الفرنسية والأمريكية، بما في ذلك الطائرات بدون طيار، وتعمل نيودلهي بنشاط على تطوير التعاون في المجال البحري مع واشنطن، ومن الواضح أن باريس وواشنطن ليسا أقل اهتماماً بهذا الأمر، فعندما جاء وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ووزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إلى نيودلهي لإجراء محادثات بصيغة 2 + 2، أولى الطرفان اهتماماً خاصاً بقطاع الدفاع، بما في ذلك التطورات المشتركة.

وهذا يعني أن فرنسا ودول أخرى تسرق بالفعل بعضاً من سوق الأسلحة الهندية.

الهند بشكل عام الآن في مثل هذا الوضع المتميز، ونظراً للموقف الذي تجد روسيا نفسها فيه، فإن الجميع يحاولون إغواء الهند، وتقديم ما ربما كانوا يخشونه في السابق، بالتالي، إن الأمر يتعلق بفرنسا، بما في ذلك فرنسا التي وافقت على نقل تقنيات المحركات.

ومن الجدير بالذكر أنه لم يتم تمثيل أي دولة في أيام الجمهورية أكثر من فرنسا، وليس من قبيل الصدفة: فقد ظلت لعقود من الزمن أقدم شريك وثيق للهند في أوروبا، وبشكل خاص، لم تفرض فرنسا، إلى جانب روسيا والمملكة المتحدة، عقوبات على الهند فيما يتصل بالتجارب النووية التي أجرتها في عام 1998، على عكس الولايات المتحدة وأغلب الدول الأخرى.

بالتالي، تهدف زيارة ماكرون إلى تعزيز العلاقات في سياق منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهو ما أكدت عليه وسائل الإعلام الفرنسية والهندية، وفي اجتماع عقد سابق من العام الماضي (2023)، اتفقت الأطراف، على وجه الخصوص، على خارطة طريق للتعاون في المنطقة على مدى السنوات الخمس والعشرين المقبلة، وتوسيع التعاون من المحيط الهندي إلى المحيط الهادئ، ومن خلال تزويد نيودلهي بالأسلحة، تسعى باريس بالتالي إلى تحقيق مصالحها للحصول على موطئ قدم في المنطقة، فضلاً عن مصالح الولايات المتحدة، مما يضع الهند كثقل اقتصادي وعسكري موازن للصين.

بالإضافة إلى ذلك، فقد أصبح من المعروف الآن أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) سوف يتوسع ليشمل جنوب شرق آسيا، وفرنسا، باعتبارها دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، قد تظهر هناك، ولكن في سياق انتشار قوات حلف شمال الأطلسي، وحتى الآن، هناك دول أقوى بكثير في المنطقة، فضلاً عن دول استباقية ومتحمسة، أقصد بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية أولاً، وثانياً الصين، وكذلك اليابان والهند وحتى كوريا الجنوبية، وعلى الرغم من أن الفرنسيين يمكنهم بالطبع لعب الورقة الهندية من أجل استعادة مكانتهم جزئياً على الأقل في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لكن هذا نجاح جزئي لن يثمر عن شيء، فالتحولات التي تقوم بها فرنسا لا زمانها ولا مكانها في هذا التوقيت والعالم ملتهب من كافة النواحي.

بالنسبة للصين، إن فرنسا مثيرة للاهتمام بالنسبة للهند في سياق الصين، خاصة وأن بكين تشعر بالقلق بشكل واضح بشأن الهند بسبب النزاعات الحدودية الطويلة الأمد بين البلدين، وأن فرنسا تساعد في تعزيز الأمن من خلال تزويد نيودلهي بالتقنيات اللازمة، بما في ذلك للقوات الجوية، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى تداعيات لن يُحمد عقباها، كما حصل في مسألة الطاقة الروسية وقطعها عن أوروبا على سبيل المثال لا الحصر.

مصدر الصور: وكالة رويترز – وكالة ريا نوفوستي.

إقرأ أيضاً: مشروع النقل الجديد.. مخطط أمريكي لربط الهند بأوروبا كبديل لحزام واحد طريق واحد

عبد العزيز بدر بن حمد القطان

كاتب ومفكر – الكويت