حوار: سمر رضوان
تعتبر مسألة خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي أو البريكست، إحدى أهم العقبات التي تواجه رئيس الحكومة الجديد، بوريس جونسون، خصوصاً والشارع البريطاني عموماً، في ظل الحديث عن خيارات عديدة أبرزها إمكانية إجراء انتخابات تشريعية عامة عاجلة على خلفية “الحرب السياسية” القائمة بين الأحزاب السياسية ما بين مؤيد للخروج من الإتحاد بدون إتفاق وبين معارض للفكرة.
حول أزمة “البريكست” ومستقبل جونسون السياسي لا سيما في حال عدم حصول إتفاق مع بروكسل للخروج، سأل مركز “سيتا” الأستاذ أحمد أصفهاني، الكاتب والمحلل السياسي من لندن، عن تفاصيل ما يحصل هناك.
رفض برلماني
إن موضوع استقالة جونسون مطروح لكنه ليس على رأس الأولويات، كما أن الرضوخ لإتفاق البريكست هو مطروح أيضاً. أما التوجه نحو انتخابات مبكرة، فعلى الأرجح لن يستطيع جونسون إتخاذ هذه الخطوة لأن البرلمان يرفض، حتى الآن، السماح له بحله على الرغم من تقديمه طلباً بذلك، إلا أن المعلومات المتوافرة تشير إلى رفض النواب له.
أما بالنسبة إلى رفض المحكمة لطلب لرفع عمل البرلمان، في الحقيقة أنها لم ترفض ذلك ولكنها ردت طلب خارجي من سيدة أعمال، بإعتبار قرار تجميد البرلمان قرار غير دستوري. الآن، هناك محاولة، بشكل أم بآخر، للعودة إلى المحكمة العليا.
البحث عن مخرج
إن مشكلة بوريس جونسون تكمن في أنه وضع نفسه ضمن مجموعة من الخطوط الحمراء ولم يعد قادراً من الخروج عنها، والسبب في ذلك أنه لا يملك الأغلبية في البرلمان، إضافة إلى أن هناك نوع من التمرد داخل حزب المحافظين نفسه. من هنا، سيكون هناك “ألاعيب” دستورية، خلال الفترة القادمة، لكنه سيستفيد من المهلة التي أعطاها القانون الذي أقر منذ فترة، وسيطبق ويصبح قانوناً فاعلاً اليوم الإثنين.
هذا القانون يعطيه مهلة حتى يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول، 2019، كي يحصل على تمديد من الإتحاد. وبالتالي، من الأرجح أنه سيلعب بهذه المسألة خلال الفترة المقبلة في محاولة لإيجاد مخرج سياسي ودستوري. أما في حال وصلت الأمور إلى حد الصدام، فإنه سيرفض القانون، وفي حال رفضه ستبت المحكمة بالأمر. في هذه الحالة، سيكون أمام خيارين؛ الخيار الأول، فرض الموافقة عليه. والأمر الثاني، دخول السجن.
إن هذه الإعتبارات مهمة جداً، والصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية سيتضح خلال الأسبوع المقبل.
ذكاء المعارضة
إن مسألة حدوث انتخابات مبكرة غير مرجحة، لأن القوى المعارضة باتت تملك الأكثرية في البرلمان، بحدود الـ 15 من أكتوبر/تشرين الأول (2019). فالمعارضة تريد انتخابات بعد 31 أكتوبر/تشرين الأول (2019)، أي بعد الذهاب إلى بروكسل وتمديد المهلة القانونية للخروج من الإتحاد ما بين 31 أكتوبر/تشرين الأول إلى 31 يناير/كانون الثاني. لذلك، من المرجح أن الإنتخابات لن تكون مبكرة.
تلعب المعارضة لعبة ذكية، فهي تجبره على الذهاب إلى الإتحاد الأوروبي وتضغط عليه من أجل طلب تمديد المهلة مرة أخرى. وبما أنه قد بنى شهرته السياسية على رفض توقيع هذا الاتفاق، فإن رضوخه لمطالب المعارضة سيؤثر على شعبيته السياسية. لذلك، ليس من الضروري جداً أن تجرى الإنتخابات، إذا حدثت بعد شهر أكتوبر/تشرين الأول (2019).
إلا أن خروج بريطانيا من الأزمة السياسية سيكون عبر الإنتخابات، وإن حدثت من الأرجح أن يخسر فيها جونسون خصوصاً حال تقديمه تنازلات للإتحاد الأوروبي لأن المؤيدين المتشددين له سيذهبون إلى حزب “البريكست” ولن يبقوا في صفوف حزب المحافظين.
رهان مضمون
الآن، يلعب جيرمي كوربين، رئيس حزب العمال، لعبة ذكية في الحقيقة رغم الحملات التي شنت عليه من قِبل وسائل الإعلام والمؤسسات البريطانية الأخرى بما يتعلق بمعادة السامية وما شابه ذلك. فهو يراهن على فشل جونسون في علاقته مع الإتحاد، وفي تنفيذ وعوده بالخروج منه، في 31 أكتوبر/تشرين الأول (2019). وبالتالي، هو يدفع بإتجاه انتخابات مبكرة لكن بعد 31 أكتوبر/تشرين الأول (2019)، أي بعد أن يكون قد دفع جونسون الثمن الباهظ لوعوده التي لم يستطع أن يحقق منها شيئاً.
من هنا، يمكن القول بأن المعركة الانتخابية المقبلة ستكون عاصفة جداً، وذلك يعتمد على طبيعة ما سيحدث لبوريس جونسون الذي قد يخسر قطاعاً كبيراً من حزب المحافظين، الذين سيذهبون إلى حزب البريكست. فإذا إنقسم الصوت اليميني لحزب المحافظين، لا شك بأن حزبي العمال والليبرالي الديمقراطي سيحققان إنجازات جيدة.
لكن الإنطباع العام، وبغض النظر عن أي شيء آخر، يكمن في وجود إحتمال كبير بتعليق عمل البرلمان، الذي لا يملك أغلبية فيه. وبالتالي، سيكون هناك مجالات واسعة لإئتلافات حكومية جديدة.
تداعيات خطيرة
لم تعد بريطانيا قادرة على الخروج من الإتحاد بدون إتفاق، فهذا الأمر أصبح قانوناً نافذ المفعول. لكن إذا ما حدث ذلك فعلاً، فستكون هناك تداعيات إقتصادية خطيرة جداً خصوصاً مع عدم وجود بديل مساعد لتحسين الوضع الإقتصادي بدون علاقات مع دول الإتحاد الأوروبي.
في هذا الوقت، يبدو أن جونسون يريد التراجع عن تعهد كانت قد قطعته سلفه تيريزا ماي، رئيسة الوزراء السابقة، فيما يخص العلاقات الأمنية والدفاعية مع الإتحاد، فهو يريد أن يستخدم هذه الورقة للحصول على تنازلات في مجالات أخرى.
تهديد وجودي
ستكون الأزمة الأيرلندية ضمن سلم الأولويات لأنها مرتبطة بالإضطرابات التي حدثت في تلك المنطقة، ومرتبطة أيضاً بإتفاقية الجمعة العظيمة التي أنهت المعارك والإضطرابات في ايرلندا الشمالية. في المقابل، ستكون هناك دعوات جديدة لمحاولة توحيد جمهورية إيرلندا مع إيرلندا الشمالية خصوصاً وأن إيرلندا صوتت للبقاء ضمن الإتحاد.
بالنسبة إلى اسكتلندا، فهي من النقاط المهمة ايضاً لأنها صوتت بغالبية كبيرة للبقاء داخل الإتحاد الأوروبي، وبالتالي هناك تهديدات جدية بإعادة استفتاء الإستقلال فيها بحال الخروج من الإتحاد بدون إتفاق، يأتي ذلك في وقت تشير فيه المعلومات بأن حزب المحافظين في أسوأ أوضاعه فيها. وبحسب إستطلاعات للرأي، فإنه قد يخسر كل المقاعد التي عاد وكسبها خلال الإنتخابات التشريعية الماضية لا بل سيخسرها جميعها بحيث لا يعود له تمثيل في اسكتلندا.
أما المشكلة مع إسبانيا، فهي مستمرة ولا يوجد لها حل، ومن المتوقع أن إسبانيا ستتشدد في العلاقات الحدودية بين الجانبين، وربما تطالب أيضاً بالإشراف على بعض الشؤون الحدودية والإقتصادية في منطقة جبل طارق التي تتواجد فيها بريطانيا حالياً.
مصدر الصور: موقع إضاءات – تلفزيون سوريا.