المبحث الرابع: دور الفاتيكان في تمييز الحرب العادلة عن الحرب غير العادلة
قامت فكرة «الحرب العادلة» على تبرير انخراط المسيحيين الغربيين في الحروب، وطالما وجدت أسباب عادلة تدعو إليها، وأن يكون الهدف منها إقامة السلام العادل.
وقد دارت نقاشات كثيرة، داخل المؤسسة الكاثوليكية، لا سيما بعد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني (1962 – 1965) حول مفهوم «الحرب العادلة» وشروطها، والتمييز الواجب توافره للتفريق بين الحرب العادلة والحرب غير العادلة، ولقد تبلورت الرؤية النهائية لهذا المفهوم في كتاب التعليم المسيحي الجديد للكنيسة الرومانية الكاثوليكية الذي صدر عام 1997
المطلب الأول: الحرب العادلة المبررة عند القديسين أوغسطين وتوما
1. عندما تتعرض الكيانات السياسية والدولية لظلم واضح ،فانه يصبح الدفاع المشروع جائز ومطلوب.
2. أن تكون كل الآليات السلمية قد استنفدت ووصل الأمر إلى طريق مسدود، وبات الأمل مفقودا في وقف الظلم المسلح من جانب المعتدي..
3. أن تكون الخسائر التي تسببها عملية الدفاع المشروع أقل ظلما منالاعتداءات المسلحة التي يتوجب القضاء عليها..
4. إن كان من المؤكد أن الدفاع سيؤدي لاحقاً إلى احترام قدسية حق الشعب المظلوم.
هل جرى التلاعب غربياً، لا سيما من قبل الجماعات اليمينية والأصولية في الغرب، بهذا المفهوم لتبرير حروب غير عادلة. الظاهر هذا بالفعل ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية على نحو خاص بعد الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر/ أيلول 2001. فقد اختطف “المحافظون الجدد” مفهوم “الحرب العادلة” وجعلوا من أفغانستان والعراق مجالا لتطبيقه. ولاحقا روج البعض لمفهوم “التدمير الخلاق”، الذي اصطلح لاحقا على تسميته “الفوضى الخلاقة” بوصفه تبعات للفكر نفسه، أي للحرب العادلة..
لم يتوقف الأمر هنا على القيادات السياسية أو العسكرية الأمريكية من البيت الأبيض مروراً بالخارجية، وصولاً إلى وزارة الدفاع (البنتاغون)، بل امتد المشهد ليشمل قطاعاً واسعاً ومؤثراً من المثقفين والإعلاميين وكبار الكتاب والفنانين الأمريكيين. هؤلاء الذين أداروا بقوة “رأس الرئيس بوش”، عطفاً على بقية الرأي العام الأمريكي لجهة استخدام القوة، وإعلان “الحرب العادلة” ضد الدول التي جاء منها صنّاع الهجمات في ذلك الثلاثاء الحزين. ولقد كانت دعواهم تتصل في الشكل والمضمون بالتقسيم الخطير الذي أعاد «بوش الابن» التذكير به، أي “من معنا ومن ضدنا” و”محور الخير ومحور الشر”. وكان لهذا الخطاب دوره الممتد حتى الساعة في إشعال العالم بحروب ذات مسحة أصولية يمينية، ظالمة بالمطلق، إذ لا تنطبق عليها الشروط المؤكدة سواء عند أوغسطينوس أو توما الأكويني، التي يمكن لنا أننجملها في بعض الحالات التالية:
ولعل المرء يتذكر كيف أن البابا الراحل يوحنا بولس الثاني كان من أشد المناوئين لغزو العراق في 2003. حتى أنه أرسل إلى واشنطن مبعوثاً خاصاً، هو الكاردينال روجيه إيتشيغاراي، محاولاً إقناع الرئيس بوش الابن بالعدول عن هذه الحرب، التي استشرف البابا الراحل مدى كارثيتها. وهو ما أثبتت الأيام صدقه غير أن تزييف الحقائق، والأحادية التي توهّمت امتلاك الحقيقة المطلقة، رفضت السماع وصُمّت آذانها وتعامت عيونها. إلى أن تحققت أمنيتها برؤية العراق 3 مناطق متقاتلة وظهور منظمة ارهابية اصولية احكمت سيطرتها على مساحات واسعة من العراق وسوريا وأنشئت دولة إسلامية في العراق وسوريا.
ارتكب “الدواعش” المجازر ضد الأقليات الدينية في العراق وسوريا. ودمرت تاريخ الدولتين وأعاد المنطقة إلى أيام الجاهلية.
في الداخل الفاتيكاني، اجتمع في الفترة من 11 إلى 13 أبريل/نيسان 2018، 80 خبيراً في “النضال السلمي”، والهدف من لقائهم البحث في طرق معالجة الأزمات العالمية الحديثة، وإعادة النظر بشكل خاص في مفهوم وعقيدة “الحرب العادلة”.
يهدف هذا اللقاء للمرة الأولى في التاريخ إلى رفض أي مبررات أخلاقية تشرّع الحروب، الأمر الذي يعد في حد ذاته شكلا من أشكال “الثورة اللاهوتية” داخل هذه المؤسسة الكبيرة، وعملا امتداديا لرؤية التجديد التي أطلق شرارتها المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني(1962-1965)، ما جعل كثيرين يعتقدون أن هناك مراجعة عصرية للمفاهيم الكنسية.
إقرأ أيضاً: من الحرب العادلة إلى القضية العادلة: مبررات استخدام القوة في العلاقات الدولية(2/1)
البابا فرنسيس الأول، بابا روما، وجه رسالة للمشاركين في اللقاء، الذي جاء عنوانه «لا يجتمع العنف مع السلام العادل… عزروا التفاهم الكاثوليكي والالتزام باللاعنف»، أشار فيها إلى طروحات ثلاث، ويمكن أن نطلق عليها مسارات ثلاثة لعالم خال من الأصوليات المتصادمة، والنزاعات المدمرة.
أما المسار الأول: يسعى إلى تعزيز اللقاء والالتقاء بين البشر.
المسار الثاني: قوامه مصالحة الشعوب بين بعضها بعضا، وطرح النزاعات والعداوات جانبا،
أما المسار الثالث فيسعى إلى تعزيز العدالة.
وباختصار القول، فإن الاتجاه، الذي ستتبلور معالمه عما قريب في شكل رسمي للكنيسة الرومانية الكاثوليكية، أجمله البابا فرانسيس في أمرين، في غاية كبيرة من الأهمية، الأول: هو أن إلغاء الحرب هو الهدف الأسمى الذي يعيد للفرد كرامته وللجماعة كلها كيانها. والثاني: هو أن إخفاء الصراعات أمر غير مجدٍ، وعلينا ايجاد الحلول. وارساء السلام العادل.
المطلب الثاني: وثيقة الأخوة الإنسانية بين البابا وشيخ الأزهر
إنَّ التاريخَ يُؤكِّدُ أنَّ التطرُّفَ الدِّينيَّ والقوميَّ والتعصُّبَ قد أثمَرَ في العالَمِ، سواءٌ في الغَرْبِ أو الشَّرْقِ، ما يُمكِنُ أن نُطلِقَ عليه بَوادِر «حربٍ عالميَّةٍ ثالثةٍ على أجزاءٍ»، بدَأَتْ تَكشِفُ عن وَجهِها القبيحِ في كثيرٍ من الأماكنِ، وعن أوضاعٍ مَأساويَّةٍ لا يُعرَفُ – على وَجْهِ الدِّقَّةِ – عَدَدُ مَن خلَّفَتْهم من قَتْلَى وأرامِلَ وثَكالى وأيتامٍ، وهناك أماكنُ أُخرَى يَجرِي إعدادُها لمَزيدٍ من الانفجارِ وتكديسِ السِّلاح وجَلْبِ الذَّخائرِ، في وَضْعٍ عالَمِيٍّ تُسيطِرُ عليه الضَّبابيَّةُ وخَيْبَةُ الأملِ والخوفُ من المُستَقبَلِ، وتَتحكَّمُ فيه المَصالحُ الماديَّةُ الضيِّقة.
إنَّ هَدَفَ الأديانِ الأوَّلَ والأهمَّ هو الإيمانُ بالله وعبادتُه، وحَثُّ جميعِ البَشَرِ على الإيمانِ بأنَّ هذا الكونَ يَعتَمِدُ على إلهٍ يَحكُمُه، هو الخالقُ الذي أَوْجَدَنا بحِكمةٍ إلهيَّةٍ، وأَعْطَانَا هِبَةَ الحياةِ لنُحافِظَ عليها، هبةً لا يَحِقُّ لأيِّ إنسانٍ أن يَنزِعَها أو يُهَدِّدَها أو يَتَصرَّفَ بها كما يَشاءُ، بل على الجميعِ المُحافَظةُ عليها منذُ بدايتِها وحتى نهايتِها الطبيعيَّةِ؛ لذا نُدِينُ كُلَّ المُمارَسات التي تُهدِّدُ الحياةَ؛ كالإبادةِ الجماعيَّةِ، والعَمَليَّاتِ الإرهابيَّة، والتهجيرِ القَسْرِيِّ، والمُتاجَرةِ بالأعضاءِ البشَرِيَّةِ، والإجهاضِ، وما يُطلَقُ عليه الموت (اللا) رَحِيم، والسياساتِ التي تُشجِّعُها.
كما نُعلنُ – وبحَزمٍ – أنَّ الأديانَ لم تَكُنْ أبَداً بَرِيداً للحُرُوبِ أو باعثةً لمَشاعِرِ الكَراهِيةِ والعداءِ والتعصُّبِ، أو مُثِيرةً للعُنْفِ وإراقةِ الدِّماءِ، فهذه المَآسِي حَصِيلَةُ الانحِرافِ عن التعاليمِ الدِّينِيَّة، ونتيجةُ استِغلالِ الأديانِ في السِّياسَةِ، وكذا تأويلاتُ طائفةٍ من رِجالاتِ الدِّينِ – في بعض مَراحِلِ التاريخِ – ممَّن وظَّف بعضُهم الشُّعُورَ الدِّينيَّ لدَفْعِ الناسِ للإتيانِ بما لا علاقةَ له بصَحِيحِ الدِّينِ، من أجلِ تَحقِيقِ أهدافٍ سياسيَّةٍ واقتصاديَّةٍ دُنيويَّةٍ ضَيِّقةٍ؛ لذا فنحنُ نُطالِبُ الجميعَ بوَقْفِ استخدامِ الأديانِ في تأجيجِ الكراهيةِ والعُنْفِ والتطرُّفِ والتعصُّبِ الأعمى، والكَفِّ عن استخدامِ اسمِ الله لتبريرِ أعمالِ القتلِ والتشريدِ والإرهابِ والبَطْشِ؛ لإيمانِنا المُشتَرَكِ بأنَّ الله لم يَخْلُقِ الناسَ ليُقَتَّلوا أو ليَتَقاتَلُوا أو يُعذَّبُوا أو يُضيَّقَ عليهم في حَياتِهم ومَعاشِهم، وأنَّه – عَزَّ وجَلَّ – في غِنًى عمَّن يُدَافِعُ عنه أو يُرْهِبُ الآخَرِين باسمِه
القناعةُ الراسخةُ بأنَّ التعاليمَ الصحيحةَ للأديانِ تَدعُو إلى التمسُّك بقِيَمِ السلام وإعلاءِ قِيَمِ التعارُّفِ المُتبادَلِ والأُخُوَّةِ الإنسانيَّةِ والعَيْشِ المشترَكِ، وتكريس الحِكْمَةِ والعَدْلِ والإحسانِ، وإيقاظِ نَزْعَةِ التديُّن لدى النَّشْءِ والشبابِ؛ لحمايةِ الأجيالِ الجديدةِ من سَيْطَرَةِ الفكرِ المادِّيِّ، ومن خَطَرِ قانونِ القُوَّةِ لا على قُوَّةِ القانونِ.
– أنَّ الحريَّةَ حَقٌّ لكُلِّ إنسانٍ: اعتقاداً وفكراً وتعبيراً ومُمارَسةً، وأنَّ التَّعدُّدِيَّةَ والاختلافَ في الدِّينِ واللَّوْنِ والجِنسِ والعِرْقِ واللُّغةِ حِكمةٌ لمَشِيئةٍ إلهيَّةٍ، قد خَلَقَ اللهُ البشَرَ عليها، وجعَلَها أصلاً ثابتاً تَتَفرَّعُ عنه حُقُوقُ حُريَّةِ الاعتقادِ، وحريَّةِ الاختلافِ، وتجريمِ إكراهِ الناسِ على دِينٍ بعَيْنِه أو ثقافةٍ مُحدَّدةٍ، أو فَرْضِ أسلوبٍ حضاريٍّ لا يَقبَلُه الآخَر.
– إنَّ الحوارَ والتفاهُمَ ونشرَ ثقافةِ التسامُحِ وقَبُولِ الآخَرِ والتعايُشِ بين الناسِ، من شأنِه أن يُسهِمَ في احتواءِ كثيرٍ من المشكلاتِ الاجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة والبيئيَّة التي تُحاصِرُ جُزءاً كبيراً من البَشَرِ..
– أنَّ حمايةَ دُورِ العبادةِ، من مَعابِدَ وكَنائِسَ ومَساجِدَ، واجبٌ تَكفُلُه كُلُّ الأديانِ والقِيَمِ الإنسانيَّةِ والمَوَاثيقِ والأعرافِ الدوليَّةِ، وكلُّ محاولةٍ للتعرُّضِ لِدُورِ العبادةِ، واستهدافِها بالاعتداءِ أو التفجيرِ أو التهديمِ، هي خُروجٌ صَرِيحٌ عن تعاليمِ الأديانِ، وانتهاكٌ واضحٌ للقوانينِ الدوليَّةِ.
– أنَّ الإرهابَ البَغِيضَ الذي يُهدِّدُ أمنَ الناسِ، سَواءٌ في الشَّرْقِ أو الغَرْبِ، وفي الشَّمالِ والجَنوبِ، ويُلاحِقُهم بالفَزَعِ والرُّعْبِ وتَرَقُّبِ الأَسْوَأِ، ليس نِتاجاً للدِّين – حتى وإنْ رَفَعَ الإرهابيُّون لافتاتِه ولَبِسُوا شاراتِه – بل هو نتيجةٌ لتَراكُمات المفُاهُميم الخاطئةِ لنُصُوصِ الأديانِ وسِياساتِ الجُوعِ والفَقْرِ والظُّلْمِ والبَطْشِ والتَّعالِي؛ لذا يجبُ وَقْفُ دَعْمِ الحَرَكاتِ الإرهابيَّةِ بالمالِ أو بالسلاحِ أو التخطيطِ أو التبريرِ، أو بتوفيرِ الغِطاءِ الإعلاميِّ لها، واعتبارُ ذلك من الجَرائِمِ الدوليَّةِ التي تُهدِّدُ الأَمْنَ والسِّلْمَ العالميَّين، ويجب إدانةُ ذلك
من خلالِ التعاون المُشترَكِ بين الكنيسةِ الكاثوليكيَّةِ والأزهرِ الشريفِ، نُعلِنُ ونَتَعهَّدُ أنَّنا سنعملُ على إيصالِ هذه الوثيقةِ إلى صُنَّاعِ القرارِ العالميِّ، والقياداتِ المؤثِّرةِ ورجالِ الدِّين في العالمِ، والمُنظَّماتِ الإقليميَّةِ والدوليَّةِ المَعنِيَّةِ، ومُنظَّماتِ المُجتَمَعِ المدنيِّ، والمؤسساتِ الدينيَّة وقادَةِ الفِكْرِ والرَّأيِ، وأن نَسْعَى لنشرِ ما جاءَ بها من مَبادِئَ على كافَّةِ المُستوياتِ الإقليميَّةِ والدوليَّةِ، وأن نَدعُوَ إلى تَرجمتِها إلى سِياساتٍ وقَراراتٍ ونُصوصٍ تشريعيَّةٍ، ومَناهجَ تعليميَّةٍ ومَوادَّ إعلاميَّةٍ.
كما نُطالِبُ بأن تُصبِحَ هذه الوثيقةُ مَوضِعَ بحثٍ وتأمُّلٍ في جميعِ المَدارسِ والجامعاتِ والمَعاهدِ التعليميَّةِ والتربويَّةِ؛ لتُساعِدَ على خَلْقِ أجيالٍ جديدةٍ تحملُ الخَيْرَ والسَّلامَ، وتُدافِعُ عن حقِّ المَقهُورِين والمَظلُومِين والبُؤَساءِ في كُلِّ مكانٍ.
ختاماً:
لتكن هذه الوثيقةُ دعوةً للمُصالَحة والتَّآخِي بين جميعِ المُؤمِنين بالأديانِ، بل بين المُؤمِنين وغيرِ المُؤمِنين، وكلِّ الأشخاصِ ذَوِي الإرادةِ الصالحةِ؛
لتَكُنْ وثيقتُنا نِداءً لكلِّ ضَمِيرٍ حيٍّ يَنبذُ العُنْفَ البَغِيضَ والتطرُّفَ الأعمى، ولِكُلِّ مُحِبٍّ لمَبادئِ التسامُحِ والإخاءِ التي تدعو لها الأديانُ وتُشجِّعُ عليها؛أبو ظبي، 4 فبراير 2019
الأزهر الشريف الفاتيكان
الشيخ أحمد الطيب قداسة البابا فرنسيس
المبحث الخامس: مشروعية استخدام السلاح النووي و شرط “مارتينز”
المطلب الأول: مشروعية استخدام السلاح النووي وفقا لفتوى محكمة العدل الدولية
تطرح أسئلة عديدة حول فتوى محكمة العدل الدولية المتعلقة بمشروعية استخدام السلاح النووي، بعد ان ضربت بعرض الحائط ميثاق الامم المتحدة وحظر استخدام القوة في القانون الدولي المعاصر.
اذا كان من الثابت ان العديد من قواعد القانون الدولي الانساني على نحو ما اكدته محكمة العدل بمناسبة حكمها في قضية الانشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكارغوا تتصرف ،بحسبانها قواعد قبلتها الجماعة الدولية باعتبارها قواعد آمرة، ويبرز في القانون الدولي الانساني والتي تعتبر قواعده آمرة اتجاهان:
– أي على الدول ان تلتزم بالقانون الدولي الانساني، واذا كانت هذه الدولة غير عضو في اتفاقية دولية. اي لا يمكن للدولة التذرع بعدم الانضمام لاتفاقية او التوقيع عليها لتتحلل من مسؤولياتها القانونية الدولية.
– اتجاه أول: يعتبر ان اي سلاح جديد ،غير مٌحًرم حصرا في قواعد القانون الدولي الانساني هو سلاح ممكن استعماله؛
– واتجاه ثانٍ: يعتقد ان اي سلاح جديد وان لم يكن مذكورا في قواعد القانون الدولي الانساني ، ويمكن ان يكون ممنوعا، في حال كان يملك عاملا مشتركا مع الاسلحة الممنوعة في هذا القانون ،او يكون بطبيعته يتعارض مع المبادئ العامة لهذا القانون، فهو مٌحًرم استعماله.
– إن محكمة العدل الدولية في فتواها لم تجد في قواعد القانون الدولي الانساني او في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة منعا حصريا لاستعمال الاسلحة النووية.
– وتؤكد الدكتورة لويز دوسولدبيك ان المحكمة حين وضعت استعمال السلاح الذي لا يميز بطبيعته بين المقاتلين والمدنيين في المستوى نفسه مع الاعتداء على المدنيين. تكون قد اعتبرت ان كل سلاح يجب ان يفحص في ضوء القانون الدولي الانساني . واذا كان يتناقض وهذه القواعد فان استعماله يكون ممنوعا دون الحاجة إلى معاهدة خاصة.
المطلب الثاني: مبدأ مارتينز
تضمن مبدأ مارتينز ثلاث ركائز قانونية يرجع أصلها إلى مصادر قانونية مختلفة ويمكن تحديد هذه العناصر من خلال الرجوع إلى تعريف المبدأ وفق المواد القانونية الاتفاقية التي تناولته بالذكر كالمادة 1 ف 2 من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 والملحق باتفاقيات جنيف الاربع لسنة 1949 اذ نصت على إنه: ” في حالة عدم وجود قاعدة معينة في القانون التعاهدي يظل المحاربون في حمى وسلطة القانون العرفي ومبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام” ، وعليه تتمثل الركائز القانونية التي يتضمنها شرط مارتينز بالعادات الراسخة بين الشعوب وباحكام الضمير العام وبقوانين ومبادى الانسانية:
أولاً: العادات الراسخة بين الشعوب: ويقصد بها الأفعال المتكررة الراسخة بين الشعوب المتحضرة والمحددة بعبارة ( كما استقر عليها العرف)، فهنالك عادات استقر التعامل الدولي على الاخذ به على مر العصور فاكتسبت بذلك قوة العرف الدولي.
ثانياً: أحكام الضمير العام: تحتل هذه العبارة مكانة مهمة في صميم القانون الدولي الانساني بشكل خاص والقانون الدولي بشكل عام فشرط مارتينز يسلم بضرورة أن يتضمن القانون تعبيراً عن المشاعر العامة القوية المتصلة بالسلوك الانساني، حيث تعرف أحكام الضمير العام على أنها الشعور العام الدولي والذي يتمثل بمجموعة القرارات والاعلانات الدولية والبيانات التي تقدمها شخصيات ومؤسسات مؤهلة تأهيلاً عالياً لتقييم القانون الدولي والتي يبرز دورها في كونها تسلط الضوء على القضايا الدولية كالحملات والرابطات الدولية والمنظمات الدولية غير الحكومية، كرابطة الاطباء الدولين ورابطة المحاميين الدولية المناهضة للاسلحة النووية والرابطة الدولية المناهضة لاستخدام اليورانيوم وكاللجنة الدولية للصليب الاحمر والتي كان لها الدور الاكبر في تسليط الضوء على قضايا دولية إنسانية في مجالات كثيرة مما ترتب عليه إبرام اتفاقيات دولية انصفت تلك القضايا.
ثالثاً: القوانين الإنسانية: لقد آشار شرط مارتينز إلى مبادئ الإنسانية باعتبارها جزءاً من القانون الدولي التي يحتكم إليها في حالة عدم وجود نص قانوني صريح، ومن خلال الاطلاع على مراحل تدوين شرط مارتينز نجد إن الاتفاقيات الدولية تارة تذكر عبارة ” قوانين الإنسانية ” وتارة أخرى تذكر عبارة “مبادئ الإنسانية”، وبغض النظر عن الفارق ما بين القانون والمبدأ فكل منهما قد يبنى على اعتبارات انسانية غير إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر عرفتها على أنها مجموعة من القواعد الرامية إلى الحـد من آثار النزاعات المسلحة لدوافع إنسانيـة من خلال تقييد حق أختيـار الـوسائل والأساليب المستعملـة في الحرب، وهنالك تطبيقات قضائية دولية كثيرة تشير فيها المحاكم الدولية إلى أهمية مراعاة الاعتبارات الانسانية ففي قضية مضيق كورفا لعام 1949 حكمت محكمة العدل الدولية ” بإن البانيا مسؤولة وفقاً لقواعد القانون الدولي عن الأضرار التي لحقت بالسفن البريطانية كونهـا لم تحذرها بوجود الالغام مشيرة إلى هذا الشرط وكالآتي: ” إن الالتزامات المترتبة على السلطات الألبانية … لا تقوم على أساس اتفاقية لاهاي الثانية لسنة 1907 التي تطبق في وقت الحـرب، وإنما على مبادئ عامة معينة معتـرف بها، وهي اعــتـبارات إنسانيـة أساسية… ومنها التزام أية دولة بعدم السماح بعلمها باستخـدام إقليمها لأعمال تمس حقوق الدول الأخرى”.
المطلب الثالث: المبررات الأمريكية للحرب على أفغانستان والعراق خارج إطار الشرعية الدولية
عندما وقعت احداث 11 أيلول 2001، جاءت الفرصة الذهبية للرئيس الأمريكي جورج بوش الذي جعل مجلس الامن الدولي يصدر القرار 1373 وذلك بعد اسبوعين على احداث 11 سبتمبر/أيلول. وهذا القرار صدر بالاجماع عن مجلس الامن واعتبر في وقته” بلاغا عسكريا رقم واحد” للعالم. وكان القرار 1373 خطيرا جدا لأنه يمنح الولايات المتحدة الوسيلة كي تحكم العالم.
وتكلم نص
القرار عن حق الدفاع عن النفس ولكنه وضع قيودا على هذا الحق ريثما يستطيع مجلس الامن الامساك بالقضية. وكلنا يعلم ان أمريكا كانت الرافض الاكبر ليكون هناك تعريف للارهاب، حتى ان السفير وليد السعدي (من الاردن) وكان رئيسا لاحدى لجان توصيف الجرائم الاساسية في المحكمة الجنائية الدولية اقترح في روما عام 1998 وضع تعريف موحد للارهاب وعلى ان يكون الارهاب من الجرائم الاساسية والتي يجب ان تكون ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية إلى جانب جريمة الابادة الجماعية وجريمة الحرب والجريمة ضد الانسانية وجريمة العدوان، ولكن المعارضة اتت من قبل وفد الولايات المتحدة في روما حيث كانت تدور اعمال مسودة مشروع النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة.
• ومع رفض الولايات المتحدة لتعريف الارهاب اصبحت لدينا صورة واضحة هي ان لكل دولة الحق في اعلان الحرب ضد من تشاء وساعة تشاء اذا كان هذا “العدو” يقوم بعمل ارهابي، أو يشتبه بانه يقوم بعمل ارهابي. بكلام آخر اعطت الولايات لنفسها الحق بأن تعلن الحرب ضد من تشاء وساعة تشاء وفقا للرؤية الأمريكية لمفهوم الارهاب ومن هو الارهابي، سواء كان هذا العدو فردا، مجموعة، أو دولة، وبالطبع دون الرجوع إلى أي مرجعية قانونية.
كما أن قرار مجلس الأمن الدوي رقم 1373/2001 تعتبره الولايات المتحدة ضوءاً أخضراً لها لمراقبة المؤسسات المالية المحلية والدولية، وملاحقة ميدانية لمدى تطبيقها لنص القرار وخاصة (مادته الأولى الفقرة ج): “التي تدعو جميع الدول لتجميد الأموال وأي أصول مالية او موارد اقتصادية لأشخاص يرتكبون أعمالا إرهابية أو يحاولون ارتكابها..، كما نصت المادة الرابعة من القرار 1373 على الصلة الوثيقة بين الإرهاب الدولي والجريمة المنظمة عبر الوطنية، والإتجار غير المشروع بالمخدرات وغسل الأموال وغيرها، ويؤكد في هذا الصدد ضرورة تعزيز تنسيق الجهود على كل الاصعدة الوطنية والاقليمية والدولية تدعيماً للاستجابة العالمية في مواجهة التحدي والتهديد الخطيرين للأمن الدولي.
من هنا تدّخلت الولايات المتحدة عبر هذا القرار في الشؤون الداخلية للدول، وخاصة عبر الاملاءات من قبل السفارات الأمريكية وعبر المراقبات شبه اليومية للبنوك المركزية لتفحص الاصول المالية لبعض الجمعيات والأفراد المشتبه بهم أمريكياً، كما أن مجالس النواب لم تكن بعيدة عن حث المسؤولين الأمريكيين لها لسرعة التصديق على الاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب.
ومع رفض الولايات المتحدة لتعريف الإرهاب اصبحت لدينا صورة واضحة هي أن لكل دولة الحق في إعلان الحرب ضد من تشاء وساعة تشاء إذا كان هذا “العدو” يقوم بعمل إرهابي، أو يشتبه بأنه يقوم بعمل إرهابي. بكلام آخر اعطت الولايات لنفسها الحق بأن تعلن الحرب ضد من تشاء وساعة تشاء وفقاً للرؤية الأمريكية لمفهوم الإرهاب ومن هو الإرهابي، سواء كان هذا العدو فرداً، مجموعة، أو دولة، وبالطبع دون الرجوع إلى أي مرجعية قانونية.
كما أن وزارات العدل والمالية لم تكن بعيدة عن التدخل الأمريكي في شؤونها وذلك بحجة المساعدة في سن مشاريع القوانين التي تمنع غسل الأموال، و كل ذلك حصل ويحصل عبر قائمة لا تنتهي من المطالب وتحت حجة محاربة الإرهاب، حتى ان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد وضعوا شروطاً” متصلة بتلك المطالب الأمريكية، إن تجاوبت الدول مع تلك الشروط، جرى التعاون معها، وألاّ فلا تعاون”.
وقد عرفت الساحة القانونية الأمريكية نقاشاً واسعاً في هذا السبيل في أعقاب صدور قرار مجلس الأمن رقم 1441 الصادر في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2002 والذي قرّر في مستهله ان العراق لا يزال في انتهاك جوهري لإلتزاماته بموجب القرارات ذات الصلة من ضمنها القرار 687 الصادر عام 1991، حيث نصت الفقرة 13 منه “يذكر في هذا السياق بأن مجلس الامن حذر العراق مراراً بانه سيواجه عواقب خطيرة نتيجة للانتهاكات المستمرة لالتزاماته”، وقد اثير البحث حول ما اذا كانت الولايات المتحدة وبعض حلفائها تستطيع الاستناد إلى الفقرة 13 من القرار 687، كي تشن الحرب ضد العراق بحسبانها تتصرف تحت غطاء الشرعية الدولية وقرار مجلس الامن. وعندما بدا واضحاً ان هذه الفقرة لا تخول حقاً في استخدام القوة ضد العراق واذ فشلت الولايات المتحدة في استصدار قرار جديد من مجلس الامن يخولها استخدام القوة ضد العراق. سارع (كولن باول) وزير الخارجية الأمريكي إلى التصريح في 6 آذار 2003: “بأن الولايات المتحدة ستغزو العراق مع تحالف من الدول الراغبة سواء بترخيص من الامم المتحدة أو بدون هذا.
الخلاصة
تتحمل الدولة مسؤولية دولية عن حرب العدوان يتمثل بالمسؤولية المادية، والمسؤولية السياسية أما المسؤولية الجنائية فيتحملها الأفراد من قادة سياسيين وضباط وجنود وفقاً للمادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. علماً ان المحكمة المذكورة لا تعترف بالحصانات الدبلوماسية او السياسية.
الحرب في القانون الدولي المعاصر حرمت وحظر استعمالها في العلاقات الدولية وفقاً للفقرة 4/2 من ميثاق الأمم المتحدة، وطلبت الفقرة 3/2 من الدول المتنازعة تسوية منازعاتها بالطرق السلمية. لكنه كما شاهدنا في البحث مع الأسف زادت الحرب أكثر من قبل داخل الدول وبين الدول، مما خلف ملايين القتلى والجرحى والدمار والخسائر التي لا تعوض.
قائمة المراجع:
1. كمال حماد. 1997. النزاع السلح والقانون الدولي العام. مجد. بيروت – لبنان.
2. أنظر:
Gregory Reichberg, HentikSyse, the Ethics of war, Oxford, Basil Blackwell, 206.
3. ديفيد فيشر. 6/2014. الاخلاقيات والحرب. ترجمة عماد عواد. عالم المعرفة. العدد: 414.
4. الحرب العادلة بين المفهوم والتطبيق. ميدا إيست أونلاين. على الرابط التالي:
https://bit.ly/3PBN4Ox
5. كمال حماد. 12/2007. مجلة الحياة النيابية. مجلس النواب اللبناني. العدد: 65.
6. حسان شبلي. 28/8/2018. الحرب والإسلام وحُرمة الحياة: حظر العدوان في الفقه العسكري الإسلام.
7. أنظر:
Francisco de Vitoria. 1991. On the American Indians, in Vitoria: political ,ed., Anthony Pagden and Jeremy Lawrence. Cambridge – Cambridge university press.
8. حمدي الشريف. 18/4/2016. نظرية الحرب العَادلة بين اليُوتُوبيا والإيديولوجيا. مؤمنون بلا حدود. على الرابط التالي:
https://bit.ly/3vE7LBB
9. أنظر:
John ford. 1961. The morality of obliteration bombing, theological studies, 1944, and Paul Ramsey, war and the Christian conscience, Durham.NC, duke university press.
10. أنظر:
Chapter 4 | The Officer at Work: The Ethical Use of Force. By Richard M. Swain and Albert C. Pierce The Armed Forces Officer.
11. أنظر:
https://bit.ly/3cIbfvW
12. جورج ديب. شتاء 2004. حوار مع مجلة شؤون الاوسط حول الاستراتيجية الأمريكية والشرق الأوسط. العدد: 113.
13. كمال حماد. 3/2003. مكافحة تبييض الأموال في القوانين الدولية واللبنانية. مجلة الحياةالنيابية. مجلس النواب اللبناني. المجلد: 46.
مصدر الصور: CNN – تويتر – UN NEWS – أرشيف سيتا.
البروفسور كمال حماد
باحث وأكاديمي وأستاذ محاضر في العديد من الجامعات اللبنانية والعربية والأوروبية – لبنان.