إعداد: يارا انبيعة
عند سماعك اسم “الهند”، لن تستطيع تجاهل صور الإزدحام الخانق، الشوارع المكتظة، والقرى والمدن التي تضم الآلاف، بل الملايين، من الناس. غير أن تلك التخيلات ستتلاشى بسرعة لتغلبك الدهشة عندما ترى الأرقام التي تحققها “الهند الحديثة” كإحدى أهم القوى الإقتصادية في العالم.
الريادة البرمجية
مهمة هي الهند من وجهة النظر السياسية كونها تحمل بين سطورها مصطلح “الدولة الديموقراطية”، لكنها أيضاً مهمة من وجهة النظر التكنولوجية. ففي نهاية العام 2003، تراجعت الولايات المتحدة في مجال البرمجة إلى المرتبة الثالثة عالمياً تاركة حق التصدر للهند التي احتلت المرتبة الأولى، تليها الصين في المرتبة الثانية.
جاء هذا التقرير في الوقت الذي يسعى فيه الهنود إلى التربع على عرش البرمجة، بفارق كبير عن الولايات المتحدة، وتطوير ما يسمى بـ “الحكومة الإلكترونية”. ومن ضمن المحاولات الهندية لإعتلاء هذا العرش، عاد أكثر من 35 ألف هندي من واشنطن لتأسيس شركات معلوماتية تنافس نظيراتها الأمريكية.
إلى ذلك، أعلنت شركة “أوراكل”، الرائدة في هذا المجال، عن عزمها على مضاعفة عدد موظفيها في الهند من 3 آلاف إلى 6 آلاف خلال سنة واحدة، ويأتي ذلك بالإنسجام مع كون الهند هي المقر الرئيس لعمليات الدعم الفني لهذه الشركة العملاقة، كما يجري فيها قسم كبير من عمليات التطوير، كما تعتزم الشركة أيضاً نقل خدمات أخرى تابعة لها نيو دلهي، بما في ذلك المحاسبة الداخلية.
بالإضافة إلى ما سبق، استطاعت الهند أن تكون منافساً قوياً بعدد من شركات التقنية العالمية مثل شركة “تي – سي – إس TCS” و”آي – فلكس I – Flex”، و”يبرو Wipro”، و”إنفوسيس Infosys، ناهيك عن استضافتها لأهم مراكز البحث والتطوير العلمي في العالم في مدن مثل “بنجالور”، والتي يطلق عليها “وادي السيليكون”، ومدينة “حيدر آباد”.
الشرارة الأولى
بدأت الهند البحث عن التقدم التقني في خمسينيات القرن الماضي في أعقاب نيلها الإستقلال، حيث قرر رئيس وزراءها آنذاك، جواهر لال نهرو، أن تكون لبلده معاهد تقنية من الطراز العالمي. وكانت البداية بمعاهد “IIT” او “Indian Institute of Technology” والتي تخرجت منها أجيال فذة من الموهوبين الذين تعتمد عليهم كبريات الشركات العالمية في صناعة البرمجيات مثل “مايكرو سوفت”، و”آي.بي.إم”، و”إنتل”، و”أوراكل”، و”أدوبي” وغيرها، إضافة إلى تقلد كوكبة من خريجي هذه المعاهد عدداً من المناصب العليا في قيادة تلك الشركات العالمية العملاقة.
“مبرمجو العالم”
تعتبر الهند ثاني أكبر مصدر للبرمجيات بعد الولايات المتحدة حيث يتم فيها تطوير ما لا يقل عن الـ 40% من البرمجيات المستخدمة في الهواتف الخلوية. كما تعتبر صناعة تقنية المعلومات إحدى أهم القطاعات النشيطة في الإقتصاد، وتتخطى عائدات هذا القطاع 100 مليار دولار، إذ بلغت قيمة الصادرات 69 مليار دولار، في العام 2012، وهي توفر فرص عمل مباشرة لنحو 2.8 مليون شخص، وفرص عمل غير مباشرة لنحو 8.9 مليون شخص. وفي العام ذاته، بزغت الهند كدولة رائدة في مجال تعهيد الأعمال Sub-contracts، وساهمت بما يصل إلى 58% من عمليات التعهيد في العالم.
ومن هنا، تقوم الحكومة بتقديم الدعم في هذا المجال من خلال إنشاء مشروعات مبتكرة تهدف إلى حل الكثير من المسائل التنموية الكثيرة التي تواجهها، ومن الأمثلة على ذلك مشروع “ادهار” القومي لعمل بطاقات شخصية لسكانها الذين يبلغ عددهم 1.3 مليار نسمة، وهناك أيضاً مشروع الكمبيوتر اللوحي منخفض التكلفة “أكاش” والذي تم إنتاجه وتوزيعه على تلاميذ المدارس في أنحاء الهند المختلفة.
وتسهم صناعة تقنية المعلومات الهندية بحوالي 7.5% من إجمالي الناتج القومي، وفي سبيله ليلعب دوراً في توفير فرص عمل جديدة وعائدات أكبر، كما سيسهم في عملية التنمية.
الطب “التكنولوجي”
إحدى أهم الإختراعات الحديثة التي توصلت إليها مستشفى في مدينة أحمد آباد هي إدخال “روبوتات” على خط جراحات القلب والقثطرة للمرة الأولى في العالم. وتلك التكنولوجيا سوف تجعل الهند من رواد نظام الرعاية الصحية، حيث أنها تجعل نسبة فشل عمليات الأوعية الدموية والدعامات لدى المريض 0%، إضافة إلى كونها تبقي الأطباء والممرضين بعيداً عن تأثير الإشعاع الصادرة عن الأجهزة المستخدمة في مثل هذه العمليات.
تطوير القطاع العسكري
يعتبر الجيش الهندي رابع أكبر قوة عسكرية في العالم، فهو يمتلك الكثير من الأسلحة التكنولوجية المتطورة بل التي قد تتفوق أحياناً على نظيراتها الروسية والأمريكية.
في العام 2020، من المتوقع أن تحتل الموازنة العسكرية لنيودلهي المرتبة الرابعة في العالم، خصوصاً من تزايد التنافس مع الصين باكستان والصراعات في جنوب غرب آسيا، والتي تحتم عليها مسايرة التطور الهائل في ترسانتها العسكرية. من هنا، قامت الهند بوضع بعض التعديلات على أسلحتها الإسترتجية المستوردة أو تلك التي صنعتها بنفسها وحولتها إلى قوة ضاربة، ومن بينها أنظمة صواريخ ودبابات وقطع بحرية تمتاز بقدرتها العالية والفائقة.
غزو الفضاء
تأسس برنامج الفضاء الهندي في العام 1962، ولقد شهد هذا القطاع الكثير من التطور ليس آخرها إطلاق صاروخ يحمل 28 قمراً صناعياً صغيراً ونانوياً، لدول الهند وكندا وفنلندا وفرنسا وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. ويعد هذا الإطلاق هو الأحدث في اطار سلسلة نجاحات حققتها وكالة الفضاء الهندية.
إلى ذلك، أعلنت الهند أنها بصدد إرسال رواد إلى الفضاء بحلول العام 2022، مما قد يجعلها رابع دولة في العالم تقوم بمهمة فضائية مأهولة بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا. جاء ذلك خلال خطاب رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، في ذكرى الإحتفال بيوم الاستقلال السنوي، قال فيه “قررنا أنه بحلول عام 2022، عندما تستكمل الهند 75 سنة من الاستقلال، أو قبل ذلك، سيذهب ابناً أو ابنة من الهند إلى الفضاء.” وقد أكد رئيس منظمة أبحاث الفضاء الهندية “إيسرو”، كيلاسافاديفو سيفان، الجدول الزمني مشيراً إلى رواد فضاء ومركبة تحمل اسم “فيومانوتس” (المستمد من كلمة سنسكريتية تعني “فضاء”) سيمضون سبعة أيام على الأقل في الفضاء.
من يريد.. يستطيع
هناك قول شائع في الهند “إذا ضمن الهندي تناول 3 وجبات يومياً فإنه يفكر بشراء كومبيوتر”، وربما يجب أن نضيف على هذا القول “فإذا اشترى جهاز كومبيوتر فسيشتري بعده طائرة مقاتلة أو سماعة طبيب”. إن هذه المقولة تعكس إلى حد كبير مدى تأثير نجاح التجربة في هذه المجالات على المواطن الهندي.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصور: بوابة أفريقيا – IBTimes India.