حوار: سمر رضوان

يبدو أن التغير الذي طرأ على موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته، بإظهار رغبة شديدة في التقارب مع مصر، هو توجه حتمي فرضته المعطيات المتغيرة على أرض الواقع، حيث أصبحت أنقرة تعاني من العزلة في محيطها الجغرافي خاصة حوض البحر المتوسط؛ لذلك، هناك جهود تركية حثيثة لخلق بيئة مواتية تتقرب فيها من مصر بهدف تصحيح مسار عقد كامل من السياسات التركية في المنطقة العربية.

حول التقارب التركي – المصري بعد سنوات من القطيعة ومآلاته وتوقيته وما سينتج عن هذا التطور، سأل “مركز سيتاالأستاذ صلاح لبيب، الباحث في الشؤون التركية – مصر، عن تفاصيل هذا الموضوع.

عوامل التغيير

ساهمت عوامل عدة في الحلحلة الطارئة للعلاقات المصرية – التركية بعد سنوات من العداء، وهذه العوامل منها ما هو مرتبط بالبلدين، ومنها ما هو مرتبط بترتيبات المشهد الدولي وعلى رأسها وصول جو بايدن إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة.

بدايةً، فشلت رهانات حكومة “العدالة والتنمية” التركية على مشروع “التأسلم” السياسي في المنطقة، إذ خسر هذا المشروع، في غالبية الدول التي اشتعل فيها ما يسمى بـ “الربيع العربي”، ما شكل خسارة مزدوجة لتركيا كونها خسرت خطة عملت عليها لعقدين من الزمن بالإضافة إلى خسارتها للعديد من العلاقات المتينة مع الدول الرئيسية في الإقليم، وعلى رأسها مصر وسوريا والخليج، بعدما تدخلت بشكل واسع وكبير في شؤون تلك الدول سعياً وراء تغيير الأنظمة الحاكمة فيها.

مصالح وأولويات

مما لا شك فيه أن مسار التطبيع العربي – الإسرائيلي، وخاصة الخليجي منه، خلط الأوراق الإقليمية بشكل غير مسبوق حيث جاءت الترتيبات التي تلت عملية التطبيع بعوائد سلبية على دول رئيسية في المنطقة وعلى رأسها مصر وتركيا.

من جانبها، وجدت القاهرة حلفاء رئيسيين لها يبحثون عن مصالحهم وهم يدركون أنها تتناقض مع المصالح المصرية؛ ظهر هذا على سبيل المثال في الاتفاقات الاقتصادية التي تؤثر بشكل مباشر على قناة السويس، كما ظهر أيضاً من خلال ترتيبات ملف الغاز في شرق المتوسط، وعلينا أن لا ننسى مسالة حيوية جداً تكمن في قضية “سد النهضة”.

لأسباب عدة، التقطت أنقرة إشارات حول إمكانية البحث عن تقارب مع القاهرة، وبدأ هذا في الملف الليبي حيث ظهر أن هناك حواراً اتى بنتائج إيجابية، فبدا أن هناك حواراً سيكون مفيداً من خلال قناة الحوار “الأمنية” التي حققت نوعاً من التقدم.

مسار التهدئة

بتصوري، إن مسار التهدئة بين مصر وتركيا سابق على المصالحة الخليجية حيث جاء بعد الإنذار العسكري المصري لأنقرة عندما أعلنت القيادة السياسية المصرية، على مقربة من الحدود الليبية، أن سرت والجفرة “خط أحمر”. كما شكلت المناورات العسكرية المصرية في تلك البقعة بالإضافة إلى التهديد المصري بالتدخل عسكرياً عامل ردع لأنقرة جعلها تتراجع خطوتين للوراء خوفاً من إشعال حرب مباشرة مع القاهرة. تلك الخطوة، دفعت أنقرة إلى التقليل من حدة استفزاز القاهرة لا سيما في ملفات الأمن القومي المباشرة، وهذا ما دفع مسار الحل السياسي في ليبيا – ومع عوامل أخرى – وساعد في انتخاب هيئات ليبية جديدة حظيت بإشادة كل من القاهرة وأنقرة.

أما فيما يتعلق بسوريا، تبدو مصر واضحة في رهاناتها بتدعم الحكومة السورية ضد التنظيمات الإرهابية، إذ طالما اتهمت القاهرة أنقرة بدعم الإرهاب فيها وأدانت تدخلها العسكري في الأراضي السورية، حيث أن مواقف القاهرة مناوئة للموقف التركي في دمشق، وهذا أيضاً شكل أحد أبرز ملفات الخلاف بين البلدين.

أما بما يخص ليبيا، فالتناقض واضح. تدعم مصر قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، والمناوئ لحلفاء أنقرة في طرابلس. هنا، يجب الإشارة إلى مسألة مهمة وهي أن دعم المسار السياسي من قِبل الجانبين لا يعني تبدد عوامل الصراع بينهما، لكن ذلك لا يعدو أن يكون هدنة مع تثبيت القوى العسكرية على الأرض. فلقد عبّرت القاهرة عن مراراً رفضها وجود القوات العسكرية التركية في ليبيا، وكذلك الميليشيات الأجنبية وعلى رأسها التنظيمات الإرهابية التي جرى نقلها عبر سفن وطائرات الجيش التركي إلى طرابلس الغرب.

دور أمريكي

فيما يتعلق بواشنطن، يبدو واضحاً أن أعوام الرئيس بايدن في الحكم ستكون أعوام صراع مع الصين بشكل رئيسي ومن ثم روسيا؛ لذا، تعمل أمريكا على تهدئة المناطق الساخنة وعلى رأسها الشرق الأوسط أملاً في تركيز جهودها على بكين، حيث تبدو خطة الرئيس الأمريكي في هذا الإطار واضحة، فهي تعمل على تهدئة صراعات حلفائها البينية حتى لا تشتعل صراعات تستنزف جهودها في حماية إسرائيل والمنطقة عموماً.

أيضاً، تقع المصالحة الخليجية والمصالحات الأخرى ضمن هذا الإطار، لكن هذه التهدئة لن تحل المشاكل البينية ولا الصراعات المسلحة إذ تعاني دول المنطقة من آثار التدخلات العنيفة لتغيير الأنظمة بالقوة وزعزعة الاستقرار الهش أساساً.

مصدر الصورة: صحيفة العرب.

موضوع ذا صلة: مستقبل العلاقات المصرية – التركية في العام الجديد