الزعم بالتناقض بين أحكام القرآن الكريم
تمهيد
يحاول الملحدون الطعن في الدين حتى يشوشوا على من يعبد الله على حرف. ونناقش في هذه المقالة واحدة من هذه الذرائع، كما نناقش في مقالة تالية، ذريعة أخرى. وأما الذريعة الأولى، فهي أن الفقه حل محل الدين، خاصة وأن الملحدين لا يطلعون على المصادر الأصلية للدين، وهما القرآن الكريم والسنّة. وقد ذكرنا في مناسبات سابقة أن شطراً من الملحدين ينكرون السنّة ولا يعترفون إلا بالقرآن، ويطلق عليهم “القرآنيون”، وقد رصدت – في الفترة الأخيرة – ذرائع متعددة لكي يُدخلوا الشك في نفوس الناس، خاصة أولئك الذين يعبدون الله على حرف، فوجب تفنيد ذرائعهم وإنقاذ الناس من حصارهم.
وقد اعترف بعض المستهدفين بأنهم لا يستطيعون دفع حججهم وتعرية ذرائعهم؛ لذلك، وجب أن يتصدى لهم فئة متعمقة في الدين ولها قدم ثابت فى هذا الباب.
وزلقد خصصنا هذه المقالة لمناقشة ودحض ذريعة من الذريعتين يسوقهما الملحدون لصرف الناس عن صحيح الدين.
المقولة الأولى، هي التناقض الشكلي بين أحكام القرآن الكريم وأحياناً بين القرآن والسنّة، مثل قوله تعالى “لا نفرق بين أحد من رسله” (سورة البقرة 253)، وقوله تعالى “تلك الرُسل فضلنا بعضهم على بعض (سورة الإسراء 55). ولا تناقض بين الحكمين، فكلهم رسل الله وأنبياؤه تكفل بنصرهم “وإن رسلنا لهم الغالبون.”
إقرأ أيضاً: الخلافة السياسية والخلافة القرآنية
كما أننا أوضحنا – في مقالات أخرى – أن هناك أسراراً الهية بين الله والرُسل، وضربنا مثلاً بكيف استجاب الله لرغبة نبيه الكريم في تحويل القِبلة من بيت المقدس إلى مكة، وكيف أن مكة ليس المقصود بها الوطن، كما ذهب بعض المغرضين من الآفّاقين المشتغلين بالمسائل الدينية ولا أقول رجال الدين لأن المصطلح ملغوم. ومثال آخر، وهو تعلّق قلب رسولنا بالبيت الحرام وليس مكة الوطن، كما ذهب المغرضون، إنما يقصد بها “مكة” أو “بكة”، وهي بيت الله الحرام؛ ولذلك، قيل إن مكة كلها حرم، فهي محرمة بحرمة البيت الحرام أو البيت العتيق، هذا من ناحية.
من ناحية أخرى، إن المخاطبين برسالات الله يجب أن يشكروه على هذه النعمة، وهي اخراجهم من ظلمات الكفر إلى أنوار الإيمان؛ ولذلك، وصف القرآن من انكر الرسالات ومن كان في هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى واضل سبيلا. من هنا، صار الرُسل حجة على الأقوام ونعمة من المنعم عليهم، مصداقاً لقوله تعالى” “وما من أمة إلا خلا فيها نذير”، وقوله تعالى: “وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً”، وقوله تعالى: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”.
فالله سبحانه يعلم حيث يضع رسالته، فليس للمخاطبين بالرسالات أن يميزوا في الإيمان ولا أن يفاضلوا بين الرُسل خاصة وأنهم جميعاً أرسلوا إلى أقوامهم؛ أما رسولنا الكريم، فقد أرسل إلى الناس كافة، وكانت معجزته القرآن الكريم بخلاف معجزات الرسل الآخرين، فقد كانت وقتية ووظيفتها اقناع أقوامهم بالرسالة وانتهت بانتهاء المواجهة بين الرُسل وأقوامهم.
مصدر الصورة: راودوو.
د. عبدالله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق – مصر