وافقت فرنسا والبرتغال وإسبانيا على بناء خط أنابيب الهيدروجين المتوسطي، والذي من المفترض أن يكون جاهزاً بحلول العام 2030. وسينقل خط أنابيب الهيدروجين الغاز “الأخضر” من شبه الجزيرة الأيبيرية إلى أوروبا. ومن المقرر أن تنضم ألمانيا إلى مشروع خط أنابيب هيدروجين جديد بين إسبانيا والبرتغال وفرنسا، وفقاً للإعلان الفرنسي – الألماني، بالذكرى الستين لمعاهدة الإليزيه في 22 يناير/كانون الثاني.

المشروع، الذي يطلق عليه اسم “H2Med” هيدروجين المتوسط، سيربط البرتغال وإسبانيا بفرنسا والآن ألمانيا لتزويد حوالي 10 في المائة من احتياجات الاتحاد الأوروبي من الهيدروجين بحلول عام 2030، ويُتوقّع أن تبلغ كلفة المشروع 2.5 مليار يورو. وسينقل خط أنابيب الغاز تحت البحر الأبيض المتوسط الهيدروجين الأخضر المصنّع من المياه عن طريق التحليل الكهربائي، في عملية تستخدم الطاقة المتجددة.

والجدير بالذكر أن مشروع “H2Med” هيدروجين المتوسط سيكون قادراً على توفير حوالي مليوني طن متري من الهيدروجين سنوياً بحلول العام 2030، بحسب تقديرات الحكومة الإسبانية. يأتي ذلك في الوقت الذي تسارع فيه أوروبا لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية والتحول من الوقود الأحفوري إلى طاقة أنظف.

مع تزايد المخاوف بشأن تغير المناخ، والحاجة الملحة لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والتكاليف المتناقصة للكهرباء المتجددة وتكنولوجيا المحلل الكهربائي، بالإضافة إلى العديد من السياسات الداعمة الحكومية، يكتسب الطلب على الهيدروجين الأخضر؛ حيث يمكن أن يوفر ما يصل إلى 25% من احتياجات الطاقة في العالم بحلول العام 2050 وأن يصبح سوقاً قابلاً للتوجيه بقيمة 10 تريليون دولار بحلول العام 2050. ومن المقرر أن يتجاوز الاستثمار في إنتاج الهيدروجين الأخضر مليار دولار سنوياً بحلول العام 2023. ويستخدم الهيدروجين في تكرير النفط وإنتاج الأمونيا والميثانول.

ما سبب الاهتمام العالمي بالهيدروجين؟

ظهرت فكرة الهيدروجين في الأساس للمساهمة في التوسع بقطاع الطاقة المتجددة؛ إذ تُعَد الطاقة النظيفة – سواء كانت طاقة شمسية أو طاقة رياح – ذات طبيعة متقطعة، ومن ثَم كانت هناك رغبة في إيجاد حل جذري لهذه المعضلة.

وبما أن الشبكات الأوروبية قد قطعت شوطاً كبيراً في الطاقة المتجددة؛ فكانت أول من عانت مشكلة إنتاج الطاقة من مصادر نظيفة بوتيرة تفوق احتياجات الطلب المحلي، بالإضافة إلى مشكلة العجز حال انقطاعها؛ ما دفع المؤسسات البحثية الأوروبية للبحث عن كيفية استغلال هذا الفائض وتخزينه لحين الحاجة، ورغم أن البطاريات هي الخيار الأول للتخزين؛ فإنها بطبيعة الحال مكلفة، كما أن قدرتها على التخزين محدودة، وهنا ظهر الهيدروجين خياراً مناسباً. ومن ثم، بدأ استغلال فائض الطاقة المتجددة في عملية التحليل الكهربائي للماء المتوافر في محطات الطاقة المتجددة لإنتاج الهيدروجين وتخزينه، وحال انقطاع الطاقة المتجددة يمكن استخدام الهيدروجين في توليد الكهرباء، وهكذا.

وباختصار، فإن ظهور الهيدروجين كان هدفه مساعدة الشبكات الأوروبية، في ظل معناة القارة العجوز من التحكم الروسي بمصادر الغاز، إلا أنه أعقب ذلك تنفيذ مشروعات عديدة للهيدروجين باعتبارها مشروعات استرشادية للتأكد من إمكانية استغلال الهيدروجين بصفته حاملاً للطاقة وحلاً لطبيعة الطاقة المتجددة المتقطعة، لكن الحديث فجأة تحوّل لأن يكون للهيدروجين نفسه دور كبير في منظومة الطاقة. فهل التفاؤل الأوروبي في محله؟

الهيدروجين الخضر.. مزايا وحسنات ومخاطر

الهيدروجين الأخضر هو العنصر الأكثر وفرة في الكون، ولكن على الأرضلا يبدو نقياً في الطبيعة، ويتطلب طاقة للفصل. الأسلوب الأكثر شيوعاً هو استخراجه من الماء (المكون من جزأين من الهيدروجين وجزء واحد من الأكسجين H2O).

لقد أثبتت البحوث أنه وقود عالمي خفيف وعالي التفاعل، من خلال عملية كيميائية تُعرف باسم التحليل الكهربائي؛ وتستخدِم هذه الطريقة تياراً كهربائياً لفصل الهيدروجين عن الأكسجين في الماء، إذا تم الحصول على هذه الكهرباء من مصادر متجددة، فسننتج طاقة دون انبعاث ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

ويتم استخدام الهيدروجين الأخضر على نطاق واسع حالياً، في السيارات والشاحنات الكهربائية التي تعمل بخلايا الوقود الهيدروجينية. وفي سفن الحاويات التي تعمل بالأمونيا السائلة المصنوعة من الهيدروجين، ومصافي “الفولاذ الأخضر” التي تحرق الهيدروجين كمصدر للحرارة بدلاً من الفحم، وتوربينات كهربائية تعمل بالهيدروجين يمكنها توليد الكهرباء في أوقات ذروة الطلب للمساعدة في تثبيت شبكة الكهرباء. وهو في المحصلة بديل للغاز الطبيعي للطبخ والتدفئة في المنازل.

إقرأ أيضاً: كيف تواجه اليابان مشكلة السلامة النووية؟

للهيدروجين الأخضر عدة مزايا، أهمها: لا تنبعث منه غازات ملوثة، سواء أثناء الاحتراق أو أثناء الإنتاج، وهو قابل للتخزين مما يسمح باستخدامه لاحقاً لأغراض أخرى وفي أوقات أخرى غير مباشرة بعد إنتاجه. ويمكن تحويل الهيدروجين الأخضر إلى كهرباء أو غاز اصطناعي واستخدامه للأغراض المنزلية أو التجارية أو الصناعية أو التنقل. وكذلك، فهو قابل للنقلويمكن مزجه مع الغاز الطبيعي بنسب تصل إلى 20%، على أن استخدام نفس أنابيب الغاز والبنية التحتية تتطلب زيادة هذه النسبة وتغيير العناصر المختلفة في شبكات الغاز الحالية لجعلها متوافقة.

لكن هذه الطاقة المنشودة لا تخلو من بعض العيوب، ومنها: التكلفة العالية، والتي تعتبر أساسية لتوليد الهيدروجين الأخضر من خلال التحليل الكهربائي، والتي تعتبر أكثر تكلفة في توليدها، مما يجعل الحصول على الهيدروجين أكثر تكلفة. وتتوقع مصادر لموقع “الطاقة” الإلكتروني المتخصص أن تنخفض تكاليف الإنتاج بنسبة 40% حتى العام 2025، حيث يجب استخدام أية تقنية على نطاق صناعي حتى تصبح مجدية اقتصادياً. الأمر نفسه ينطبق على تقنيات المحلل الكهربائي، في الوقت الحالي، انخفضت أسعار جهاز التحليل الكهربائي بنسبة 50% مقارنةً بخمس أعوام ماضية، ويرجع ذلك إلى التقدم الكبير في تكنولوجيا المحلل الكهربائي والقدرة على التصنيع.

كما يتطلب إنتاج الهيدروجين بشكل عام والهيدروجين الأخضر بشكل خاص طاقة أكثر من أنواع الوقود الأخرى. ومثل أي غاز، فإن حجم الهيدروجين أكبر بكثير من حجم الهيدروكربونات الأخرى؛ ما يقرب من 4 أضعاف الغاز الطبيعي، ويتطلب تخزينه ضغطاً يصل إلى 700 مرة من الضغط الجوي العادي أو التبريد إلى 253 درجة مئوية تحت الصفر، وهو ما يقرب من الصفر المطلق. إلى عنصر السلامة، فالهيدروجين عنصر شديد التقلب وقابل للاشتعال؛ ولذلك، يلزم اتخاذ تدابير أمان شاملة لمنع التسرب والانفجارات.

وينبغي الإشارة الى الفرق بين نوعي الهيدروجين الأزرق والأخضر بحيث يتم إستخراج الهيدروجين الأزرق من مصادر أحفورية عن طريق التقاط انبعاثات الكربون وتخزينها، بينما يُصنع الهيدروجين الأخضر من مصادر غير أحفورية – كما ذكرنا – ويفضل اقتصادياً على الأحفوري.

استخدامات الهيدروجين؟

يعتبر الغاز الطبيعي حالياً المصدر الأساسي لإنتاج الهيدروجين، حيث يمثل حوالي 75% من الإنتاج العالمي السنوي المخصص للهيدروجين البالغ حوالي 70 مليون طن. وهذا يمثل حوالي 6% من استخدام الغاز الطبيعي العالمي. يتبع الفحم الغاز، نظراً لدوره لأهميته في الصين، ويتم إنتاج حصة صغيرة من استخدام النفط والكهرباء، وفقاً لتقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية – IEA.

وفي حين يُستَخدم الهيدروجين على نطاق محدود باعتباره مصدراً للوقود مباشرة أو حاملاً للطاقة عبر تطبيقات خلايا الوقود، فإنه أيضاً يُستَخدم بصفته مادة خام في بعض الصناعات مثل صناعة السماد والمواد الكيميائية والتكرير، أو لتوفير الحرارة في الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة، مثل صناعة الصلب.

أيضاً، يستحوذ قطاع تكرير النفط وصناعة الأمونيا على الهيدروجين النقي بحصة تبلغ 33% و27% على التوالي من إجمالي الطلب العالمي على الهيدروجين، بينما تشمل التطبيقات الأخرى التي تستهلك الهيدروجين النقي، وقطاع النقل وبعض الصناعات مثل صناعة الزجاج والإلكترونيات وغيرها لتشكل مجتمعة ما مجموعه 4% من إجمالي الطلب العالمي، وفقاً لأحدث بيانات صادرة العام 2018 ونقلتها وحدة أبحاث الطاقة.

وقبل اختراع الطائرات النفاثة، شاع استخدام الهيدروجين في المناطيد وسفن الهواء في الولايات المتحدة؛ لارتفاع تكلفة الهيليوم في ذلك الوقت مقابل انخفاض تكلفة الهيدروجين فضلاً عن توافر الأخير بكميات كبيرة، لكن حادث التسرب الشهير بأحد المناطيد وانفجاره في ولاية نيوجيرسي الأميركية تسبب في حظره بصفته مادة صالحة للاستخدام.

وقود لتوليد الكهرباء

من ضمن تعريفات الهيدروجين أنه حامل أو مخزن للطاقة، فإنه يحل معضلة كبيرة في قطاع الكهرباء، من خلال تخزينه بجوار محطات توليد الطاقة المتجددة عند وجود فائض، على أن يُعَاد استخدامه مرة أخرى في توليد الكهرباء عند انخفاض إنتاج الطاقة النظيفة، فيما يطلق عليه محطة ذات التوليد المشترك.

كما يمكن استخدام الهيدروجين وقوداً للتوربينات مباشرة – وهي عملية متاحة في الوقت الحالي تجارياً لكنها تعتمد على استخدام خليط الهيدروجين مع الغاز الطبيعي – كما يمكن استخدام الأمونيا المنتجة من الهيدروجين في عمليات توليد الكهرباء المشتركة عبر المحطات العاملة بالفحم. وبينما بدأت الشركات المصنعة للتوربينات في تطوير توربينات للعمل على الهيدروجين النقي – أي 100% هيدروجين – فإنه يُتوقع أن تدخل هذه العملية التطبيق التجاري، بحلول العام 2030.

باختصار، يمكن استخدام الهيدروجين بصفته وقوداً بشكل مباشر في محركات الاحتراق الداخلي أو في توليد الكهرباء أو في خلايا الوقود باعتباره مادة تتفاعل مع الأكسجين، وهو التطبيق الأكثر نجاحاً حتى هذه اللحظة بل الأكثر شيوعاً كذلك. ويظل دور الهيدروجين الرئيس حالياً مقصوراً – في الغالب – على استخدامه مادة خاماً في العديد من الصناعات، وإن كان أمامه مستقبل مشرق كونه مكوناً أساسياً في اقتصاد عالمي خالٍ من الكربون.

الدول المنتجة والمصدرة للهيدروجين

من أجل وضع العالم على المسار الصحيح للوصول إلى هدف الحياد الكربوني، ستكون هناك حاجة لإنتاج مليوني ميغا/واط أو أكثر عبر الهيدروجين الأخضر، حسب مجموعة تقارير حول الهيدروجين نشرتها وكالة “بلومبرغ”، لكن أكبر منتج للهيدروجين عبر التحليل الكهربائي (النسخة الخضراء)، هي الشركة النرويجية المتخصصة في إنتاج الهيدروجين وتخزينه وتوزيعه من مصادر الطاقة المتجددة (نيل)؛ إذ يمكنها إنتاج 80 ميغا/واط سنوياً فقط.

إقرأ أيضاً: هدنة سلام.. تجاوز الخلافات الأساسية بين ألمانيا وفرنسا

وتضم قائمة الدول المرشحة لصدارة قائمة كبار المنتجين للهيدروجين أستراليا وتشيلي والسعودية والمغرب، وسط توقعات بأن الهيدروجين سيغطي 12% من استهلاك الطاقة عالمياً، بحلول العام 2050.

وتمتلك إفريقيا القدرة على إنتاج قرابة 5 مليارات طن/سنوياً من الهيدروجين بأقل من دولارين لكل كلغ عبر استخدام الطاقة المتجددة المتوافرة بكثرة في القارة السمراء، بحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية الصادر، يونيو/حزيران 2022.

وتؤكد الوكالة الدولية للطاقة، في تقريرها عن الطاقة في إفريقيا، أن مصر وموريتانيا والمغرب وناميبيا وجنوب إفريقيا على رأس الدول الإفريقية التي تشهد حالياً تنفيذ مشروعات للهيدروجين منخفض الكربون.

هل يصبح الهيدروجين بديلاً للغاز الطبيعي؟

يستحوذ الغاز الطبيعي على حصة كبيرة نسبياً في مزيج الطاقة عالمياً لأنه بطبيعة الحال سلعة متوافرة إلى حد ما، ويمكن الاعتماد عليها في توفير إمدادات العديد من الأسواق، كما توفر العديد من المزايا البيئية في عدة قطاعات؛ مثل قطاع الكهرباء.

وعند النظر إلى الصراع القائم بين تحول الطاقة وأمن الطاقة، نجد أن الهيدروجين يُعَد بمثابة ميزة إضافية للغاز الطبيعي إذ يمكن استخدام الأخير في إنتاج الهيدروجين، كما يمكن أن تكون هذه الطريقة صديقة للبيئة حال احتجاز الكربون وتخزينه.

وبينما يوجد تقريباً 522 مشروعاً للهيدروجين حول العالم – وفق أحدث الإحصائيات – كان يُعتقد أنها من الهيدروجين الأخضر، إلا أن الأرقام تؤكد أن 50% من هذه المشروعات لإنتاج الهيدروجين الأزرق عبر استخدام الغاز الطبيعي.

ويرى خبير الهيدروجين في أوابك، وائل عبد المعطي، أن كلاً من الهيدروجين والغاز الطبيعي سيكونان بمثابة عنصرين مكملين لبعضهما، مع الإشارة إلى وجود دراسات تؤكد أن استخدام خليط من الهيدروجين والغاز يقلل الانبعاثات.

خلاصة القول، إن الهيدروجين – في مرحلته الحالية – لا يمكن وضعه باعتباره صناعة تنافسية مع الغاز الطبيعي، لكن بما أن الحديث عن خيار للتخلص من الكربون؛ فإن ارتفاع التكلفة أمر متوقع، وعلى الأقل فإن السعر لن يصبح تنافسياً في أول 10 أعوام من عمر الصناعة.

مصدر الصور: DW – الشرق.

العميد م. ناجي ملاعب

باحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية – لبنان.