د. بلقاسمي مولود*
لم تكن المرة الأولى التي يتم فيها إغتيال عالم من علماء إيران النوويين، ولكن هده المرة كانت عملية إغتيال محسن فخري زاده، رئيس مركز الأبحاث العلمية في وزارة الدفاع الإيرانية، في ظروف خاصة سواء التي تتعلق بالداخل الإيراني أو بنتائج الإنتخابات الرئاسية الأمريكية وتداعياتها على ملفات إستراتيجية إقليمية ودولية.
ستحاول هذه الدراسة الموجزة التطرق لدلالات وتداعيات عملية الإغتيال في ظل بيئة إستراتيجية تحمل الكثير من التحديات والتهديدات وضمن حسابات إستراتيجية معقدة لقوى إقليمية ودولية تسعى لتحقيق مصالحها. فما هي دلالات إغتيال العالم محسن فخري زاده في هذا التوقيت وهذه الظروف الإقليمية والدولية؟
إيران: إختراق أمني ومعضلة الأولويات الإستراتيجية
يعتبر إغتيال العام فخري زاده إختراق أمني كبير يدل على وجود هشاشة أمنية داخل الأجهزة الأمنية وعلى رأسها المخابرات الإيرانية كما صرح بذلك محسن رضائي، أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام. ولم يكن هذا الإغتيال الأول من نوعه وكانت قبله محاولات، فقبله تم إغتيال فريدون عباسي، المكلف بتنظيم البحوث النووية في هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، وشهرام أميري، الذي إختفى في السعودية عند أدائه لمناسك الحج ثم هرب للسفارة الباكستانية التي أعادته لإيران، ومصطفى أحمدي روشين، الخبير الكيميائي المتخصص في الانتشار الغازي، الذي أغتيل في العام 2012، ومسعود علي محمدي، العالم المتخصص في فيزياء الجسيمات الذي أغتيل في العام 2010، ومجيد شهرياري، العالم الفيزيائي النووي المختص في الفيزياء الكمية أغتيل في العام 2010، والعالم داريوش رضائي نجاد، الذي أغتيل في العام 2011.(1)
لم تتأخر إيران في تحميل المسؤولية لكل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من خلال الخطابات والتصريحات الرسمية للقيادات الإيرانية، كتصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي والرئيس حسن روحاني وقيادات الحرس الثوري والبرلمان، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يجب على إيران إيجاد من المسؤول عن الإغتيال بالأدلة وأن تقنع المجتمع الدولي بإتهاماتها للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل أو حتى بعض القوى الإقليمية وجماعة مجاهدي خلق التي ستحاول إيران إدخالها ضمن إتهاماتها لأسباب متعلقة بالمملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج العربي المعادية للطموح والمشاريع الإيرانية.
كما يجب الإشارة إلى أن عملية الإغتيال أعادة للواجهة إشكالية الأولويات الإستراتيجية الإيرانية من خلال النقاشات الحادة في الداخل الإيراني، فجناح الرئيس روحاني وفريقه يميلون للتفاوض من منطلق أن المواجهة العسكرية ستقضي على مسار التفاوض حول الملف النووي ويرون أن هدا “فخ” تريد إسرائيل من خلاله أن توقع فيه إيران. أما الجناح الآخر، ومنهم الحرس الثوري الإيراني والبرلمان، فيرى بضرورة الرد العسكري وهو ما يظهر ضمن تصريحات كثيرة منها تصريح قائد فيلق القدس بالحرس الثوري، إسماعيل قاآني، الذي أكد أن الرد سيكون قاسٍ وسيكون بتكاثف جميع القوات الإيرانية بكل تشكيلاتها، ولكن كل القيادات الإيرانية متفقون على تجنب أية حرب شاملة.
وعليه، فالداخل الإيراني يعيش حالة عدم توافق التصورات في ترتيب الأولويات الإستراتيجية، وخاصة أن الإمتناع عن الرد العسكري سيؤدي إلى تمادي عمليات الإغتيال والذي يمكن أن يطال شخصيات بارزة أخرى، وستظهر إيران على أنها غير قادرة على حماية علمائها وأمنها القومي، لتبقى خياراتها الإستراتيجية في المرحلة الراهنة رهينة حساباتها الإستراتيجية المعقدة مع أولوية تجنب المواجهة الواسعة في ظل المرحلة الإنتقالية بين إدارتي دونالد ترامب وجو بايدن، وتحديد الأولويات الإستراتيجية ضمن التصور الإستراتيجي للدور الإيراني في المستقبل.
الولايات المتحدة: ترامب يعقد المرحلة الإنتقالية على جو بايدن
توقيت إغتيال العالم النووي يثير تساؤلات حول تورط الولايات المتحدة الأمريكية أو على الأقل المشاركة غير المباشرة للإستخبارات الأمريكية في العملية، وذلك لمجموعة من الأسباب منها إنسحاب الرئيس ترامب من الإتفاق النووي الإيراني، العام 2015، وعملية إغتيال قائد لواء القدس، اللواء قاسم سليماني، في العراق وتصريح الرئيس ترامب مؤخراً أنه يمتلك بدائل بخصوص ضربة عسكرية للملف النووي الإيراني(2)، بالإضافة إلى نشرها للمدمرة الأمريكية في مياه منطقة الخليج.
فقد تسعى الولايات المتحدة وحلفائها، وخاصة إسرائيل وبعض القوى الإقليمية، إلى إدخال إيران ضمن معادلة إستراتيجية تجد نفسها فيها بخضم مواجهة عسكرية وحرب شاملة لا تخدم مصالحها الإستراتيجية في المرحلة الراهنة، ويجب الإشارة هنا إلى أن إسرائيل، وفي العام 2018، أشارت إلى أن فخري زاده كأحد أعمدة البرنامج النووي الايراني، وهو ما أشارت إليه تقارير للإستخبارات الأمريكية والإسرائيلية حيث تم وضعه على قائمة المطلوبين والممنوعين من السفر بل أكثر من ذلك أنه حيث تعرض أكثر من مرة لمحاولات إغتيال فاشلة.
أيضاً، إن عملية الإغتيال تصعب وتعقد المرحلة الإنتقالية لبايدن، فالرئيس ترامب يسعى إلى تخريب أية دبلوماسية مستقبلية بين واشنطن وطهران وخاصة مع تصريح الرئيس المنتخب أنه سيحاول العودة للتفاوض على الإتفاق مع إيران(3)، هذا من جهة. من جهة أخرى، إن الرئيس ترامب وفي أيامه الأخيرة المتبقية يوجه رسالة قوية للقيادة الإيرانية بأنه سينهي الملف كما يريد هو، أضافة إلى عدم نسيان العلاقات الجديدة بين بعض القوى الإقليمية في الخليج مع إسرائيل تحت رعاية أمريكية وخاصة في إطار الحديث عن زيارات سرية بين مسؤولين خليجيين إلى إسرائيل وهو ما يفسر المصلحة المشتركة في إعتبار إيران تهديد مباشر لمنطقة الشرق الأوسط.(4)
فمن خطط ونفد عملية الإغتيال، في هذا التوقيت وفي ظل هذه البيئة الإستراتيجية، يهدف إلى تقويض البرنامج النووي الإيراني وتقويض أية مساع لإعادة إحياء الاتفاق(5)، ويسعى إلى ضرب إيران لتتراجع في بعض الملفات الإقليمية، في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وستكون لهده العملية تداعيات إستراتيجية إقليمية ودولية. فمن الناحية الأمنية، هناك عودة لعمليات إغتيال العلماء إلى الواجهة، وهي عمليات لا أخلاقية تتعارض مع قواعد القانون الدولي، وهو ما ينذر بدخول الأزمات الدولية مرحلة تصفية الحسابات بين الدول عن طريق الإغتيالات.
*باحث متخصص في الدراسات الدولية – الجزائر
المراجع:
(1) تعرف على 5 علماء نوويين إيرانيين اغتيلوا في العقد الماضي، الجزيرة الأخبار، تاريخ النشر 27/11/2020، تاريخ الإطلاع 28/11/2020، الموقع الإلكتروني:
https://www.aljazeera.net/news
(2) أنظر:
Holly Dagres, Iran nuclear scientist assassination timing raises questions over US involvement, pub : 27/11/2020, visited 28/11/2020, web: https://www.telegraph.co.uk/news
(3) المرجع السابق نفسه.
(4) أنظر:
Iran’s supreme leader calls for ‘definitive punishment’ of scientist’s killers, the Guardian, pub : 28/11/2020, visited : 29/11/2020, web: https://www.theguardian.com/
(5) إغتيال محسن فخري زادة: هل يهدف قتل العالم الإيراني إلى تقويض الاتفاق النووي؟، بي.بي.سي عربية، تاريخ النشر 28/11/2020، تاريخ الإطلاع: 30/11/2020، الموقع الإلكتروني:
https://www.bbc.com/arabic
مصدر الصور: سبوتنيك – العراق اليوم.
موضوع ذا صلة: لماذا لن يشعل إغتيال سليماني فتيل الحرب؟