رشدي مسعور*

في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن إطلاقه لعملية “نبع السلام” العسكرية في شمال سوريا بهدف محاربة حزب العمال الكردستاني – PKK ووحدات حماية الشعب الكردية – YPG ومختلف التنظيمات الإرهابية، وإنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كلم على طول الحدود التركية – السورية هدفها إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

هذه الخطوة أدت إلى وقف التعاون العسكري بين كل من تركيا والولايات المتحدة؛ أما روسيا، فقد أعربت عن قلقها من إحتمال عدم قدرة أنقرة على السيطرة في الشمال السوري، وقد نتج عن هذه العملية توقيع إتفاقين، بين كل من موسكو وواشنطن، يضمنان لها إبعاد الوحدات الكردية عن المنطقة الحدودية وإقامة منطقة آمنة، بالرغم من التحديات العملية التي قد تواجهها مستقبلاً عند التطبيق.

الموقف الأوروبي من العملية العسكرية

كانت دول الإتحاد الأوروبي من أكثر الدول إعتراضاً على العملية العسكرية التركية، حيث أوضح قادتها، في بيان لهم، أن “الإتحاد يدين العمليات العسكرية الأحادية الجانب التي شنتها تركيا في شمال شرق سوريا والتي تهدد بشكل خطير الأمن الأوروبي.”

فبعد عدم نجاح محاولات الدول الأوروبية لإصدار قرار يدين تركيا في مجلس الأمن، قررت كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا والنرويج والتشيك وهولندا، ودول أخرى، وقف عمليات تصدير السلاح إلى أنقرة بسبب عملياتها العسكرية المتواصلة على الأراضي السورية، حيث عبر وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، عن إدانته الشديدة للعملية قائلاً إنها “ستؤدي إلى مزيد من الإضطراب في المنطقة وستعزز (تنظيم) داعش.”

إلى ذلك، رأى وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، أن العملية بمثابة عدوان يعرِّض أمن ايطاليا، خصوصاً، والإتحاد الأوروبي، عموماً، بأكمله للخطر، مشيراً إلى أن العمل العسكري التركي هو “عدوان غير مبرر” يهدف إلى إحداث تغيير عرقي غير مقبول في المناطق التي يتواجد فيها الكرد، أي الشمال السوري.

عقِب ذلك تصريح لمتحدث رسمي بريطاني قال فيه إن رئيس وزراء بريطانيا، حث تركيا على إنهاء الهجوم والدخول في حوار، وأن بريطانيا على أهبة الإستعداد لدعم مفاوضات تفضي إلى وقف لإطلاق النار.

بدورها، قامت فرنسا بإستدعاء سفير تركيا لدى باريس في أحدث خطوة تعبر عن التنديد والرفض العالميين الواسعين لعملية تركيا العسكرية في سوريا، إذ صرحت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورانس بارلي، أن الإعتداء التركي، في شمال شرق سوريا، خطير وينبغي وقفه، فهو خطير على أمن أوروبا، وخطير على أمن الكرد، وخطير لأنه يفيد التنظيمات الإرهابية التي يراد القضاء عليها منذ سنوات.

وقد تسببت المواقف الأوروبية في توتير علاقتها مع تركيا التي رأت أن الموقف الأوروبي كان معاديا ومتشددا، كما قوبل التهديد بالاستخفاف والتأكيد على الاستمرار في العمليات العسكرية حتى تتحقق الأهداف التي تسعى إليها تركيا.

تحديات تواجه بروكسل

أمام الإتحاد الأوروبي مروحة من التحديات، يكمن أبرزها في:

1.عودة مقاتلي تنظيم “داعش” الإرهابي إلى أوروبا: تخشى أوروبا من عودة شبح “داعش” إليها سواء من خلال إعادة السيطرة على الأراضي السورية أو إمكانية عودة مقاتليه لدولها والقيام بعمليات إنتحارية في الداخل الأوروبي. وتفيد المعطيات الواردة بوجود ما بين 9 و12 ألف مسلح من التنظيم، حيث تشير التقديرات إلى أن من بين هذا العدد ما يقارب على الـ 240 أوروبياً.

من هنا، بدأت التخوفات، التي أثيرت بشأن عودة التنظيمات الإرهابية، تظهر في الأفق حيث استغل بالفعل بعض مقاتلي التنظيم هذه العمليات العسكرية التركية من أجل تنفيذ عمليات إرهابية أو تشكيل فرار من السجون التي تقع غالبيتها في مدارس ومبان محلية خلف ما يسمى بـ “المنطقة الآمنة”، التي تريد تركيا إقامتها على طول حوالي 400 كلم على الحدود التركية – السورية. هذا الأمر، يقلق الدول الأوروبية إذا ما سيطرت تركيا على تلك السجون، خاصة في ظل العلاقات التي ربطت أنقرة مع تلك التنظيمات المسلحة.

لهذا، يريد الأوروبيون من تركيا تعزيز ضبط حدودها مع سوريا، لمنع انتقال عناصر تنظيم “داعش”، وقطع تجارة النفط التي تعتبر مورداً مالياً أساسياً للتنظيم الإرهابي المتطرف.

2.موجة نزوح جديدة: يزداد القلق الأوروبي حيال تكرار موجة اللجوء، العام 2015، في وقت تهدد فيه أنقرة أوروبا، مراراً وتكراراً، بفتح بواباتها للاجئين إن لم تحصل على المساعدات الدولية اللازمة، في ظل تواجد حوالي 2 مليون مدني في منطقة العمليات.

وما زاد من المخاوف الأوروبية هو إستمرار العمليات العسكرية، حيث حذر وزير الخارجية الألماني من كارثة إنسانية قد تسهم في موجة نزوح جديدة، خصوصاً عقب إعلان الأمم المتحدة عن فرار حوالي 140 ألف شخص من مناطق المعارك شمالي شرق سوريا.

في هذه الأثناء، تتوجه أنظار الأوروبيين إلى إتفاقية اللاجئين، التي وقعوها العام 2016، مع تركيا لأنها تبقى الورقة التي يبتز بها الرئيس أردوغان مع دول “القارة العجوز” كلما أبدوا استياء من قرارات أنقرة، وهذا أكثر ما تخشاه الأخيرة في ضوء تفاقم مشاكلها الإقتصادية ومخاوفها من تغير النمط المجتمعي.

3.إنتقال النزاع التركي – الكردي إلى أوروبا: تشكل الجالية التركية، لا سيما في ألمانيا، أكبر تجمع للأتراك في القارة الأوروبية؛ وبهذا، فإن هناك مخاوف من تأثير المشاعر الوطنية لنحو يربو على الـ 3 ملايين تركي في البلاد على الإستقرار السياسي وإثارة النعرات الإجتماعية، خاصة في برلين. كما يعمد حزب العمال الكردستاني، المحظور أوروبياً، إلى تعبئة مناصريه من أجل الضغط على الساسة الأوروبيين لحماية الكرد.

نتيجة لذلك، يبدو من المتوقع قيام الجالية الكردية، الموجودة في أوروبا، بتنظيم إحتجاجات ومظاهرات ضخمة، وما يمكن أن ينتج عنها من أعمال عنف ضد المواطنين الأتراك أو المساجد والجمعيات التركية، خاصة في ألمانيا كما ذكرنا أعلاه.

في الختام، يبدو واضحاً مما سبق بأن العلاقة ما بين تركيا والإتحاد الأوروبي مرشحة لمزيد من التوتر بفعل إصرار أنقرة على تعقيد الأزمة السورية، بالتوجه نحو عسكرتها شرق الفرات، إضافة إلى المخاوف الأوروبية من تصاعد التنسيق بين كل من أنقرة وموسكو في ملفات الإقليم وهو ما يعني زيادة في الدور الروسي المناهض للتوجهات والمصالح الأوروبية.

*باحث جزائري

مصدر الصور: موقع رئاسة الجمهورية التركية – ميدل إيست أونلاين.

موضوع ذو صلة“نبع السلام”: عملية تركية بأجندات إقليمية ودولية