إعداد: مركز سيتا
تساهم قطاعات كثيرة في تطور وتنامي إقتصاد تايلاند، كقطاعي الصناعة والسياحة على وجه التحديد، إلى جانب غِناها بالموارد الطبيعية القابلة للتمويل في البلاد، كالخشب والمطاط والغاز الطبيعي وغير ذلك. ويعتبر موقعها الجغرافي عاملاً مهما في تنامي إقتصادها، إذ تقع في الجهة الجنوبية الشرقية لقارة آسيا في شبه الجزيرة الهندية – الصينية.
تشتهر تايلاند بالعديد من الصناعات على مستوى العالم، كالأقمشة والملابس، ومنتجات البلاستيك، والمأكولات البحرية، والمجوهرات، والمحولات الكهربائية، والحرير، وصناعة السيارات، والأوراق، والإسمنت، والأخشاب، والمعادن، ومستحضرات التجميل، كما وتشتهر بصناعة السيارات والإلكترونيات، وهي معروفة أيضاً بكثرة المزارع وتطور النشاط الزراعي، ومن أهم محاصيلها، الأرز والقطن، والتبغ، والسكر، والشاي، إضافة إلى أنها من أكثر الدول الآسيوية رفاهية بسبب إرتفاع المستوى الإقتصادي فيها.
صناعات حديثة
يعتبر القطاع الصناعي من أكبر المساهمين في مجموع الناتج المحلي الإجمالي، إذ يوفر نحو 14% من الوظائف الرسمية في البلاد. فمنذ العام 1970، شهد هذا القطاع تطوراً كبيراً، كما كانت صناعة الملابس من أولى الصناعات المزدهرة فيه، وفي فترة الثمانينات أصبحت المنتجات الإلكترونية من أقوى الصناعات أيضاَ.
وفي أواخر التسعينيات، إزدهرت تايلاند بصناعة السيارات بشكل ملحوظ لتكون أكبر الدول المصنعة لها في جنوب شرق آسيا، إذ تنتج منها قرابة المليوني سيارة سنوياً، كما وتحمل غالبية السيارات والشاحنات المصنعة علامات تجارية عالمية، مثل “فورد” و”مرسيدس” و”فولكس فاغن” و”بي.إم.دبليو”، عدا عن أنها تقوم بإنتاج قطع غيار السيارات وتصدرها بنحو 2.7% من إجمالي صادراتها، وتصدر نحو 3.7% من السيارات.
وفي الفترة الأخيرة، إنتشرت صناعة أجهزة الإتصالات السلكية واللاسلكية حيت ركزت التنمية الصناعية في العاصمة بانكوك وما حولها. وتصدر من هذه الصناعة ما نسبته 15% ويعتبر الأعلى فيها، إذ تعد أجهزة الكمبيوتر والدوائر المتكاملة من أكثر السلع التي يتم تصديرها على نحو واسع.
منطقة جاذبة
تشكل مساهمة السياحة في الناتج نحو 20%، وتستقبل البلاد نحو 40 مليون زائر سنوياً، إذ تعتبر تايلاند من أجمل الوجهات السياحية في دول شرق آسيا، لتميزها بالشواطئ الصافية والغابات الكثيفة، فضلاً عن وجود جزر مرجانية ومنتجعات وفنادق خلابة.
في العام 2018، صنفت تايلاند على أنها أكثر الدول الجاذبة للسياحة، إذ تمتلئ جزرها بالمعالم السياحية الطبيعية والأثرية، بالإضافة إلى ملامح الحياة اليومية والثقافة المحلية لهذه البقعة المميزة من العالم، إذ أن عدد سكانها يقترب من سبعين مليون نسمة، وتتعدد دياناتهم ولهجاتهم وجذورهم الثقافية والعرقية، كما إن تنوع الأماكن السياحية فيها لعب دوراً كبيراً في تنامي الإقتصاد التايلاندي.
بوابة إستراتيجية
تصنف تايلاند في المرتبة السابعة عشر، على مستوى العالم، والثانية، على مستوى جنوب شرق آسيا، وفق مؤشر سهولة أداء الأعمال الخاص بالبنك الدولي، إذ تضم تلك المنطقة أكثر من نصف مليار مستهلك ويزيد إجمالي الناتج المحلي لها عن 2 تريليون دولار أمريكي، لذلك فهي تشكل سوقاً ضخمة جداً.
من هنا، دعت تايلاند إلى المزيد من التواصل من خلال بناء وتحديث وسائل النقل البري والبحري والجوي، وبالإضافة إلى شبكات الإتصالات التي ستسهل إجراء أنشطة إقتصادية أكبر، وتساعد في توزيع الثروة والفوائد الأخرى للتنمية بشكل أكثر توازناً عبر المنطقة. كما ساهمت معدلات نمو السوق المتميزة، التي تحققها آسيا حالياً، في الربط ما بين الإقتصادات الإقليمية الكبرى، مثل الصين والهند واليابان وجمهورية كوريا الجنوبية.
إلى جانب ذلك، فتحت اتفاقيات التجارة الحرة الباب أمام تايلاند للوصول إلى سوق يضم 2.8 مليار مستهلك. حالياً، تعمل بانكوك على تحسين فعالية التجارة الدولية والتجارة مع دول الجوار عن طريق إدخال أنظمة إلكترونية، خاصة بالنسبة لمراكز خدمة المحطة الواحدة، وخدمة الإتجاه الواحد، ونقاط التفتيش الفردية المشتركة والتجارة الإلكترونية واللوجستيات الإلكترونية من اجل زيادة فوائد اتفاقيات التجارة المبرمة مع الأنظمة الإقتصادية الأخرى.
شراكات إقتصادية
في يناير/كانون الثاني من لعام 2019 وتحت شعار “النهوض بالشراكة من أجل الإستدامة”، إنعقدت في تايلاند قمة مجموعة دول من جنوب شرق آسيا – آسيان في محاولة للإستفادة من الفرص الناشئة عن التحول الرقمي، والبحث عن حلول لعدم اليقين الإقتصادي الذي يواجه الكتلة.
في هذا المجال، قال رئيس الوزراء التايلاندي، برايون تشان-أو-تشا، إنه “ولإنشاء منطقة مزدهرة ومستدامة يجب أن نستمر في العمل لإنهاء المفاوضات حول اتفاقية الشراكة الإقتصادية الشاملة خلال هذا العام (2019) لتحفيز النمو الإقتصادي وكذلك التجارة والإستثمار”، داعياً إلى “مواصلة تقديم الدعم للنظام التجاري المتعدد الأطراف في إطار منظمة التجارة العالمية”، بالإضافة إلى أُطر التعاون الإقتصادي الإقليمية وشبه الإقليمية، مثل إستراتيجية أيايوداي- تشاو فارايا – ميكونغ للتعاون الإقتصادي ومنطقة خليج قوانغدونغ – هونغ كونغ – ماكاو الكبرى من أجل تعزيز المرونة الإقتصادية لآسيان والمنطقة.
هذا التعاون، أعطى لهذا البلد صدارة في التربع على عرش العالمية من خلال إختيار شركاء مثاليين للتطوير والتعاون الإقتصادي الذي سيكون مستقلاً ومستقراً في عموم القارة الآسيوية.
الإستفادة من التناقضات
تحاول بعض الدول محاربة الصين بتايلاند. فاليابان، على سبيل المثال، تسعى إلى فتح “جبهات” إقتصادية بوجه بكين من أجل التأثير عليها أو محاولة وقف صعود عملية نموها. لذلك، تقوم طوكيو بحملات تمويل لمشاريع إقتصادية مختلفة من أجل إيجاد منافس جدي، ولو بسيط. فمن المشاريع التي تمولها اليابان في بانكوك، هو إنشاء مناطق إقتصادية مشتركة، مع ميانمار، بقيمة تصل إلى حدود الـ 2 مليار دولار.
وبالإضافة إلى اليابان، تقوم العديد من الشركات العالمية، لا سيما التي تعمل بإنتاج الملابس، بإقامة مصانع في تايلاند من أجل القدرة على المنافسة. فالأخيرة تمتلك الكثير من المواد الأولية في هذا القطاع، ناهيك عن العمال المهرة فيه، إضافة إلى رخص كلفة اليد العاملة فيها.
في المقابل، تسعى الصين إلى ضخ الكثير من الأموال للإستثمار في بانكوك، لا سيما في القطاع العقاري. ففي تقرير صادر عن شركة CBRE العام 2019، أكد التوقعات بنمو سوق العقارات التايلندية حيث أنه من المتوقع رؤية المزيد من الإستحواذ على الأراضي، في بداية العام 2020، حال دخول خطة مدينة بانكوك الجديدة وضريبة الأراضي الجديدة حيز التنفيذ. ففي تايلاند، يختلف التعامل مع الأجانب عن المشترين المحليين عندما يتعلق الأمر بالضرائب على عمليات شراء العقارات والمبيعات، فقد كان المشترون الأجانب يقومون بدفع ضرائب جمركية أكثر من المشترين المحليين. أما في الفترة الأخيرة، فقد اختلف الوضع كثيراً، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدل شراء العقارات من قبل الأجانب، وخاصة الصينيين.
أما بالنسبة إلى بانكوك نفسها، فلقد تأثرت نسبة النمو فيها بشكل ملحوظ إذ خفضت وزارة المالية توقعاتها للنمو الإقتصادي والتصدير في الوقت الذي تسببت فيه الحرب التجارية الأمريكية وقوة العملة فى خسائر فادحة. ومن المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3%، في العام 2019، أي أقل من التوقعات السابقة البالغة 3.8%، بحسب ما أظهرت التوقعات الصادرة عن الوزارة.
في المقابل، ذكرت وكالة أنباء “بلومبرج”، أن أحدث التوقعات تشير إلى أن تايلاند تسير على الطريق الصحيح لتسجيل أضعف وتيرة توسع سنوي، منذ العام 2014، خصوصاً وأنها باتت قبلة للمتنافسين الذين يحاولون جرها إلى “معسكرهم” لما لها من تأثير كبير، لا سيما موقعها الجغرافي المميز على بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي، إضافة إلى إشرافها على المدخل الغربي لمضيق ملقا الإستراتيجي والذي يعد “شريان” الطاقة الصيني، بالتحديد.
أخيراً، إذا كانت دول جنوب شرق آسيا كياناً واحداَ فستصبح سادس أكبر إقتصاد عالمي، كقوة موحدة، ولعل تايلاند أنموذجاً رائداً في العمل المستمر نحو تطوير مختلف القطاعات، والإنفتاح على تعزيز الصلات مع كل الدول للنهوض بواقع وإقتصاد قوي، فالتجربة التايلاندية رائدة ويُحتذى بها في حجز موقع متقدم لها بين أهم إقتصادات الدول العالمية.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: الخليج – photos.com – موقع القدس.
موضوع ذو صلة: قمة “آسيان”: مخاوف حقيقية من حرب تجارية