إعداد: مركز سيتا
بعد تلقيها 6 طعون من مرشحين رفضت طلبات ترشيحهم لانتخابات رئاسة الجمهورية في سوريا المقرر تنظيمها أواخر مايو/أيار الجاري (2021)، أعلنت المحكمة الدستورية العليا القائمة النهائية بأسماء المرشحين المتنافسين على منصب الرئاسة، حيث شملت كلاً من الرئيس الحالي بشار الأسد، وعبد الله عبد الله، ومحمود مرعي.
هذا وقد بدأ الناخبون السوريون بالتوافد إلى سفارات وقنصليات بلادهم في الخارج للادلاء بأصواتهم، حيث فُتحت صناديق الاقتراع في كل من أستراليا واليابان والصين وماليزيا وإندونيسيا وباكستان والهند وعُمان وإيران وأرمينيا والامارات ولبنان من الصباح الباكر وحتى الساعة 7 مساء وذلك وسط إجراءات مشددة في بعض البلدان، لا سيما لبنان حيث اتخذ كل من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي تدابير أمنية عند المداخل والطرق المؤدية إلى السفارة السورية.
يأتي ذلك في وقت منعت فيه كل من ألمانيا وتركيا عملية الاقتراع للانتخابات الرئاسية على أراضيها، ونشرت السفارة السورية في ألمانيا عبر موقعها الإلكتروني بياناً ذكرت فيه أن السوريين المتواجدين هناك لن يتمكنوا من المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، عازية السبب إلى معارضة برلين لهذا الأمر.
منافسو الرئيس
حاز كل من السيدين عبدالله سلوم ومحمود مرعي – من بين كل المرشحين – على الحق في التقدم للإنتخابات الرئاسية بعد أن توفرت فيهما الشروط المطلوبة – بحسب قرار المحكمة الدستورية العليا – التي من أبرزها الحصول على تواقيع 35 عضواً من نواب البرلمان السوري. ويأتي هذان المرشحان من خلفيتين مختلفتين، حيث يعدّ سلوم قريباً من دائرة الرئيس المنافس، فيما ينتمي مرعي لمعارضة الداخل، وقد كان اعتماد ترشيحه مبعث شك في الأوساط السياسية السورية.
ينحدر سلوم – الذي كان أول من أودع ملف ترشحه – من مدينة أعزاز التابعة لمحافظة حلب شمال، وهو قيادي في حزب الوحدويين الاشتراكيين، الذي أسسته قيادات تاريخية منشقة عن حزب البعث في ستينيات القرن الـ 20. سلوم من مواليد 1956، وحاصل على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق، وقد شغل في السابق منصب وزير الدولة لشؤون مجلس الشعب، الذي كان أحد أعضائه لـ 3 دورات منذ العام 2003.
أما محمود مرعي، فينحدر من قرية تلفيتا في ريف دمشق، وهو من مواليد 1957، وحاصل على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق، وهو سياسي معارض، ناضل في عدة هيئات حزبية، هو أحد أبرز وجوه ما يعرف بـ “معارضة الداخل”، وهي طيف سياسي يعلن معارضته للرئيس الأسد، ويحتفظ بالمقام داخل سوريا، فيما يشكك خصومهم في جدية طرحهم السياسي.
ومنذ بدء المفاوضات بين الرئيس السوري ومعارضيه وبروز عدة تكتلات ومنصات سياسية، ظل مرعي أحد أبرز المفاوضين من ممثلي الداخل، وعُرف بخروجه الإعلامي المتكرر للتعليق على التسويات السياسية الممكنة مع الرئيس السوري، كما شغل مرعي مناصب سياسية مختلفة في هيئات حزبية سورية، منها الأمين العام للجبهة الديمقراطية المعارضة السورية، الذي اختير له بالتوافق العام 2016، كما شغل منصب أمين عام هيئة العمل الوطني الديمقراطي، ومثّل المعارضة السورية ضمن وفد معارضة الداخل المفاوض في جنيف، وترأس “المنظمة العربية لحقوق الإنسان”.
هذا، وقد انطلقت الحملات الانتخابية يوم الأحد، الموافق 16 مايو/أيار 2021، وستستمر حتى يوم الإثنين الموافق 24 من الشهر نفسه؛ أما يوم 25 مايو/أيار، فسيدخل “الصمت الانتخابي” حيز التنفيذ. وبانتهاء حملات الدعاية الانتخابية للمرشحين الثلاث، ومن المقرر أن تجري الانتخابات الرئاسية السورية على مرحلتين، بدأت المرحلة الأولى منها في 20 مايو/أيار بالنسبة للمواطنين السوريين في الخارج، والثانية تبدأ في 26 مايو/أيار بالنسبة للمواطنين السوريين في الداخل.
المشاركة الكردية
لم يتضح بعد ما إذا كان التصويت سيشمل المناطق الكردية، والمناطق الشرقية والشمالية من سوريا عامة، والتي تقع تحت سيطرة الادارة الذاتية لشمال شرق البلاد، وقوات سوريا الديمقراطية – “قسد”؛ ففي الانتخابات الرئاسية الأخيرة قبل 7 أعوام في العام 2014 وانتخابات لمجلس الشعب السوري 2020، وُضعت صناديق الاقتراع في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، في كل من مدينتي القامشلي والحسكة، دون بقية المدن الخاضعة لسيطرة وسلطة دمشق.
وتذهب أغلب الترجيحات إلى أن الأمر لن يكون مختلفاً في هذه الانتخابات أيضاً، حيث ستقتصر المشاركة ووضع صناديق الاقتراع على المناطق التي تديرها الحكومة السورية، في المدينتين الأكبر في المنطقة، أي الحسكة والقامشلي اللتين تضمّان مربعات أمنية خاضعة لها. لكن يرى بعض المراقبين أن ثمة احتمالات – ولو كانت ضئيلة – للتوصل إلى صيغة تفاهم ما بين دمشق والإدارة الذاتية في شمال شرق البلاد كي تتم الانتخابات الرئاسية في تلك المناطق أيضاً، وهي مناطق واسعة تقدر بنحو ربع المساحة العامة لسوريا ويقطنها ملايين المواطنين وتتميز بكونها سلة الغذاء ونبع الطاقة في سوريا، مما يجعل من اشتراك تلك المناطق في العملية الانتخابية هدفا كبيراً لدمشق.
لكن، لا يزال هناك متسع من الوقت للتوصل إلى اتفاق بين الطرفين، بما يسمح بوضع صناديق الاقتراع في المناطق الكردية، في حين لا مؤشرات جدية على أن ثمة حلحلة في هذا الاتجاه حتى الان، إلا إذا حملت الأيام القادمة – مع اقتراب الموعد الانتخابي – مفاجآت أو صفقات ما بين الطرفين، برعاية روسية.
مراقبة دولية
وافق مجلس الشعب السوري – البرلمان بالأغلبية على دعوة “عدد من برلمانات الدول الشقيقة والصديقة، لمواكبة عملية انتخاب رئيس الجمهورية”، و”الاطلاع على مجريات سيرها”، الدعوة وجهت لكل من الجزائر وسلطنة عمان وموريتانيا وروسيا وإيران والصين وفنزويلا وكوبا وبيلاروسيا وجنوب إفريقيا والإكوادور ونيكاراغوا وأرمينيا وبوليفيا.
وفي سياقٍ متصل، شكّك مسؤولون غربيون في نزاهة تلك الانتخابات ورفضوا مسبقاً الاعتراف بها لأنها “تستثني السوريين المقيمين بالخارج”، وتنظم “في ظل غياب بيئة غير آمنة ومحايدة”، على حد تعبيرهم، وعلى رأسهم كل من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، في حين استنكرت روسيا هذا الموقف وقالت إنه تدخل في شؤون داخلية لدولة ذات سيادة.
حتمية الفوز؟
تعد هذه الانتخابات الرئاسية الثانية التي تُنظم في ظل الحرب السورية التي طال أمدها، منذ العام 2011. وعلى هذا الأساس، يرى العديد من المراقبين بأن فوز الرئيس الأسد هو “حتمي” فيها؛ لكن كل جهة اختلفت على طريقة الوصول إلى هذه الحتمية، وأبرزهم:
• هناك من يقول بأن فوزه سيكون تكريساً للإنتصار على الإرهاب، فهو كان السبب الرئيس في تماسك سوريا.
• ومنهم من يعتبر بأن مرشيحي الرئاسة لا يمتلكون شعبية كافة تمكنهم من اقناع الناخبين والفوز بأصواتهم.
• أما البعض الآخر – المعارض بشدة – فإنه يعتبر بأن هذه الإنتخابات ليست سوى “مسرحية مدبرة” معروفة النتائج مسبقاً، حيث يعتبر قسم كبير من هذا الفريق نفسه أن هناك حقيقة واضحة تتمثل في “دفع” النظام لهؤلاء للترشّح كنوع من “بروفة ديمقراطية” وذلك لتوفير غطاء من الشرعية للرئيس الأسد في الخارج.
وفي رد على هذا الرأي، يرى بعض المحللين – المحايدين – أن الرئيس السوري الحالي هو الأقدر على قيادة البلاد لأسباب عدة:
• أولاً، عدم وجود شخصية سورية فاعلة قادرة بأن تدير الأمور في هذا الوضع بالذات – لا سيما مع وجود عقوبات اقتصادية تثقل كاهل الشعب – غير الرئيس الأسد.
• ثانياً، هناك عنصر داخلي مهم وهو تسمك شريحة كبيرة من السوريين، بمختلف طائفهم ومناطقهم، بالرئيس الأسد عن قناعة مطلقة وليس نتيجة الخوف أو التخويف، كما يرى قسم كبير من المعارضة.
• ثالثاً، هناك سؤال مهم جداً – بنظرهم – يتمثل في: هل من يعتبر نفسه بأن انتصر في الحرب “الكونية” على بلاده وانقذها من تغلغل الإرهاب فيها سيقدم ما انجزه على “طبق من هب” لمعارضيه وبهذه السهولة في وقد بدأ – برايه – بجنْي ثمار هذا الانتصار؟ الجواب المنطقي هو قطعاً لا.
• رابعاً، لا يمكن الحديث عن سوريا من دون ذكر الوجود العسكري الروسي؛ فمن يتجاهل هذا السبب سيكون تحليله ناقصاً. وبناء على ما سبق، إن الثقة الروسية الموجودة في شخص الرئيس السوري الحالي قد لا تجدها في شخص آخر – على الأقل في هذه المرحلة بالذات – خصوصاً مع العلاقة التاريخية الوثيقة التي بدأ تكريسها مع الرئيس الراحل حافظ الأسد؛ بالتالي، تعتبر موسكو بأن الرئيس الأسد سيكون حليفاً قوياً لحماية مصالحها ووجودها في “المياه الدافئة”، وهو ما حصل فعلاً.
• خامساً وعلى الصعيد العالمي، هناك بوادر تغيير بالنسق الدولي الحالي، حيث بدأ بروز بعض الأقطاب الدولية فيه، على غرار روسيا والصين، ولقد كانت سوريا إحدى معالم هذا التغيّر، وهو ما بدا واضحاً من جلسات مجلس الأمن و”الفيتوهات المزدوجة” الروسية – الصينية؛ ولقد كان الفضل في تقوية موقفي موسكو وبكين هو صمود الرئيس الأسد الذي أعطاهم الفرصة في تثبيت وجودهم عالمياً، وهو ما قد يترجم عملياً بدعم الرئيس السوري.
في الختام، يأتي هذا الاستحقاق الانتخابي فيما تشهد سوريا أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة خلّفتها أعوام من الحرب، وفاقمتها العقوبات الغربية، فضلاً عن الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان المجاور الذي زاد من معاناتها بطريقةٍ ما. وفي المحصلة، هذا الاستحقاق سيتم، وسينتخب الشعب السوري من يراه جديراً لقيادة البلاد.
مصدر الأخبار: مركز سيتا + وكالات.
مصدر الصور: البعث – سبوتنيك.
موضوع ذا صلة: تحديات الحوار الكردي – الكردي في سوريا وآفاقه