حوار: سمر رضوان

تعتبر منطقة شرق المتوسط بمثابة جسر بين الدول المنتجة والمستهلكة للطاقة، إذ كانت دائماً مصدر صراع وتنافس بين الدول الكبرى. وبعد الإكتشافات النفطية فيه مؤخراً، بدأت تجذب انتباه العالم إليها أكثر من ذي قبل خصوصاً تلك الدول التي تمتلك شركات عملاقة في هذا المجال.

عن التنافس الدولي والإقليمي في منطقة شرق المتوسط، وإمكانية تأمين حقوق الدول المطلة عليها، سأل مركز “سيتا” الأستاذ دنيز البستاني، الخبير في الشؤون التركية – الشرق أوسطية، عن هذا الموضوع.

حلفاء جدد

بدأت دول المنطقة بالبحث عن حلفاء جدد بسبب خلافاتها القديمة، والسبب في ذلك حاجة تلك البلدان إلى تحسين وضعها عند تحديد المنطقة الإقتصادية الخالصة لأن الإتفاقيات الثنائية بينها تعتبر أكثر أهمية من القواعد الدولية عند تحديد تلك المنطقة. وأبرز مثال على ذلك الإتفاق الثنائي بين ليبيا وتركيا كونها تشمل مناطق أوسع يمكن التنقيب فيها عن الغاز والنفط.

إن البدء في استخراج الغاز سيخلق مورداً اقتصادياً مهماً لتلك البلدان ناهيك عن الأهمية الكبيرة لمسألة معالجته وتصديره. بالنسبة الى الإتحاد الأوروبي، فإنه يعتمد وبشكل كبير على استدرار الطاقة من روسيا، وهو يتطلع إلى غاز المتوسط كرديف من أجل تقليل الإعتماد على موسكو، كما يهدف إلى تنويع مصادر الطاقة.

مشروع مقترح

إن الهدف وراء مشروع الأنابيب المقترح (إسرائيل – قبرص – اليونان – إيطاليا) يكمن في تحقيق ما اوردناه آنفاً، حيث أنه سيحمل كميات كبيرة من الغاز، كما أنه يحتاج إلى أموال وفيرة ومناطق تخزين ضخمة. وبالتالي، ستفتش الدول الأوروبية عن أنابيب طاقوية جديدة على حساب أخرى موجودة لا سيما تلك التي تمر عبر تركيا (“السيل الأزرق”) وإيطاليا، وغيرها.

من ناحية أخرى، إن تقاطع الخطوط عند قبرص يجعلنا نتوقف عند مشكلة أخرى. ففي العام 1960 وبعد الإتفاق على دستور يضمن حقوق القبارصة (أتراكاً ويونانيين)، تم الإنقلاب عليه بعد ثلاث سنوات واندلعت النزعات والحرب إلى أن وصلنا للعام 1974 وحل الدولتين. منذ ذلك الحين، ترى أثينا أن الإدارة القبرصية – اليونانية هي وحدها الحكومة الشرعية حيث أن الأولى لا تزال ترفض الإعتراف بالإدارة الموجودة في الجانب الشمالي من الجزيرة، إذ أن الإدارة اليونانية تتخذ القرارات بالنيابة عن الجزيرة ككل في مخالفة صريحة للقانون الدولي.

تحذير تركي

تعترف تركيا بالجزء الشمالي من قبرص على أنها كيان مستقل، وهذا كان السبب وراء تحذير سفينة حفر تابعة لشركة “إيني” الإيطالية، في العام 2018، والتحذير نفسه وجه إلى شركة “إكسون موبيل” الأمريكية. فمنذ العام 2003، لم تعترف الإدارة القبرصية – اليونانية بالاتفاقيات الموقعة مع مصر ولبنان وإسرائيل لتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة في شرق البحر المتوسط. لأن أنقرة تعتقد أن الإدارة التي تقودها اليونان لا تمثل جميع سكان الجزيرة.

يأتي ذلك في وقت بلغ استهلاك تركيا السنوي من الغاز الطبيعي، في العام 2016، ما يقارب على الـ 48.6 مليار متر مكعب اذ تعتمد البلاد بشكل شبه كلي على الواردات، توفر منها روسيا ما يقارب الـ 55% سنوياً. في العقد القادم، من المتوقع أن يتضاعف هذا الإستهلاك ليصل ما بين 70 الى 75 مليار متر مكعب بسبب زيادة عدد اللاجئين إضافة إلى الزيادة السكانية المحلية.

تأمين مصدر جديد

في هذا الصدد، من الممكن توفير الغاز الطبيعي مما سيتم إنتاجه ضمن المنطقة الإقتصادية الخالصة التركية، شرق البحر المتوسط، وتلك التابعة لجمهورية قبرص الشمالية، حيث سيؤمن النقص في الطاقة، وأيضاً سيلبي حاجة أوروبا، من خلال خطوط النقل ومحطات التخزين، ما سيدر أموالاً كبيرة على الخزينة وهو هدف تركي لا يمكن الإستغناء عنه.

وفي إطار العمل على حماية مصالحها في البحار الثلاث، قامت القوات العسكرية التركية بعدة مناورات متتالية وهي الأكبر في تاريخها (BLUE VATAN-2019 – SEA WOLF-2019) من حيث التدريبات أو المنطقة التي شملتها، في رسالة من تركيا بأنها قادرة على حماية مصالحها.

وفي مقابل تحركات اليونان ومصر في المتوسط، أصدرت تركيا بياناً أشارت فيه إلى ضرورة الإلتزام بالقواعد والقوانين الدولية وإلا سيكون الخيار العسكري مطروحاً على الطاولة.

سيناريوهات الحل

أشار كل من وزير الدفاع، خلوصي أكار، والخارجية، مولود جاويش أوغلو، في بيانات لهما أن تركيا مستعدة لأي سيناريو من أجل الحفاظ على حقوقها في شرق المتوسط. من أجل ذلك، تم الإعلان عن اكتمال انشطة الإستكشاف والتنقيب في جنوب قبرص وبدء السفينة “فاتح” بالحفر في المناطق المتنازع عليها مع الإدارة القبرصية جنوباً. هذه الخطوة قد تزيد من التوتر في منطقة شرق المتوسط في الأيام المقبلة.

في العام 2019، تم الإعلان عن “منتدى غاز شرق المتوسط”، الذي يضم كل من مصر وإسرائيل واليونان والإدارة القبرصية – اليونانية متجاهلين فيه ليبيا. هذا المشروع إذا تم السير فيه، فإنه سيحبط جهود الدول في فريق الإدارة البيئية. وفي حال عدم تشكيل كتلة موازية لها المنتدى، فإن الدول الأخرى في المنطقة ستتأثر في مسألة تحديد كميات الغاز المنتجة وتحديد أسعاره السوقية مما سيؤثر على التوازنات الاقتصادية والسياسية في المنطقة.

إنفتاح على الآخر

في هذه المرحلة، يجب على سوريا، التي لا تزال بعيدة عن التطورات في شرق البحر المتوسط بسبب الحرب التي تعيشها، الإلتفات إلى هذه المنطقة. في لحظة ما، من المهم الجلوس على طاولة النقاش مع قبرص الشمالية.

إن رفاهية البلدان ومصالح شعوبها يجب أن تبقى دائماً هي الأساس وليس الصراعات السياسية. فكما أسلفنا من قبل، لا توجد دولة في المنطقة لا تعاني من المشاكل، والبلدان التي تغلبت على مشاكلها هي التي ستشكل السياسة المستقبلة.

من هنا، ستجد سوريا أهمية توصيل الغاز عبر تركيا، بسبب قرب الموقع الجغرافي، فرصة إقتصادية وسياسية مهمة. وبالتالي، هذا الأمر سيشكل إلتئاماً للجراح بشكل أسرع، مما يساعدها للعودة بقوة إلى الساحة السياسية من أجل الوقوف بوجه القوى الإمبريالية والصهيونية التي ستجد التراجع السوري فرصة لها للسيطرة على منطقتي الشرق الأوسط وشرق المتوسط.

مصدر الصور: الأستاذ دنيز البستاني.