علوان أمين الدين*

شكلت زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى دول المغرب العربي محطة هامة في وقت دقيق، تشهد فيه بعض أصدقاء موسكو أحداثاً خطيرة، كالسودان وفنزويلا. بالتالي، اذ تحاول استباق الأحداث “وقائياً” خصوصاً في المناطق التي تؤثر عليها بشكل مباشر وغير مباشر.

فبعد “الإطمئنان” إلى الوضع السوري وقبله البحث مع قبرص انشاء قاعدة عسكرية فيها والتفاهم مع مصر على استخدام المطارات العسكرية وبروز دعوة ليبية لمشاركتها في إيجاد حل للصراع الدائر منذ العام 2011، شدت موسكو رحالها إلى المغرب العربي حيث يوجد الحلفاء، الجزائر، والشركاء، تونس والمغرب. فهي تسعى إلى إيجاد “موطئ قدم” لها في تلك المنطقة مستفيدة من بُعدين؛ الأول، سلوك الإدارة الأمريكية “المتعجرف” مع حلفائها. الثاني، الخوف من ضرب مصالحها بعد “خدعة” التدخل الإنساني في طرابلس الغرب.

المعابر المائية

لا شك أن لطرق المواصلات اليوم أهمية كبيرة، فقوة الإنتاج الصناعي لدى الدول ليس له قيمة ما لم يتم تصريفه وتأمين طرق المواصلات التي يسير فيها. من هنا، نجد أهمية كبيرة للموقع الجغرافي للمغرب، الذي يشرف على مضيق جبل طارق الإستراتيجي وامتداده الساحلي على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، والرغبة في إقامة علاقات جيدة معه لا سيما بعد التواجد الروسي على ضفاف قناة السويس الجديدة من خلال “مناطق التجارة الحرة”، والعلاقات القوية مع السودان، الذي أبدى رغبته في إقامة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر قوبل بمساعدة روسية لحماية الرئيس عمر البشير من “الإنقلاب” عليه وفتح المجال أمام “الربيع العربي” من جديد.

من هنا، تسعى روسيا إلى التقرب أكثر إلى المغرب لا سيما من بوابة قضية الصحراء الغربية، “الوتر الحساس”، وذلك من خلال تطبيق التفاهمات الدولية التي تم الإتفاق عليها من قبل، إذ يرى نوفل البعمري، الخبير في ملف الصحراء، أن زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تأتي في الوقت الذي انفتحت فيه المملكة بشكل أكبر على روسيا اقتصادياً وثقافياً وسياسياً، كما ستكون مناسبة لتعزيز الشراكة بين الطرفين وتقويتها لما يخدم مصالح البلدين والشعبين.

من خلال السعي في حل هذه القضية، ستتمكن روسيا من “حياكة” علاقات مهمة مع الرباط ما يسمح لها مستقبلاً، حال تغيير الظروف، من أن تكون لها الأولوية في كثير من الأمور، ومنها التواجد على “فم” البحر المتوسط، إضافة إلى مسألة مهمة جداً تكمن في تخفيف التوتر بين الحليف، الجزائر، والشريك، المغرب، في مسألة الصحراء، مما يعني عدم القدرة على استغلال هذه القضية لإحداث قلاقل قد تؤدي إلى نزاعات مستقبلية تهدد المصالح الروسية.

بالإضافة إلى المغرب، لا يمكن التغاضي عن موقع تونس الجغرافي أيضاً وأهميته بالنسبة إلى طرق المواصلات. فعند قياس المسافة بين تونس وإيطاليا في أقرب نقطتين، من “الهوارية” إلى “مارسالا”، يتبين لنا بأنها لا تعدو عن الـ 145 كلم، إذا لم نحسب جزيرة “بانتليريا” الإيطالية. هذا الموقع يعطيها أهمية كبيرة أيضاً في هذا المجال.

“شد العصب”

يعتبر الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقه، من “الحرس القديم” الذي عاصر الدعم السوفياتي لحركات التحرر في العالم، وهو ما تعتبر موسكو “وريثاً” لسياستها السابقة. من هنا، تحاول روسيا فك خيوط التوتر في المنطقة، الصحراء الغربية مثالاً، من أجل تبريد الملفات، الأمر الذي يصب في مصالحها، لا سيما إذا ما نظرنا إلى جهتي التسليح أو الطاقة.

في هذا الشأن، يرى بعض المحللين أن زيارة لافروف أتت في إطار تحديات داخلية خاصة فيما يتعلق بمستقبل الجزائر السياسي وحالة شد الجذب الكبيرة التي تعيشها الجارة في ظل محاولة التمديد للعهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة. بالتالي، فالمستقبل المقلق للجزائر يثير بعض التحفظ لدى قيادة روسيا التي لها مصالح تجارية كبيرة مع الجزائر ستكون مناسبة للإطمئنان عليها وعلى أنها لم تتضرر من الصراع القائم على السلطة.

تعتبر الجزائر من أهم مستوردي الأسلحة الروسية، فهي لا تزال، ومن خلال نهجها، تؤازر السياسات الشرقية وتحاول الإبتعاد عن التماهي مع الغرب. إضافة إلى ذلك، تريد موسكو إبقاء الإقتصاد الجزائري قوياً من بوابة تأمين صادرات الطاقة فيها وذلك لعدة أمور؛ أولها، وجود تعاون بين الشركات الطاقوية في البلدين. ثانيها، إبقاء أوروبا تحت السيطرة الجيو – طاقوية عبر الإمدادات الروسية من الشرق والجزائرية إلى الجنوب. ثالثها، الخوف من التودد الأمريكي الجديد للجزائر ضمن مسعى يهدف إلى “فك الإرتباط” مع المعسكر الشرقي في وقت تتلمس فيه واشنطن إمكانية تغيير الحكم في البلاد، وبالتالي السياسة العامة للدولة، من خلال تقديم عروضات مغرية للتعاون المشترك بين البلدين.

يأتي ذلك في وقت يتم الحديث فيه عن مد خطوط للطاقة من نيجيريا إلى أوروبا مروراً بالغرب، وهو ما يفسر التوجس الروسي من تنويع مصادر الطاقة في “القارة العجوز” إلى حين مسكها من قبل الولايات المتحدة عند البدء بتصدير مواردها الطبيعية في السنوات القليلة المقبلة. فهذا الأنبوب سيؤثر على، إذا لم نقل سيلغي، خط “العابر للصحراء” الذي ينطلق من نيجيريا مروراً بالنيجر فالجزائر وصلاً إلى أوروبا. وبالتالي، سيسحب من الجزائر ورقة ضغط مهمة لها ولحلفائها، اي الروس، في وجه أوروبا والغرب.

من هنا، تحاول روسيا تخفيف الأعباء عن حليفتها من خلال إيجاد بيئة خالية من النزاعات التي تؤثر على استقرار هذا البلد. وفي هذا الشأن، يأتي الدور المهم جداً لتونس في إطار حل المسألة الليبية وبالتالي تأمين حدود الجزائر الشرقية، وهو ما أشار إليه بيان صادر عن رئاسة الجمهورية التونسية اكد فيه الوزير لافروف على ضرورة تضافر جهود المجموعة الدولية لحث كافة الفرقاء الليبيين على إيجاد تسوية تضمن وحدة ليبيا واستقرارها، على أن يكون ذلك تحت مظلة الأمم المتحدة، ومع مراعاة دور ومواقف دول الجوار.

الربط بالطاقة

بعد التفاهمات الكبيرة بين موسكو والقاهرة حول إقامة محطات للطاقة النووية السلمية، يبدو بأن الدور حان لعقد مثل هذه الصفقات مع تونس إذ أشار الطرفان، خلال الزيارة، إلى أهمية تفعيل “برنامج الشراكة 2019 – 2021” الذي يشمل عدداً من القطاعات منها الإقتصادي والعلمي والنووي، والتأكيد على ضرورة تسريع الإمضاء على عدد من القرارات الحكومية من أجل استعمال الطاقة النووية لغايات سلمية.

ومن خلال البدء بتفعيل هذه المصالح، ستتمكن روسيا من إيجاد موطئ قدم لها على طوال خط “طنجة – بور سعيد” مروراً بتونس التي تقع في منتصف الطريق. إضافة إلى ذلك، تحاول موسكو العمل على “فك الطوق” البري المفروض عليها في عدة نقاط جغرافية، أوكرانيا على سبيل المثال لا الحصر، عبر الخروج إلى البحر والمناطق البعيدة لإستخدامها في حالات الضرورة القصوى، إذا أمكن ذلك بالطبع.

معوقات أساسية

إن الخروج إلى المناطق البعيدة، كما أشرنا، يحتاج إلى قوة بحرية كبيرة تستطيع تغطية كل هذه المساحات، على غرار القوة البحرية الأمريكية، وهو أمر انتبهت إليه الصين التي بدأت بتصنيع حاملات للطائرات، ينتهي بناء ثالثها في العام 2020 بحسب التقديرات. هذا الأمر غير متوفر لدى موسكو فهي لا تمتلك إلا حاملة طائرات وحيدة، الأدميرال كوزنستوف، وتعمل على تحديثها بأنظمة متطورة. قد يعوض هذا الخلل، جزئياً، وجود الكثير من الطرادات، عددها 78، والفرقاطات، عددها 9، والمدمرات، عددها 13، والغواصات، عددها 62 (سبوتنيك 11/10/2018) المزودة ببعض الأسلحة الحديثة، كصواريخ “كاليبر”. غير ان لحاملات الطائرات وقع خاص حيث انها تعتبر “مدينة عائمة” قد يصل عدد العاملين عليها الى نحو3 آلاف شخص، وذلك المقارنة بتلك التي تمتلكها واشنطن.

إضافة إلى ذلك، إن هذا النوع من السلاح يحتاج إلى بنى تحتية ضخمة لخدمته، وهو ما تفتقر إليه روسيا اليوم. على سبيل المثال، غرق الخوض “الجاف العائم” الوحيد الذي يقدم خدمات للسفن الحربية، وما سيكلفها شهوراً والملايين من الدولارات لإعادته إلى العمل مجدداً (رويترز 30/10/2018). أضف إلى ذلك مسألة مهمة جداً بأن أغلب القطع البحرية تعود إلى حقبة الحرب الباردة والإتحاد السوفياتي السابق وتحتاج إلى الكثير من المال والوقت لكي تصبح فاعلة وعلى مستوى الحدث.

أما الأهم في الموضوع، فيكمن في الإشارة إلى أمر مهم جداً، لا سيما عند الحديث عن البحر المتوسط، وهو كثافة الوجود الغربي العسكري فيه، سواء كانت الولايات المتحدة من خلال الأسطول السادس أو الدول الأوروبية المتشاطئة عليه، وهو ما يشكل عائقاً أمام موسكو في حرية التنقل أو التواجد في تلك المنطقة بدون عقبات حقيقية.

 

*مؤسس ومدير مركز سيتا.

مصدر الصور: روسيا اليوم – دي دبليو.