منذ ما يقرب على الـ 10 أعوام، بدأت الحرب على الأراضي السورية، واضطر الشعب السوري للدفاع عن استقلاله وسيادته بقوة السلاح. الآن، بات الشيء الأهم – بالنسبة لعمومه – هو التمكّن من استعادة السلام وتحقيق الاستقرار في جميع ارجاء البلاد، على الرغم من وجود بعض المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة – مثل إدلب والرقة – والتي تشهد وضعاً هادئاً نسبياً.

اليوم، تتمحور المهمة الرئيسية في مسألة إعادة بناء الاقتصاد حيث تجاوز معدل التضخم عتبة الـ 30%، في وقت تأثر فيه المواطنون كثيراً لجهة تدبر وتأمين سُبل العيش لا سيما بعد قيام المسلحين بعمليات نهب وتخريب للكثير من المصانع والمؤسسات المنتجة، ما حرم السكان العمل والتجارة؛ على سبيل المثال، في المنطقة الصناعية بحلب وحدها تم تفكيك وسرقة أكثر من 1000 مصنع وورشة عمل منتجة، وإنتهى المطاف بأغلبها في تركيا لاحقاً، وهو أمر لم يعد سراً على الاطلاق.

أيضاً وبحسب خبراء دوليين، إن عملية إعادة إعمار البلاد تتطلب تكاليف مالية تتراوح بين الـ 200 و300 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، كلنا يعلم أنه – وعلى مدار أعوام الحرب – تم إنفاق مبالغ طائلة على تدمير اقتصادنا ودولتنا. على سبيل المثال، هناك أدلة على أن دولة قطر وحدها أنفقت أكثر من 130 مليار دولار في محاولة لتغيير سلطة سوريا ومساعدة أعدائها.

بالإضافة إلى ذلك، هناك تحدٍ كبير لجهة عملية إعادة اعمار المدن والقرى المدمرة والتي تعتبر مشكلة كبيرة، حيث أن هناك فقد ما يقرب على الـ 36% من الشعب السوري منازلهم، في وقت وصل فيه التعداد السكاني إلى الـ 18 مليون نسمة، فيما كان 12 مليون منهم بحاجة لدعم ومساعدة عند بدء الحرب، كما أُجبر حوالي الـ 3 مليون شخص على مغادرة وطنهم.

تنشيط عجلة الاقتصاد

الآن، باتت قضية توفير الكهرباء قضية أساسية بالنسبة لجميع المناطق على امتداد القطر السوري، حيث تعتبر حل هذه المشكلة من الأولويات على الاطلاق، خصوصاً وأن عدد ساعات التغذية ما بين 2 – 3 ساعات/يومياً، ما يعني ضرورة التركيز على ترميم محطات الطاقة واعتبارها المهمة الأولى، وهو ما سينعكس ايجاباً على قطاعات الاقتصاد بأكملها كونها ستسيِّر معها الكثير من الأمور الحيوية، من ضخ المياه إلى تشغيل المصانع وصولاً إلى اعادة احياء الزراعة التي تشكل أولوية.

من هنا، يجري حالياً تنفذي أعمال إعادة بناء محطة كهرباء بالقرب من حلب، والتي قصفتها الولايات المتحدة، على أمل أن تستعيد قوتها وطاقاتها العام المقبل (2022). بالإضافة إلى ذلك، تم إدخال “التقنيات الخضراء” أي الطاقة البديلة، كالألواح الشمسية ومولدات الرياح، على خط انتاج الطاقة وهو ما يعد أمراً واعداً.

تأثيرات البيروقراطية

بتوجيهات من الرئيس بشار الأسد، قامت الحكومة السورية باعداد كل القوانين والإجراءات اللازمة، لكنها – للأسف – دائماً ما تصطدم بالبيروقراطية التي تشكل عائقاً يبطئ حل العديد من المشاكل، ما يعني ضرورة التخفيف من وطأتها خصوصاً وأن الوقت يداهمنا بالنسبة إلى اعادة احياء وتنشيط الاقتصاد، الذي يتطلب الكثير من الاجراءات السريعة والعاجلة، في حين أن البيروقراطية – في مثل الظروف التي تمر بها سوريا – تعيق سير حركة النمو مع وجود العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة، ما يستدعي تحركاً فورياً سريعاً من قبل رجال الأعمال والدولة.

نسبة وتناسب

سابقاً، كنا فخورين بأن ما يقرب من الـ 90% من السكان يتمتعون بمستوى معيشي متوسط؛ على سبيل المثال حتى العام 2011 وأثناء عملي في الجامعة، كنت اتقاضى راتباً يعادل 2000 دولار/شهرياً تقريباً، وكانت البلاد تشهد تطوراً ديناميكياً ملفتاً، كما تمتع الشعب السوري بمستوى معيشي أعلى من البلدان الأخرى المجاورة.

وحتى اليوم وعلى الرغم من ما مرّ به السوريين من أعوام مأساوية وكارثة إنسانية، نحن فخورون بأن التعليم العام ما زال مجانياً ومكفولاً. وفقاً للإحصاءات، إن معرفة القراءة والكتابة بين الرجال تزيد عن 85% وأكثر من 73% بين النساء، وهذا شيء لافت لا يمكن التغاضي عنه خصوصاً إذا ما اضفنا له الاوقات الصعبة التي مرت بها البلاد، وما يعني أن هناك انجازاً حقيقياً تم تحقيقه.

بالإضافة على التعليم، لا تزال الرعاية الصحية مجانية، كما يوجد حوالي الـ 300 مستشفى عاملاً. لكن تبقى هناك حاجة ملحة لتجديد واستبدال المعدات الطبية القديمة وصناعة وإبتكار أحدث الأدوية، وهو أمر تشوبه الكثير من المعوقات وأبرزها العقوبات المفروضة والتي لا تسمح بشراء أو تجديد أو إصلاح الأجهزة والمعدات الطبية المتوفرة حالياً، وهو ما ظهر جلياً خلال جائحة فيروس “كورونا”.

وحدة الشعب

اليوم، يناضل الشعب السوري من أجل الوحدة، لكن من المهم أن نلفت الإنتباه إلى أن هذا الشعب تميز دائماً بغياب النزعة العنصرية وهو ما غاب عن بال أعدائنا فلم يأخذوه بالحسبان. ففي تاريخنا، حكم البلاد أشخاص من غير القومية العربية – منهم التركمان والكرد – وأصبحوا رؤساء سوريين؛ في السبعينيات فقط، أصبح الرئيس الراحل حافظ الأسد أول رئيس عربي للبلاد.

الجدير بالذكر أيضاً أن الدستور السوري لعام 2012 تضمن في بنيته المساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن الدين، لكنه اشترط أن يكون يدين رئيس الدولة بالإسلام، خصوصاً أن تشير الإحصائيات إلى أن المسلمين يشكلون نحو 90% من السكان، والتركمان 7%، والمسيحيين حوالي 6%.

أما فيما يخص الإثنيات، يعتبر الكرد أقلية قومية ويشكلون حوالي 10% من السكان، وهم جزء من المجتمع السوري، ومواطنون في البلد عاشوا فيه لأعوام مديدة. تقع أماكن تواجدهم في الشمال الشرقي من البلاد، مع وجود تجمعات كبيرة داخل المدن الرئيسية. لكن اللافت اليوم أن بعض المجموعات المنتمية للكرد تقوم ببيع الثروات الطبيعية وأهمها النفط – ضمن المناطق التي تسيطر عليها – للخارج من دون الرجوع إلى السلطة المركزية، بالإضافة إلى اقامة علاقات مع الولايات المتحدة وممثليها العسكريين، وهو أمر لا يجد استحساناً لدى الكثير من السوريين بمن فيهم الكرد أنفسهم.

الدور الثقافي لروسيا

في هذا الوقت، تعتبر مسألة تدريب الكوادر المؤهلة أمراً في غاية في الأهمية بالنسبة لسوريا لا سيما لجهة العلم، حيث أن هناك قاعدة مهمة معروفة تقول “لا يمكنك التوفير في التعليم”. هذا الأمر ساهمت فيه موسكو بشكل كبير، حيث نرى بوضوح مدى قرب روسيا من الشعب السوري ومدى نجاح الطلاب السوريين في الدراسة فيها.

من خلال وجهة نظر شخصية، من المهم جداً البدء بتدريس الطلاب وتدريب المتخصصين المعاصرين في روسيا. على سبيل المثال، سيكون من الممكن في العام المقبل (2022) قبول ما يقرب على الـ 1000 من شبابنا للدراسة في مؤسسات التعليم العالي الروسية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن العديد من المتخصصين قد حصولوا على علومهم وشهاداتهم من الاتحاد السوفيتي السابق، واليوم هم يتبوؤن مناصب رفيعة، وكنت أنا واحداً منهم حيث تلقيت علومي في أوزبكستان، في طشقند، وقد ساعدني ذلك كثيراً في الأنشطة العلمية والتربوية.

أيضاً، هناك العديد من المجالات التي يمكن أن تتطور من خلالها العلاقات السورية – الروسية الثقافية بشكل ناجح وأبرزها الأنشطة السياحية، حيث تحتوي سوريا على عدد كبير من المعالم الأثرية والمواقع التاريخية والدينية الفريدة لا سيما العاصمة دمشق التي تعد واحدة من أقدم المدن المأهولة تاريخياً، حيث يصل عمرها إلى 15000 عام وهي أقدم عواصم العالم، وتشكل تجمعاً روحياً للعديد من الديانات حيث ولد يسوع المسيح وعاش في منطقتنا كما شهدت الكنائس والأديرة القديمة العديد من الأحداث التاريخية التي شكلت حقب تاريخية لها أثرها في حياة البشرية جمعاء.

زد على ذلك الموقع الجغرافي لسوريا على شواطئ شرق المتوسط وما يستتبع ذلك من أهمية في تطوير السياحة الطبيعية حيث هناك العديد من الأماكن الجميلة والجيدة التي يمكن أن تكون مقصداً للسياح الروس بدل الذهاب إلى دول مجاورة لنفس الغرض – كتركيا مثلاً – حيث يمكنهم التنقل بين المواقع التاريخية السورية.

من هنا، يبقى من المهم جداً أن يسعى القيمون على تطوير العلاقات السورية – الروسية أن يسعوا إلى فهم روسيا ومحبتها. ومن الجهة المقابلة أيضاً، يجب فهم سوريا ومحبتها لتكون العلاقة متبادلة ومتكاملة بين الجانبين.

راجع الحوار الرئيسي على موقع صحيفة “راكوس” الروسية

مصدر الصور: وكالة الصحافة الفرنسية – موقع “سوريا على طول”.

موضوع ذا صلة: سلمان: خطط إعمار سوريا أُعدت بعناية

د. بسام أبو عبدالله

أستاذ العلوم السياسية ودبلوماسي سابق – سوريا