إن النظريات الأساسية المتعلقة بمبدأ القوة الإلزامية للقانون الدولي، تتطابق مع المدارس الأساسية في مختلف المذاهب الشرعية الدولية.

ويعتقد أنصار المدرسة الواقعية (الطبيعية)، أن المصدر الأساسي للقوة الإلزامية في القانون الدولي، كامن في قوانين الطبيعة وفي العقل الإنساني، أما انصار المدرسة الوضعية، فهم يعتقدون أن مصدر القوة الإلزامية الكامنة في القانون الدولي، تنشأ بموجب اتفاق فيما بين الدول، أي وفقاً لتعاقد الدول فيما بينها.

بالتالي، من الممكن القول إن هذه النظرية تكمل النظرية الأولى ولا تعارضها من حيث التطور الفلسفي، والوضع المنطقي لمستوى الواقع العملي والنظري الذي يستمد قيمته وجوهريته وحقيقة وجوده من قوانين الطبيعة وماهية العقل الإنساني الذي يُعتبر قوة معنوية ممنوحة من الإله للإنسان ليدرك قوانين الطبيعة الأزلية الربانية بصورة تمنحه الإمكانية ليجعل سلوكه ونمط معيشته متوافقاً مع هذه القوانين وجوهرها وحقيقتها ولا يعارضها.

أما المذهب الثالث من المدارس، فيعتقد أن القوة الإلزامية في القانون الدولي غير موجودة، لكن هناك فرعاً من هذه المدرسة يعتقد أنه لا يمكن أن يعد القانون الدولي قانوناً واقعياً، بل هو قانون يمتلك قوة أدبية أو أخلاقية فقط، ومثل وجهات النظر تلك نجد أنها لا تلاقي مؤيدين في أنحاء العالم، أيضاً هناك فرع آخر من هذه المدرسة يعتقد أن قواعد القانون الدولي يمكن أن تكون ملزمة فقط في حال توفر موافقة الدولة منفردة، أي أن الدولة تملك الحرية المطلقة في قبول أو رفض قواعد القانون الدولي.

من هنا نستنتج أن أنصار هذه المدرسة يفهمون القانون الدولي على أنه قانون خارجي للدولة، ومثل هذا المفهوم كان سائداً في السابق، وأنصار هذه المدرسة أيضاً ينفون أساس وجود المبدأ الشرعي الدولي، والقائم على حقيقة ضرورة الاحترام والالتزام بالمعاهدات، كما ينفون القوة الحقوقية الثابتة في القانون الدولي بشكل عام.

وبالتالي، إن وجهات النظر هذه تبين أن القانون الدولي، قانون ضعيف، لا يمتلك القوة الكافية للقيام بعمله، لكن هذه الأفكار لم تجد انتشاراً واسعاً، لأن انصار هذه الأفكار يقترحون ضرورة إكمال عملية إنشاء منظومة القانون الدولي وبنائها بشكل جديد، وجعله قانوناً يعلو الدول، ليصبح صاحب سلطة فوق سلطة الدول جميعها، أي أن أصحاب هذه الأفكار يعترضون على وجود القانون الدولي بشكله الحالي.

أخيراً، من الثابت، أن جميع القواعد الشرعية الدولية من الناحية الحقوقية، ووفقاً للقانون الدولي، تمتلك قوة إلزامية واحدة، لكن مختلف العلاقات الشرعية الدولية الحكومية تظهر لنا احتياجاً كبيراً لوجود قواعد تمتلك مواصفات عالية المستوى حقوقياً، بحيث لا يمكن لأشخاص القانون الدولي التنازل عنها حتى بموجب توقيع اتفاقيات، التي تسمى بالقواعد الآمرة وتمتلك قوة كبيرة بالمقارنة مع القواعد الأخرى، كأية معاهدة نجد فيها قواعد تختلف في القوة القانونية وتضم قواعد أساسية وقواد تنفيذية.

مصد الصورة: Peace Palace Library

موضوع ذا صلةالقوة الإلزامية الحقوقية للقانون الدولي

عبد العزيز بدر القطان

مستشار قانوني – الكويت