إسلام زعبل*
مقدمة
على الرغم من المشاكل الاقتصادية والعقوبات الدولية التي تمر بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أنها صارت من القوى العسكرية والدبلوماسية الأولى في الشرق الأوسط، وقد حققت ذلك بمزيج من السياسات والإستراتيجيات التي تفردت بها عن باقي دول المنطقة وهو الإمتداد العسكري والسياسي والفكري في آن واحد حيث جمعت بين الثلاثة في صياغة استراتيجيتها للتعامل مع محيطها الإقليمي والدولي.
نرى ذلك جلياً في لبنان مع امتلاك “حزب الله” للقرار العسكري والسياسي في إدارة الساحة السياسية، وكذلك جماعة “أنصار الله” (الحوثيون) في اليمن إذ استطاعوا فرض سيطرتهم السياسية على الدولة اليمينة، بما يمتلكونه من قوة عسكرية، عقب الثورة، إضافة إلى التواجد العسكري الإيراني في العراق المتمثل في “الحشد الشعبي” وسيطرته على جزء كبير من الحياة السياسية في العراق، وواضح أيضاً في سوريا مع التواجد العسكري للحرس الثوري ومشاركته للقرارات السياسية والعسكرية مع النظام السوري. غير أنه اتخذ استراتيجية مختلفة في البحرين والتواجد الشيعي في شرق السعودية، وعند النظر والتدقيق والبحث في صانع هذه الإستراتيجية فإننا نرى أمامنا الجنرال “قاسم سليماني”، الجنرال الأخطر في منطقة الشرق الأوسط قائد القوي العسكرية الخارجية الضاربة في الحرس الثوري الإيراني “فيلق القدس” أو “جيش القدس” (IRGC).
من هو قاسم سليماني؟
من مواليد 11 مارس/آذار العام 1955 في قرى جبال اقليم كرمان جنوب شرق إيران بالقرب من الحدود الإيرانية – الأفغانية حيث البيئة القبلية التي تحكمها قوانين خاصة، وتعتمد في الأساس على القوة والنفوذ، حيث تربى في بيت مزارع بسيط تعرض لمظاهر الإستبداد الذي مارسه الشاه الذي أصدر مرسوم قانون الإصلاح الزراعي الذي بسببه تعرضت أسرة سليماني للحاجة من أجل سداد ديونها ما اضطر قاسم سليماني إلى ترك المدرسة في سن الـ 13 للعمل في قطاع البناء في عاصمة الإقليم مدينة كرمان.
ووقت اندلاع الثورة الإيرانية، في العام 1979، كان يعمل في هيئة المياه في البلدية، وبعد فترة وجيزة من اندلاعها انضم إلى الحرس الثوري منذ تأسيسه، في أبريل/نيسان 1979، وبعد دورات في الإعداد والتدريب الأساسي عين مدرباً للمجندين الجدد ومن هنا كانت بداية سليماني الحقيقية.
يتحدث عنه جنوده بأنه كان دائم الإعتراض على قيادته، ففي إحدى اللقاءات صرخ في وجه قائده العام، محسن رضائي، بسبب عدم وجود خطة إبان الحرب على العراق. لكن ذلك، لم يمنعه من الوصول إلى قيادة إحدى أهم القوى الضاربة للحرس الثوري والتي يطلق عليها “انتقام الله”، وهو الإسم المستعار للإمام الحسين حفيد النبي (ص) الذي يعتبره الشيعة من أهم الشخصيات الدينية المقدسة لديهم.
محطات من حياته العسكرية
- المشاركة في الخطوط الأمامية بقيادة وحدته التي أرسلت إلى الشمال الغربي لقمع الإنتفاضة الإنفصالية الكردية وهو بعمر الـ 22.
- شارك في الحرب ضد العراق، العام 1980 بقيادة صدام حسين، بقيادة فيلق “ثأر الله”، وخدم طوال فترة الحرب في كل مناطق الجبهة المنتشرة على الحدود حتى غزو كردستان – العراق، العام 1987، حيث هاجم الجيش العراقي قواته بأسلحة كيماوية، وصولاً إلى المشاركة في عملية جزيرة الفاو، العام 1988، والتي سبب فشلها إلى وقف إطلاق النار ثم إنهاء الحرب.
- في العام 1988 وبعد انتهاء الحرب مع العراق، أعيد إلى كرمان للمشاركة في القضاء على عصابات المخدرات التي كان لها تهديد كبير على النظام الإيراني، وخلال 3 سنوات استطاع تهدئة الأجواء مما زاد من شعبيته في الإقليم الذي يعتبر أحد أهم الأقاليم كونه على تماس مباشر مع أفغانستان وباكستان.
- في مارس/آذار 1998، أصبح قائداً لفيلق القدس أو جيش القدس، خلفا لأحمد وحيدي، وهو القوة الضاربة للحرس الثوري الإيراني، والمكلفة بحماية وإمداد القوات الموالية للثورة خارج الحدود مثل (حزب الله – أنصار الله الحوثي – الحشد الشيعي بالعراق…..الخ).
إستراتيجية إيران التوسعية بقيادة الجنرال
المواجهة مع “طالبان”
في شهر أغسطس/آب من العام 1998 وبعد بضعة أشهر من تولي سليماني قيادة فيلق القدس، اجتاحت حكومة طالبان مدينة مزار شريف في شمال أفغانستان، إقليم تسكنه عرقية الهزاره وهم مسلمون شيعة يتحدثون اللغة الفارسية وتربطهم علاقات قوية مع إيران. ونتيجة لهذا الإجتياح، تصاعدت حدة التوترات على طول الحدود المشتركة التي تبلغ 850 كلم، وعلى جانبي الحدود أخد يحتشد مئات الآلاف من الجنود مع أسلحتهم ومعداتهم ينتظرون الأوامر لبدء الحرب.
كانت مبررات الحرب لدي طالبان هو تدخلات إيران في شؤون افغانستان الداخلية بتقديمها الدعم المباشر إلى بعض الجماعات المحلية في تحالف الشمال المعارض لحكمها مما أعطاها حقاً، بنظرها، لوقف هذا التدخل بالقوة. وخلال الإقتحام، قتلت طالبان أحد عشر دبلوماسياً إيرانياً واقتحمت المعقل الرئيسي الأخير للمعارضة الأفغانية في باميان والتي كان يفكر معارضوها بإتخاذها كقاعدة للهجوم عليهم بدعم رئيسي من إيران.
مع هذا التحول، بلغ التوتر بين إيران وحركة طالبان حداً كبيراً، وضع الطرفين على شفير الحرب وسط اتهامات وتصريحات متبادلة. ونظراً لدقة هذا الموقف، بررت وجهتا نظر مختلفة؛ إحداها مؤيد لخوض حرب شاملة (يمثلها الجنرال يحيى رحيمي صفوي قائد الحرس الثوري والمقرب من المرشد الأعلى السيد علي خامنئي وجزء كبير جداً من القادة العسكريين في الجيش)، وأخرى ترى عدم المواجهة الشاملة والمباشرة (يمثلها الجنرال قاسم سليماني المقرب من الرئيس الجمهوري محمد خاتمي).
من هنا، جاء تدخل الجنرال سليماني لينزع فتيل الحرب ويوقف المزيد من العنف. فبدلاً من مواجهة طالبان مباشرة، اختار سليماني زيادة الدعم الإيراني لتحالف الشمال المعارض، حيث أشرف شخصياً على توجيه عمليات المجموعة من قاعدة عبر الحدود الشمالية لأفغانستان في طاجيكستان.
في الأشهر الأولى التي أعقبت أحداث 11/9 الشهيرة، رأى الجنرال سليماني فيها فرصة لهزيمة طالبان مرة واحدة وإلى الأبد بوسائل غير تقليدية وبالتحديد التعاون مع الولايات المتحدة. في بداية الحرب، قام بتوجيه الدبلوماسيين الإيرانيين لتبادل المعلومات حول مواقع طالبان العسكرية مع نظرائهم الأمريكيين، وفي المقابل أخبر الأمريكيون الإيرانيين بما كانوا يعرفونه عن أحد عناصر الإصلاح في القاعدة في شرق إيران حيث كان هناك منفذ حدودي مهم لتنظيم “قاعدة الجهاد” أثناء خروجهم من أفغانستان، وكأن هذا التواصل قد أذاب جليد العلاقات أكثر بين الطرفين. خلف الأبواب المغلقة كان سليماني ينطق بنفسه “سعداء بالتعاون”، ويتحدث مع أعلى المستويات السياسية بأنه ربما “حان الوقت لإعادة التفكير في العلاقة مع الأميركيين”.
غير أن هذا التعاون توقف فجأة، في يناير/كانون الثاني 2002، بعد أن استخدم الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج دبليو بوش، في خطاباته عبارات متهماً إيران بالسعي إلى امتلاك ونشر الأسلحة النووية، وتصديرها للإرهاب، ناعتاً لها بـ “الدولة القمعية، فما كان من الجنرال سليماني إلا أن أمر بإلغاء الإجتماعات التنسيقية مع واشنطن.
كانت تلك التجربة الأولى لسليماني على طريق تنفيذ استراتيجيته وبداية صعود دوره الحقيقي في القرارين السياسي والعسكري حيث أثبت أنه يملك معطيات ومبررات كانت هي الأصوب إذ أنه. وفقاً لمجريات الواقع في تلك المرحلة، فإن الحرب الشاملة كان ستتسبب بالآتي:
- تحولها إلى حرب إقليمية وتعطي الفرصة لإصطفافات قد تتجاوز دول الجوار وتمتد الى تدخل أمريكي.
- ستكون حرب طويلة الأمد، كما حدث في الحرب الأهلية الأفغانية التي امتدت لعقدين ونصف من الزمان.
- إن أية مواجهة عسكرية مع طالبان سيشكل إنقاصاً من قيمة إيران وتصغيراً لشأنها.
- الحرب ستعاكس سياسة إيران بالإنفتاح على دول الجوار.
- تعميق الخلاف الإيراني ــ الباكستاني بصدد أفغانستان ومستقبلها.
- إن الخوض في المستنقع الأفغاني، والذي كان أحد أسباب تدهور حالة الإتحاد السوفياتي السابق بعد تورطه في الصراعات الأفغانية لعقد ونصف لم يستطع خلالها تحقيق أي حسم عسكري بالرغم من قوته وإمكانيته التي تفوق قدرات وإمكانات إيران.
سليماني والدول العربية
مع بداية ثورات “الربيع العربي” في يناير/كانون الثاني 2011، رأى سليماني بأنه أمام فرصة لن تعوض في تنفيذ استراتيجيته التوسعية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، فألقى خطاباً، في مايو/أيار 2011، قال فيه “يجب أن نشهد النصر في مصر والعراق ولبنان وسوريا واليمن، فالذي يحدث فرصة للثورة الإسلامية وإحدى ثمراتها.” وفي الأشهر التي تلت الثورات، جعلت الأحداث من الجنرال سليماني حاجة لا غنى عنها لدي الأنظمة والجماعات التي يستطيع من خلالها تنفيذ مخططه. فنراه في سوريا يدعم “النظام العلوي” ضد “المعارضة السنية”، وفي العراق يقدم التسهيلات للمعارضة الشيعة لأسقاط نظام صدام حسين “السني”، نراه في نفس الوقت يوفر للحركات الجهادية، بالتعاون مع النظام السوري، خطوط امداد لمحاربة التواجد الأمريكي لأنه يمثل خطراً عليه، وفي اليمن يدعم الحوثيين حتى يتمكنوا من الحكم، وفي لبنان دعم حزب الله حتى اصبح يمتلك مفاتيح القرار السياسي بيده.
الساحة السورية والدور الإيراني
ان علاقة الجمهورية الإسلامية مع نظام في سوريا لها جذور عميقة تمتد إلى زمن الحرب بين إيران والعراق عندما قام الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، بإغلاق خط أنابيب رئيسي للنفط في محاولة للضغط على العراق من بوابة الإقتصاد.
وفي أعقاب اندلاع الحرب في سوريا العام 2011، أمر الجنرال سليماني بعضاً من ميليشياته العراقية بالعبور الى سوريا، وهو نفسه أنشأ أيضاً مجموعات شيعية إضافية، من بين الأفغان المقيمين في إيران و”لواء فاطميون” وكتائب باكستانية وهي “لواء زينبيون”، واسماء هذه الجماعات نفسها تعلن عن النوايا الطائفية الإيرانية، حيث كان لهذه القوات، تحت قيادته، دور فعَّال في العديد من الهجمات الرئيسية على الميدان السوري.
وبحلول منتصف العام 2015، لم تكن الأمور تسير بصورة جيدة بالنسبة للجنرال سليماني فقد كانت القوات الحكومية تعاني من الإنشقاقات تاركه قواته تقاتل وحيدة من أجل السيطرة على أكبر المدن السورية، اي حلب، وبات بحاجة إلى دعم أكبر أساسه توفير القدرات الجوية. وفي يوليو/تموز 2015 وعلى الرغم من العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة عليه، سافر الجنرال سليماني متوجهاً الى موسكو لإجراء محادثات مع وزير الدفاع الروسي، وبعد بضعة أسابيع عاد إلى سوريا وقاد حملة منسقة ضد المعارضة السورية تحت غطاء جوي روسي مكثف أدى تدخل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى قلب المعركة بشكل حاسم لصالح القوات السورية. وبحلول ديسمبر/كانون الأول 2016، تم تصوير سليماني بجولة على أنقاض حلب المكلومة بعد أيام قليلة من قيام ميليشياته بالقتال إلى جانب القوات السورية.
يبدو من الواضح أن الأولويات الإستراتيجية الحالية لطهران إبقاء سوريا تحت سيطرة عائلة الأسد الحاكمة لأنها تقع في الطرف الغربي من الهلال الشيعي الممتد من الحدود الغربية من أفغانستان إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وترى أيضاً أسباباً اقتصادية تنموية لمحور المقاومة إذ ستحتاج إلى تعاون النظام السوري إذا ما أرادت بناء خط أنابيب مخطط له منذ فترة طويلة إلى البحر المتوسط من حقل الغاز الجنوبي العملاق “بارس” في الخليج الفارسي (الخليج العربي) بالإضافة إلى الحفاظ على ممر الإمدادات إلى أهم “وكيل إقليمي” وهو حزب الله اللبناني.
حزب الله والنفوذ الإيراني في المنطقة
تم تأسيس حزب الله في شكله الحالي العام 1985 بأموال وتدريب من الحرس الثوري الإيراني بقيادة قاسم سليماني، حيث أعلن في بيان تأسيسه الرسمي الولاء النهائي للمرشد الأعلى آية الله روح الخميني آنذاك. وفي العام 2009، أعلن حزب الله في بياناً أشار فيه عن استقلالية قراراته، لكن إيران تظل الداعم الرئيسي له. وفي يونيو/حزيران 2016، قال السيد حسن نصر الله، الأمين العام للحزب، وبكل وضوح بأن ميزانية الحزب ومرتباته ونفقاته وأسلحته وصواريخه قادمة من جمهورية إيران الإسلامية. هل هذا واضح؟ هل يمكن أن نكون صرحاء أكثر من ذلك؟ إن هذا الدعم يكاد يكون مهماً بالنسبة لإيران كما هو الحال بالنسبة لحزب الله نفسه.
من الواضح أن حزب الله هو “أهم ممثل غير حكومي” في الشرق الأوسط لإيران اليوم، وبدون ذلك لن تستطيع قوة القدس التابعة لسليماني العمل في الخارج بالطريقة التي تعمل بها، وبدون قوة القدس القوية، ستكون استراتيجية إيران التوسعية في المنطقة شاقة للغاية. وللحفاظ على حزب الله، يجب على إيران الحفاظ على خط الإمدادات البري، في حين أن إرسال شحنات الأسلحة إلى لبنان بات ينطوي على مخاطر بسبب الدوريات البحرية والجوية الإسرائيلية في المنطقة. لكن بفضل التحالف مع سوريا، فإن طائرات الإمدادات الإيرانية لديها تفويض مطلق بالهبوط في مطار دمشق الدولي حيث يتم شحن تفريغ شحناتها لنقلها عبر الجبال الى وادي البقاع اللبناني، معقل لحزب الله، وإذا تم إسقاط الحكومة السورية في أيدي الأغلبية السنية في البلاد، فإن هذا الدور سيتراجع. من هنا، يستميت الجنرال سليماني، وجيش القدس، في الدفاع عن النظام السوري؛ وفي أوائل العام 2018، قدر المسؤولون الأمريكيون، في تصريح إلى صحيفة “واشنطن بوست”، أن الدعم المالي الإيراني لحزب الله قد ازداد الى حوالي 700 مليون دولار في السنة.
إلى ذلك، قام قاسم سليماني بنفسه بتوطيد علاقة وثيقة مع عماد مغنية، القائد العسكري لحزب الله الذي يصفه الأمريكيون والإسرائيليون بأنه “العقل المدبر” وراء تفجير قاعدة المارينز الامريكية في بيروت العام 1983 وكذلك الهجمات على السفارات الامريكية في بيروت والكويت من العام نفسه واختطاف الطائرة التابعة لشركة طيران TWA في رحلتها رقم 847 العام 1985 وتفجير السفارة ومركز الجالية الإسرائيلية في بيونس آيريس عامي 1992 و1994 على التوالي إذ يقول الموساد الإسرائيلي أنه كانت لديه فرصة قويه لإغتيال مغنية لكنه امتنع عن ذلك في اللحظة الحاسمة لأنه كان برفقة قاسم سليماني إلى أن تم اغتياله في دمشق في محاولة أخرى.
ومنذ العام 1992، استمر التوجيه الدقيق لسليماني بتنمية قدرات حزب الله حيث نشط الأخير في السياسة الوطنية اللبنانية، وفي العام 2005، شغل مقاعد في مجلس الوزراء، واليوم بفضل كتلته البرلمانية فإن مقاعده في الحكومة مضمونة وله “حق النقض” على قرارات مجلس الوزراء في نفس الوقت، كما يبرر احتفاظه بجيش الخاص (ناهيك عن وجود دولة موازية فعالة مع مستشفياته الخاصة، ومدارسه، وبرامج الرعاية الإجتماعية، وجناح الدعاية) على أساس انها المجموعة الوحيدة القادرة على الدفاع عن لبنان ضد أي هجوم من إسرائيل.
ومع الحرب المستعرة والمجاورة في سوريا ضد الغزوات من قبل الجماعات السنية، يتحدث قادته عن “صيغة ذهبية” ثلاثية – المقاومة (اي حزب الله نفسه)، بالإضافة إلى الجيش والشعب اللبناني، إذ قال رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، وقائد الجيش سابقاً في مقابلة مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية اليومية، رفض الدعوات الموجهة إلى حزب الله لنزع سلاحه مشيراً إلى أن قواته “تضمن مقاومتنا لدولة إسرائيل”.
في الآونة الأخيرة، ظل حزب الله يعمل بشكل وثيق مع الجيش اللبناني، وخلال صيف العام 2017 شارك حزب الله مع الجيش اللبناني في عمليات مشتركة ضد تنظيم القاعدة، عرفت بـ “فجر الجرود”، على طول الحدود السورية، وبعد نجاح هذه المبادرات أثنى السيد حسن نصر الله علناً على الجيش كشريك أساسي معه في المقاومة.
الإمتداد الإيراني في اليمن عبر أنصار الله
لا تنتهي خطط سليماني للهيمنة الإقليمية على سوريا والعراق وحزب الله، بل وصلت استراتيجيته إلى اليمن حيث الدعم الإيراني لجماعة أنصار الله (حركة الحوثي)، فإيديولوجية الحوثيين تحمل تشابهاً مذهلاً مع مثيلتها في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. كان الدعم يتألف من شحنات بسيطة من الأسلحة والنقود إلى جانب تدريب محدود، على يد حفنة من المستشارين في حزب الله وفيلق القدس. وفي يناير/كانون الثاني 2013، تشير شحنة من الأسلحة الإيرانية التي تم الاستيلاء عليها من مركب شراعي إلى نوع الدعم المادي المعروض خلال تلك الفترة إذ شملت الشحنة أنظمة إطلاق صواريخ أرض – جو ومدفعية صواريخ تعود إلى الحقبة السوفياتية، ومتفجرات RDX من النوع الشائع تستخدم في الهجمات والألغام الأرضية المضادة للمركبات.
في مارس/آذار 2017، عقد سليماني اجتماعاً لكبار القادة في طهران لمناقشة سبل “تعزيز” الحوثيين. وبعد الإجتماع، قال مسؤول إيراني لمراسل رويترز إن “اليمن هي المكان الذي تدور فيه الحرب بالوكالة الحقيقية”، وقال آخر إن خطة إيران الآن هي “إنشاء قوات عسكرية باليمن شبيهة بحزب الله في لبنان لمواجهة سياسات السعودية المعادية.”
تماشياً مع هذه الإستراتيجية، بدأت طهران بالفعل بتزويد الحوثيين بمجموعة من الأسلحة المعقدة بشكل متزايد تشمل الصواريخ المضادة للدبابات والألغام البحرية والطائرات بلا طيار والصواريخ البالستية البعيدة المدى، منذ أبريل/نيسان 2017، إذ قام الحوثيون بتنفيذ 6 ضربات في الشهر، كمعدل وسطي، بإستخدام المركبات الجوية بدون طيار، كما استخدمت قوارب من طراز Shark-33 لشن هجمات على فرقاطة سعودية وسفينة شحن نفطية بالبحر الأحمر، وإطلاق النار على حدود المملكة العربية السعودية، وإطلاق صاروخ سكود على مطار الرياض الرئيسي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، بالإضافة إلى التدريب والدعم بأفراد من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله.
الحشد الشعبي العراقي كظهير غربي لإيران
تدخل الجنرال سليماني بشكل مباشر أكثر في العراق، حيث أرسل ميليشيات شيعية كوكلاء تحت قيادته، وبدعم من فيلق القدس، بغرض واضح وهو مهاجمة الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها بشكل جماعي. كانت هذه المليشيات الشيعية مسؤولة عن مئات الوفيات من قوات التحالف، ومنها “عصائب أهل الحق”، حيث منيت قوات التحالف بخسائر كبيرة، من العام 2006 وإلى حين الإنسحاب الأمريكي في العام 2011، بمعدل يزيد عن ثلاثة أشخاص في اليوم على مدى خمس سنوات.
وبعد إعادة تأسيس الحكومة في العراق العام 2005، امتد تأثير سليماني إلى سياسة البلاد أيضاً تحت غطاء رئاسة رئيس الوزراء، من ابراهيم الجعفري إلى نوري المالكي أحد أنصار منظمة “سليماني” “منظمة بدر”، كما استفاد رئيس العراق جلال طالباني، من العام 2005 الى العام 2014، من مساعدة الحرس الثوري الإيراني كثيراً عندما كان قائداً للمقاومة الكردية ضد الرئيس صدام حسين، في تسعينات القرن الماضي. في أوائل العام 2008، أرسل سليماني للجنرال ديفيد بترايوس، الذي كان يعتبر أكبر قائد أمريكي في العراق، رسالة مهمة مفادها “عزيزي الجنرال بترايوس: يجب أن تدرك أنني، قاسم سليماني، أسيطر على سياسة إيران في العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان. وبالفعل، السفير في بغداد هو عضو في فيلق القدس ومن سيحل محله سيكون مثله.”
في يونيو/حزيران 2014، استولت قوات الدولة الإسلامية “داعش” على مدينة الموصل التي يقطنها حوالي مليوني نسمة في شمال العراق، حيث قام عشرات الآلاف من القوات العراقية والشرطة الفيدرالية بنزع زيهم الرسمي وتواروا عن الأنظار. وبحلول شهرأكتوبر/تشرين الأول 2014، وصل “داعش” إلى ضواحي بغداد وكان يسرق قذائف الهاون في المطار الدولي الرئيسي في غياب جيش عراقي ذي مصداقية، وبالتالي كان على أحدهم أن ينقذ العاصمة. من هنا، أمر سليماني بعض الميليشيات العراقية المكلفة بالدفاع عن سوريا عبور الحدود لإنقاذ الدولة العراقية، وقد نظم المسلحون المشاركون في الدفاع أنفسهم في قوات “الحشد الشعبي” وأصبحت قوات سليماني من بين أكبر الجماعات حيث شاركت في العديد من الأعمال القتالية الأكثر دقة مستفيدة من كثافة الدعم العسكري الأمريكي للقوات العراقية على الأرض، ومنها على سبيل المثال معركة استعادة تكريت، في أوائل العام 2015، حيث كان تم رصد الجنرال سليماني على الخطوط الأمامية.
بالنسبة إلى كركوك، كان للجنرال سليماني دور في استعادتها قوات البشمركة الكردية. ففي خريف العام 2017، سافر شخصيا إلى كردستان في ثلاث مناسبات على الأقل لتقديم تهديدات مبطنة للقيادة الكردية نيابة عن رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، حيث قرر الكرد، في نهاية المطاف، الإستسلام وتسليم المدينة، تقريباً، دون قتال تلاها فرض الجنرال سليماني سيطرته على المواقع الرئيسية للمدينة.
وفي الوقت نفسه، وجدت مجموعات الحشد الشعبي، المشاركة في معركة الموصل ضد تنظيم “داعش”، نفسها قوة في صندوق الإقتراع حيث شكلت العديد من الميليشيات الموالية لسليماني، بما في ذلك “منظمة بدر” و”عصائب أهل الحق” (اللذان قاتلا القوات الغربية أثناء الاحتلال الأمريكي) ضمن ائتلاف سياسي مع تحالف فتح (النصر) الذي فاز بـ 48 مقعداً في البرلمان العراقي، ضمن الإنتخابات التشريعية التي جرت في شهر مايو/أيار 2018. وفي المفاوضات السياسية التي أعقبت تلك الإنتخابات، اختارت طهران، في البداية، هادي العامري، زعيم منظمة بدر وتحالف فتح، كأحد مرشحيها المفضلين لمنصب رئيس الوزراء.
الخاتمة
يتضح من ذلك أن قاسم سليماني هو “الجنرال الأقوى” في المنطقة، فلقد استطاع بخبرته العسكرية والسياسية في أن يكون محركاً للمشهد العسكري والسياسي في المنطقة، ولعب دور رئيسي في كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن حيث يعتمد في استراتيجيته على القوى المسلحة وسلطة الدولة في تحقيق التمدد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.
*كاتب وباحث سياسي مصري
المراجع:
1- https://bit.ly/2Bd1Zux
2 – https://bit.ly/2RYlOLP
3- https://bit.ly/2qSMulO
4- https://bit.ly/2ONQb5u
5- https://bit.ly/2FrPmjs
6- https://bit.ly/2zcVOoY
7- https://bit.ly/2DGyiVv
8- https://bit.ly/2BcfIBU
9- https://bit.ly/2qPQfZd
10- https://nyti.ms/2x79uiv
11- https://nyti.ms/2Dvos83
12- https://bit.ly/2ryNScZ
مصدر الصور: وكالة تنسيم – سبوتنيك – عربي 21.