حوار: سمر رضوان

أبرزت زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، للعاصمة السودانية الخرطوم، 25/10/2018، ولقاؤه بنظيره السوداني، عمر البشير، أن المصالح الإقتصادية يمكن أن تنجح في تضميد أوجاع السياسة، وتسكين المشكلات المزمنة بين البلدين، ووقف المناكفات التي لا تنطفئ جذوتها حتى تعاود الإشتعال مرة أخرى، لأتفه الأسباب، وربما لأسباب خارجية لا تخص أياً من الطرفين.

عن القمة المصرية- السودانية في الخرطوم، وتوقيع الاتفاقيات المشتركة بين البلدين، ومنها مشروعات الربط الكهربائي والسكك الحديدية التي اعتبرت أبرز القضايا على أجندة الاجتماعات، سأل مركز “سيتا”، الدكتور محمد حسين أبو الحسن، مدير تحرير الأهرام المصرية.

تقارب ثنائي

حمل توقيع الطرفين على 12 اتفاقاً للتعاون، في عدة مجالات، مؤشراً على أن صفحة جديدة تكتب بين العاصمتين، مما فتح المجال للإعتقاد أنه جرى غلق الملفات المزعجة، أو “وضعها في الثلاجة”، مع إعطاء الفرصة للمشاورات الهادئة لمعالجتها جذرياً، إن أمكن، أو عدم التوقف عندها في حالة التعثر حرصاً على مواصلة التفاهم، ومحاولة البناء على النتائج لطمأنة شعبي وادي النيل.

لم ينسَ أي طرف هواجسه تجاه الآخر، لكن ظروفاً داخلية وإقليمية تدفع الجانبين الى التقارب على المستوى الثنائي، فقد قدمت أثيوبيا وأريتريا الموعظة الحسنة إقليمياً، من خلال طي صفحة الحروب ونبذ العداوة وفتح صفحة جديدة للسلام والتعاون، حتى يتفرغا للتنمية والبحث عن الإزدهار. فالعداوات ليست دائمة، بعكس المصالح، وهذا ما وعاه المصريون وتجاوب معه السودانيون، بعد ملاسنات وخصومات وتباينات في المواقف، لأسباب سياسية، ومياه النيل، وسد النهضة الإثيوبي، وحلايب، والموقف من الإخوان المسلمين وتركيا وقطر وغيرها.

شراكة استراتيجية

لقد أسهمت المشكلات التي يعانيها اقتصادا البلدين في دفعهما الى إذابة الجليد، خاصة أنه على المستوى النظري، هناك نوع من “التكامل” الممكن بينهما. فيمكن أن تصدر السودان إلى مصر اللحوم والمنتجات الزراعية الأولية، بينما تستورد الخرطوم السلع المصنعة ونصف المصنعة والأدوية وقطع الغيار من القاهرة. ومن باب الجدية على إرساء “شراكة استراتيجية”، شرعت مصر بالفعل في تنفيذ “الربط الكهربائي” مع السودان لأول مرة، مما يتيح تزويد الخرطوم بالطاقة الكهربائية، كما يجري حالياً دراسة ربط شبكة السكك الحديدية بينهما، وشق الطرق الواصلة برياً، وربط الموانئ، بكل ما يعكسه من جدية، بالإضافة إلى التعاون في مجالات التعليم والصحة والإعلام والطاقة (وهي مجالات تملك فيها القاهرة خبرات متراكمة) وكذلك الشروع في تنفيذ مشروعات التعاون الزراعي لإنتاج الحاصلات بالسودان وتصديرها إلى مصر.

دبلوماسية الاقتصاد

تسعى البلدان لتحاشي سياسات أضرت بمصالحهما، طيلة العقود الماضية، عبر توثيق التعاون من خلال مشروعات تنموية، فتتحول المصالح الناشئة مصدات تقاوم الرياح السياسية والأمنية من أي جهة أو طرف داخلي أو خارجي يريد توظيف بذور الصراعات الكامنة لخدمة أهدافه الخفية. انها دبلوماسية “الإقتصاد وبناء الثقة” مع الابتعاد عن التقلبات والتأرجح الحاد في المواقف، وهي نهج برع نظام البشير في التعامل من خلاله، وقد نجحت سياسة الصبر وضبط النفس المصرية ومحاولة بث روح الثقة في أواصر العلاقات الثنائية والإقليمية مردودها أخيراً، ممثلاً في رفع الحظر السوداني عن المنتجات الزراعية المصرية، وعودة بشائر الإستقرار، مما ينعكس على الأمن القومي لشمال وادي النيل وجنوبه، ويثبت دعائم ما توصلا إليه من تقارب لافت. هذه النتائج الإيجابية تجعل من الصعوبة على كل طرف التضحية بها عند أي احتكاك، كما أنها تحد من الحساسيات المزمنة، وتعرقل تأثيرات الأطراف الخارجية على مجمل ملفات العلاقات الثنائية.

 

ملفات متعثرة

لا شك أن ما يحدث هو تطور إيجابي بعد أزمات عاصفة خيمت في سماء العلاقات المشتركة، لكن من المبكر القول إن “كلو تمام”، فهناك ألغام كثيرة في الطريق نحو التكامل المشترك أبرزها قضية “سد النهضة الأثيوبي”، في ظل المماطلة الأثيوبية المتواصلة وسياسة استهلال الوقت دون الوصول إلى اتفاق مكتوب يضمن حقوق مصر التاريخية في مياه النيل وهي سياسة تجد دعماً من الخرطوم، وكذلك قضية حلايب المصرية التي تزعم الخرطوم تبعيتها إليها. وبرغم ذلك، فإنه يمكن التفاؤل بقدرة لغة المصالح أن تتفوق على المشكلات وتتجاوزها إن خلصت النوايا وصدقت العزائم.

مصدر الصورة: بوابة فيتو.