تعريب وتعليق: حسين الموسوي*
في مقال مهم نشره شخص، تحت إسم مستعار وهو “سيغموند فرويد”، يرى بأن هناك ستة أمور تبقيك “عبداً” لنظرية “الماتريكس”، أو النظرية “المصفوفة”. في هذا الشأن، يقول نيلسون مانديلا “في السجن، الاوهام تستطيع أن تقدم لك الراحة”، ويقول بن سيلاس، وهو فيزيائي نووي في جامعة واشنطن، إنه “إذا كنا نعيش فعلاً في محاكاة، فإن الاحتمال المنطقي، أن ما نقوم بدراسته ليس حقاً قوانين الطبيعة، وإنما نوع من أنواع القانون الإصطناعي الذي تفرضه القوى الخارجية.”
أيضاً بالنسبة للساحر الذي يريد خداع جمهوره، فإن خدعته يجب أن تكون غير مرئية. لذلك، يوجدُ وهماً ما لتحويل النظر والإنتباه عن الحقيقة. وبينما الجمهور مفتون ومأخوذ، يتم تنفيذ الخدعة. أما بالنسبة للحمقى، تصبح الحقيقة حينها مبنية على كذبة لسبب غير مفهوم حتى يستيقظ هؤلاء الحمقى ويدركون واقعَ أنه تم خداعهم.
مع ذلك، يبقى الحفاظ على حالة تجميد عدم الإيمان بالوهم أكثر سهولة من الكشف عن أو التعريف بسر الساحر. نحن نعيش في عالم من الوهم، الكثير من القلق والإهتمامات التي تجتاح العقل والكثير من المهام التي تملأ أجنداتنا تنبع من إشارات مزروعة من أجل أن نصبح شخصاً أو شيئاً لسنا هو. وهذا ليس صدفة كوننا مشربون وملقنون في إطار وسياق هذه الثقافة، ثقافة الاستهلاك المشترك الإستبدادية التي تسيطر على الجنس البشري.
نحن مدربون على أن بعض المظاهر المعينة، في مجتمعنا، هي حقائق لا يمكن المس بها، وأن هذا النمط من السلوك هو المفضل. والمضطربون عقلياً يجردون الناس من القوة بهذه الطريقة. يقومون بتعميتنا عبر وابل لا ينتهي من المقترحات والمطلقات التي تهدف لتحطيم ثقتنا بأنفسنا وثقتنا بمستقبلنا.
من هنا، يقول بانكسي إن “الناس يغمزون لك من فوق مبنى عالٍ، ويجعلونك تشعر بأنك حقير ويدلون بتعليقات وقحة مثل انك لست جذاباً كفاية وان السعادة والمرح موجودان في مكان آخر. هؤلاء لديهم الطريق إلى التكنولوجيا الأكثر تطوراً في العالم ويتنمرون عليك بذلك. إنهم المعلنون.. وهم يخدعونك.”
فالإعلان هو فقط رأس جبل الجليد. عندما ننظر أبعد، نرى أن كل منظومة الحياة تتمحور حول السعي وراء الأوهام والطاعة الآلية “الأوتوماتيكية” للمؤسسات والأفكار التي هي ليست كما تبدو. نحن مستعبدون بكل ما للكلمة من معنى. العديد يسمون ذلك شيئاً من الشعور غير الملموس باضطهاد “الماتريكس”. نظام من السيطرة الكاملة التي تغزو العقل وتبرمج الأفكار ليقوْلِبوا أنفسهم وفقاً للنسخة الملتزمة بهذه الحقيقة بغض النظر عن خبثها وشرها.
1. وهم القانون – النظام – السلطة
بالنسبة للعديد منا، إن اتباع القانون يعتبر التزاماً أخلاقياً. والكثير منا يفعلون ذلك بسرور رغم أن الفساد والفضائح والخبث يكشفون مراراً ان القانون ليِّن كفاية تجاه من يملكون العضلات لطَيِّه. هعلى سبيل المثال، وحشية الشرطة متفشية في الولايات المتحدة، والمحاكم تحابي الأغنياء، ولا يمكننا تسيير حياتنا بخصوصية والفضل يعود لتطفل عمليات تجسس الدولة. في حين ان الحرب “الأورويلية” غير القانونية وغير الأخلاقية تشن من خلف كل هذا، لتقتل وتدمر الامم والثقافات.
فالنظام الإجتماعي ليس كما يبدو عليه، لأنه يستند إلى الإمتثال والطاعة والإذعان الذين يتم فرضهم من خلال الخوف والعنف. والتاريخ يعلمنا مرى أخرى أن القانون عادل طالما لا يستخدم كأداة للظلم والإضطهاد والسيطرة الإجتماعية والسرقة والنهب، وأية سلطة مسماة ضمن هذا السياق هي مزيفة ومنافقة وظالمة. عندما لا يلتزم القانون نفسه بالقانون، حينها لا يوجد قانون أو نظام أو عدالة. حينها، تكوت تصرفات الحكومات مجرد تمويه وإخفاء لحقيقة أن نظام العامل الحالي يقوم على السيطرة وليس القبول.
2. وهم الرفاهية والسعادة
تزيين الفرد لنفسه بالملابس والحلي والباقات المكدسة من الحاجيات والممتلكات التي هي محط حسد وغيرة أصبحت البديل للرفاهية الحقيقية. فالحفاظ على “وهم” الرفاهية شيء أساسي لاقتصادنا بصيغته الحالية لأن أسسه مبنية على الإستهلاك والإحتيال والأرصدة والديْن. لذا، يعد النظام المصرفي صمم من الأعلى إلى الاسفل ليخلق ثروة غير محدودة للبعض بينما يفرض الضرائب على البقية.
أما الرفاهية الحقيقية فهي بيئة تنبض بالحياة ووفرة الصحة والسعادة والمحبة والعلاقات. وبقدر ما يسعى الناس فهم الأشياء المادية على انها النموذج للتعريف بالنفس في هذه الثقافة، فإننا ننزلق أكثر بعيداً عن تجربة الرفاهية الحقيقية.
3. وهم الإختيار
إقرأ بين السطور وانظر إلى الإشارات الواضحة. نحن لا نملك الحرية تحت أي معيار من معايير الذكاء. الحرية تتعلق بامتلاك الخيار. غير أنه في عالم اليوم، أصبح الخيار يعني “الإختيار بين خيارات متاحة ضمن النظام الضريبي ونظام الفساد القضائي والقانوني، وضمن حدود نماذج مفروضة ومقبولة ثقافياً”.
نحن فقط نحتاج للنظر إلى المؤسسات الزائفة للديمقراطية الحديثة كي نجد مثالاً واضحاً للخيارات الخاطئة التي تبدو حقيقية. فعلى سبيل المثال، حزبان سياسيان محصنان وفاسدان في الولايات المتحدة يستعرضان بأنهما “فخر وأمل الأمة الأميركية”. لكن حزبا ثالثاً مستقلاً يتم تعطيله والسخرية منه ودفنه.
إن وهم الخيار والحرية هو عامل اضطهاد قوي لأنه “يستغبينا” للقبول بالقيود والسلاسل رغم انها تصوّر لنا كرمز للتحرر. الخيارات المتعددة تختلف عن الحرية. إنها عبودية سهلة.
4. وهم الحقيقة
أصبحت الحرية موضوعاً حساساً في ثقافتنا. لقد تمت برمجتنا لنصدق أن الحقيقة تأتي من أنصاف الآلهة التابعة للإعلام، الشهرة والحكومة. إذا أعلن التلفزيون شيئاً على أنه حقيقي، سنُتهم بالهرطقة إذا صدقنا شيئاً آخر.
من أجل الحفاظ على النظام، تعتمد القوى على عملية إذعاننا وإخضاعنا للنسخة الخاصة بها من الحقيقة. وبينما يقوم المفكرون والصحفيون المستقلون بإحداث ثغرات في حائط الواقع الرسمي، فإن وهم الحقيقة يكون قوياً كفاية لتنفيذ “ثوران شخصاني” يسمح له بالهروب من تنافر معرفي هو ضروري للعمل في المجتمع اللاهث وراء الواقع المزيف علانية.
5. وهم الوقت
يقولون ان “الوقت هو المال”. لكن هذه كذبة. الوقت هو حياتنا، وحياتنا هي تعبير متطور للحاضر. النظر إلى ما بعد عالم الحواس الخمس، حيث تم تدريبنا على التحرك وفقاً للساعة والتقويم، نجد أن الروح أبدية وأن روح كل فرد جزء من الأبدية هذه.
الخداع الأكبر هنا هو في إعادة فرض فكرة أن اللحظات الحالية هي جزء بسيط من اللا قيمة، وأن الماضي هو شيء لا نستطيع إرجاعه أو نسيانه، وأن المستقبل أكثر أهمية من الماضي والحاضر بشكل جوهري. كل هذا يأخذ انتباهنا بعيداً عما يحصل واقعا الآن ويوجهه نحو المستقبل. وحين نركز تماماً على ما سيأتي أكثر مما يحصل الآن، نصبح “فريسة” سهلة للمعلنين وقوّادي الخوف الذين يصبغون رؤيتنا للمستقبل بوحول أي قلق وخوف يمكن تخيلهما.
نحن أكثر سعادة حين لا تكون حياتنا معلّبة، وعندما تمنحنا العفوية العشوائية فرصة لمعرفة أنفسنا أكثر. إن مصادرة لحظات الحاضر من أجل تخيل المستقبل هي فخ. إن أوقات السعادة الروحية الهائلة واللا نهائية، التي تتواجد بالتأمل الهادئ، تعتبر دليلاً على أن الوقت هو من مكونات العقل والإنسانية، وليس إلزامياً بالضرورة لتجربة الإنسان. إذا كان “الوقت هو المال”، عندها ستقاس الحياة بالدولارات. وعندما تكون قيمة الدولار أقل، ستكون الحياة كذلك. هذا خداع تام لأن الحياة في الحقيقة لا تقدر بثمن.
6. وهم الإنفصال
على المستوى الاستراتيجي، يكون تكتيك التقسيم والقهر إجراءً عملياً نموذجياً للجيوش الغازية الاستبدادية، غير ان وهم الإنفصال يكون أعمق من ذلك.
نحن مبرمجون لنصدق أننا كأفراد في حالة منافسة مع كل شخص، كل شيء حولنا حتى مع “الطبيعة الأم”. نحن في مواجهتهم لأقصى حد. هذا ينكر بشكل قاطع حقيقة أن الحياة على هذا الكوكب متقاطعة ومترابطة بشكل لا محدود. بدون هواء نظيف ومياه نظيفة وتربة صحية وبدون شعور حيوي عالمي بالمجتمع، لا نستطيع أن نحيا هنا.
بينما يريحنا وهم الإنفصال عبر إمتاع “الأنا” داخلنا ومنحنا إحساساً بالتحكم بالواقع، فإنه فقط يخدم عملية استعبادنا وعزلنا.
ختاماً، إن الأوهام الكبرى هذه تم تنظيمها لتشجيع الإنقياد الأعمى لمكائد “الماتريكس”. في محاولة لإضعافنا، يطلبون منا الامتثال والطاعة، لكن لا يجب أن ننسى أن كل ذلك مجرد عملية بيع لبضاعة فاسدة. لا يمكنهم أن يبيعونا ما لا نرغب بشرائه.
*باحث زميل – لبنان
مصدر الصور: Womens post – Greelane.
موضوع ذا صلة: أزمة المفاهيم في الثقافة السياسية العربية: “الشعوب العربية يناسبها الإستبداد”