حوار: سمر رضوان
يبدو لافتاً جداً موضوع التحرك الذي قام به “عرب الـ 48″، كما هو متعارف على تسميتهم، في مواجهة السلطات الإسرائيلية على خلفية الإعتداءات على المقدسات الدينية، في القدس، والأملاك الخاصة، الشيخ جراح، بالإضافة إلى الاستهداف الممنهج لقطاع غزة بين الحين والآخر.
عن أبعاد هذا التحرك وأسبابه وتداعياته، سأل “مركز سيتا” الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس – فلسطين.
سببان رئيسيان
برأيي، ما حدث من تحركات لدى عرب الـ 48، لا سيما في اللد وحيفا وكفر قاسم وبئر السبع وغيرها من المدن، كان ورائها سببين رئيسيين؛ السبب الأول، ما حدث في مدينة القدس من اعتداء على المصلين خلال تأدية صلواتهم، خاصة وأن لشهر رمضان قدسية معينة لدى الفلسطينيين، عامة، والمسلمين، خاصة، بما يحمله من روحانيات عالية جداً. السبب الثاني، أن قانون القومية اليهودية – الذي أقرّ عام 2018 من الكنيست – هدر حقوق كل العرب ولم يكن لهم فرصة ليعبّروا عن رفضهم لهذا الأمر بشكل قوي إلا عندما سنحت لهم الفرصة بعد تصاعد الأحداث في كل من القدس وغزة، حيث قرر العرب أن يعبروا – بحسب اعتقادي – عن ذاتهم، فما حصل سيكون إحدى المعارك التي سيخوضها – ولن تكون الأخيرة – عرب فلسطين الـ 48، الذين يمثلوا قرابة 20% من إجمالي سكان دولة الاحتلال لا سيما وأنه لا يتم الاعتراف بحقوقهم بناءً على قانون القومية اليهودية.
أما عن موضوع مصادرة أملاك وأراضي عرب الـ 48 فهو ليس بموضوع جديد بل يحدث ذلك منذ العام 1948؛ فمن بقي منهم عدده قليل خصوصاً بعد مرور 73 عاماً، لكنهم لا يزالوا صامدين على الرغم من أنهم يشكلون 20% من السكان كما اسلفت سابقاً. بالتأكيد، إن أية أراضٍ ستتمم صادرتها لعرب الـ 48 – والتي لها أوراق ملكية ثبوتية – سيخوّلهم حق اللجوء إلى القضاء الإسرائيلي لأنهم يعتبرون مواطنين داخل دولة الاحتلال – ولكن درجة ثالثة.
برأيي، لا أعتقد أن الاحتلال يستطيع مصادرة أراضي لعرب الـ 48 بدون وجه حق، لكن ذلك يحدث باستمرار في الأراضي المحتلة بعد العام 1967، حيث يفرض جيش الاحتلال سيطرته على 80% من مساحة تلك الأراضي المحتلة.
ما قبل الـ 48
كسياسي، أخشى أن تفضي هذه المواجهات – في النهاية – إلى استحداث رؤية داخل دولة الاحتلال مفادها ازاحة كل فلسطينيي العام 1948 إلى حدود دولة فلسطينية، وأن يكون هناك دولة يهودية خالصة. هذا الاعتقاد يميل إليه بعض اليهود المتطرفين الذين عاشوا في أوروبا ضمن حالة “الغيتو” ويريدون تكرار التجربة ذاتها مرة أخرى في فلسطين.
وبالنسبة لي، هذا شيء أعتبره جميلاً أي أن يعيشوا منفصلين عنا ولكن بشرط أن ينسحبوا من أراضينا التي احتلوها ليس فقط العام 1967؛ بل بناءً على قرار التقسيم رقم 181 الصادر في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، أي أن ينسحبوا من 48% من أرض فلسطين التاريخية لنقيم عليها دولة فلسطينية، وليختاروا طريقة عيشهم – ضمن “غيتو” أو كما يشاؤون – لكن بشرط أن يتركوا القدس لأهلها.
أزمة يهودية
رأينا جلياً كيف تفجّرت المواجهات بين يهود الفلاشا والاحتلال الإسرائيلي نتيجة شعورهم بالتمييز العنصري، ورأينا العنصرية الوضاحة عندما اعتدى يهود بيض على يهود الفلاشا وكيف يتم التعامل معهم.
بصراحة ولكوننا نحتك مع العدو الإسرائيلي بشكل مباشر، نرى بأن هناك تمييزاً كبيراً جداً؛ فالفلاشا الذين استقدموا من أثيوبيا العام 1991 – وحتى الذين يأتون الآن إلى أراضي فلسطين التاريخية أو ما تسمى دولة الاحتلال – يعيشوا في غيتوهات بعيدة، كما يبدو واضحاَ جداَ كيف يعيشون بثقافتهم الخاصة بعيدين بذلك عن الاندماج داخل المجتمع الإسرائيلي؛ فعلى خطوط المواجهة، سنجد أن يهود الفلاشا قد وضعوا في خط الأول للمواجهات مع الفلسطينيين، يليهم بعض العرب الذين يعملون في جيش الاحتلال، ثم لاحقاً يهود السفارديين والإشكناز.
من هنا، يمكن القول بأن المجتمع الإسرائيلي – في الأصل – هو مجتمع غير متماسك وآيل للتفكك، ولكن ما يوحده هو التهديد الخارجي، إذ نرى أن هناك فئات يهودية لا تزال تعيش بثقافتها – مثل اليهود ذوو الأصول العربية حيث نجد أن لديهم ثقافتهم الخاصة وهم يتحدثون اللغة العربية، والأمر نفسه ينطبق على يهود الفلاشا. أضف إلى ذلك أن اليهود الروس لهم ثقافتهم ولغتهم وحتى قنواتهم المتلفزة الخاصة بهم، ناهيك أيضاَ عن اليهود الذين جاؤوا من أوروبا – وهم الذين يسيطرون على صناعة القرار على الرغم من أنهم لم يعودوا يشكلون الأغلبية بين بقية اليهود. كل ذلك يعني انعدام عملية الإندماج عملياً بينهم.
من جهتنا، نحن ندرك أن ابتعاد الخطر الخارجي عن دولة الاحتلال – أو التهديد الأمني كما يسمونه – سيجعل من هذه الدولة تتفكك لأن الصراعات الإثنية الموجودة داخلها كبيرة جداً. برأيي، حتى الآن لا تزال هناك تحديات كبيرة داخل دولة الاحتلال بعد 73 عاماً من نكبة فلسطين؛ فالاحتلال الذي أعلن العام 1948 قيام دولته، لا يستطيع هذه المرة أن يحتفل بهذه الذكرى كما درجت العادة. باعتقادي، هذا التغيّر مهم جداً، خصوصاً وأننا رأينا تحركات عربية، على حدود لبنان الجنوبية وسوريا والأردن، في مشهد غاب طويلاً، حيث بات الاحتلال يدرك تماماً أن بقائه داخل هذه المنطقة لم يعد مرغوباً به وأن زواله قادم.
من خلال كل ما سبق، أعتقد أن أهم ما يميز الأحداث هذه المرة هو تحرك فلسطينيي العام 1948 الذي وصل إلى درجة الصدام العنفي. هذه المرحلة، ستشكّل قاعدة أساسية مفادها عدم وجود سلم أهلي داخل دول الاحتلال بين العرب واليهود، وهو ما قد يؤسس أيضاً إلى مواجهات قد تعلو وتهدأ بين الفينة والأخرى لكن الأمور لن تعود إلى ما كانت عليه في السابق بالتأكيد.
مصدر الصورة: الميادين.
موضوع ذا صلة: لماذا أكره إسرائيل وأدعم الفلسطينيين؟(2/2)