إعداد: مركز سيتا
بعد حرب مستمرة لقرابة الـ 9 سنوات وعلى الرغم من الحصار الإقتصادي الخانق وتدمير المنشآت والبنى التحتية، لم تتوقف سوريا عن توفير ما إستطاعت من إمكانيات لإعادة الحياة الطبيعية إليها مجدداً بعد موجة الإرهاب التي ضربتها. ومن أبرز الأحداث البارزة والمتقدمة، كشف أمين سر نقابة الصيادلة في سوريا، طلال العجلاني، إفتتاح أول معمل دوائي متخصص لإنتاج الأدوية السرطانية، والذي سيكون الأول من نوعه في الشرق الأوسط.
تعافي القطاع
إفتتح وزير الصحة السوري، نزار يازجي، أول معمل لإنتاج الأدوية السرطانية، في مدينة عدرا الصناعية. المعمل يتبع للشركة المركزية للصناعات الدوائية “مينفارما” حيث سيوفر الأدوية لآلاف المرضى، وسيساهم على الصعيد الإقتصادي في توفير القطع الأجنبي الذي يستخدم لإستيراد مثل هذه الأدوية النوعية. كما أشار الوزير يازجي إلى وجود صورة متفائلة عن القطاع الصحي الذي مزقته الحرب بقوله إنه “قوي معافى رغم أنه لا يزال غير مكتمل.. والأهم أن البلاد خالية من الأوبئة.”
بالإضافة إلى هذا المعمل، هناك عدد من المعامل الدوائية التي حصلت على التراخيص المطلوبة ودخلت حيز الإنتاج بالفعل ومنها تلك المنتجة للأدوية المضادة للإلتهاب والأدوية الهرمونية. إن القطاع الصحي، وخاصة الصناعة الدوائية، بدأت بالتعافي بعد أن الضرر الكبير الذي لحق بها بفعل الحرب، إذ أصبحت المعامل الدوائية تغطي 90% من إحتياجات السوق المحلية.
في هذا الشأن، تقول الدكتورة أميرة ستيفانو، عضو مجلس الشعب، تأثر القطاع الصحي في سوريا بشكل كبير بسبب عدة عوامل أبرزها الحرب الإرهابية، والاجراءات القسرية الآحادية الجانب التي أدت الى انسحاب وكلاء الشركات الدوائية الاجنبية، وخروج الكثير من معامل الأدوية في القطاعين العام والخاص عن الخدمة سواء بسبب التدمير الممنهج أو بسبب السرقة التي قام بها الرئيس التركي، رجبطيب أردوغان، ومرتزقته على غرار ما حدث لمعامل الصناعات الدوائية في حلب.”
وتضيف النائب ستيفانو “تأثرت الخدمات الصحية بسبب نقص بعض أصناف الأدوية وخروج الأجهزة الطبية عن العمل لتعذر تبديل قطع الغيار، حيث تم تدارك الوضع من قبل الدولة عبر تشجيع افتتاح معامل الصناعات الدوائية و استيراد الأدوية من الدول الصديقة. وكانت خطة وزارة الصحة تشجيع الصناعات الدوائية النوعية، لا سيما أدوية الأورام السرطانية، جاء على خلفية أن مثل تلك الأدوية هي خارجية المنشأ ومرتفعة التكلفة؛ بالتالي، تم افتتاح هذا المعمل من أجل تأمين حاجة السوق المحلية من الأدوية بتكلفة أقل.”
من هنا، تعتبر الدكتورة ستيفانو أن “إفتتاح مثل هذا المعمل يعتبر حدثاً هاماً جداً من حيث أنه الأول على مستوى سوريا والدول العربية، كما أن إفتتاحه يتزامن مع مرور أكثر من ثمان سنوات على حرب قاسية ارهابية والتي لم تمنع الخبرات المحلية من إنشاء هذا المعمل وبمواصفات تقنية عالية. بالتالي، سنضمن استدامة توافر هذه الادوية وبأسعار إقتصادية وضمن معايير الجودة اللازمة.”
تعدد المنتجات
إن معمل إنتاج الأدوية السرطانية سيقوم بإنتاج 42 صنفاُ من الأدوية بطاقة إنتاجية تلبي حاجة السوق المحلية منها على أن يقوم المعمل بتصدير فائض الإنتاج إلى الخارج، وسيتم ذلك عبر قرار يصدر من وزارة الصحة السورية يعتمد فيه قيمة المواد الأولية لهذه الأصناف مع احتساب هامش ربح بسيط، على أن تكون الأسعار منافسة للأسعار العالمية.
من جهته، أشار المدير التنفيذي لشركة “مينفارما”، عدنان جعفر، إلى أن هذا المعمل هو الأول لإنتاج الأدوية الكيماوية لمعالجة الأورام في المنطقة العربية، وينتج 6 آلاف فيال وأنبول في الساعة الواحدة من الخط السائل، و12 ألف مضغوطة في الساعة من خط المضغوطات، مذكراً بأن جميع الخبرات العاملة فيه هي أيادي عاملة وطنية.
صورة متفائلة
يحاول قطاع الأدوية السورية التخلص من ركام الحرب، التي دمرت الصناعة في السنوات الأخيرة وإيجاد سبل للتغلب على العقوبات الدولية، حيث بدأت الحياة تعود إلى المصانع بعد تقديم دعم حكومي لأصحاب الشركات لإعادة إحياء القطاع، بدأت الماكينات على خطوط الإنتاج في مصنع للأدوية بمدينة عدرا، وهو واحد من بين عشرات مصانع الأدوية في البلاد تتحرك دون توقف وهي تنتج العديد من كبسولات الأدوية.
في هذا الخصوص، يقول الدكتور زاهر اليوسفي، عضو مجلس الشعب السوري، أنه “في الحقيقة يعد إنشاء هذا الصرح الإقتصادي إنجازاً عظيما في هذا الوقت من عدة نواح؛ أولاً، هو بمثابة تأكيد على قوة الدولة اقتصادياً بالرغم من كل الظروف الصعبة التي نعيشها، وذلك بالتوازي مع الحرب على الإرهاب والسير في الحل السياسي وتحمل الحصار الغربي الجائر. ثانياً، إنه يوفر قسماً لا بأس به من القطع الأجنبي الذي تدفعه الدولة لتأمين هذا النوع من الأدوية. ثالثاً، يوفر العديد من فرص العمل للكثيرين من أبناء الشعب عبر العمل فيه أو تصنيع مستلزماته، كالعبوات والحبابات الضروية لتعبئته. إنه إنجازعظيم تزامن مع إنجاز أعظم هو مراسيم زيادة الرواتب التي أصدرها الرئيس بشار الأسد منذ أيام كدليل على صمود وتعافي سوريا.”
الآن، هناك زيادة ملحوظة في عدد المختبرات، التي تنتج الأدوية، بشكل أكبر مما كانت عليه الحال قبل الحرب. يأتي ذلك ربطاً مع الدعم الحكومي المقدم لأصحاب الشركات، حيث يوجد 89 معملاً للدواء؛ إلا أنه وبسبب العقوبات على واردات المستحضرات الصيدلانية التي تقيد استيراد السلع ذات الإستخدام المزدوج وتمنع معظم عمليات تحويل الأموال، أصبح الإنتاج المحلي ضرورياً لتوفير العلاج. فلقد عادت الكثير من شركات الأدوية إلى العمل، ودخلت بعض الشركات الجديدة هذا المجال، مع توقعات بتوسع القطاع في الفترة المقبلة. في هذا الصدد يقول سامر الدبس، رئيس غرفة صناعة دمشق، إن معظم المصانع عادت إلى العمل وهناك مصانع جيدة، مؤكداً أن “شهية” بعض المستثمرين مفتوحة لدخول القطاع، مضيفاً “نحن نشجع المستثمرين على هذا المنحى ولدينا أكثر من 100 طلب ترخيص لإقامة مصانع للأدوية”، مشيراً إلى أن كل من إيران والهند والصين وكوبا وروسيا وروسيا البيضاء أبرمت صفقات مع دمشق لبيع المواد الخام لإنتاج الدواء.
أخيراً، على الرغم من تقييد العقوبات الإقتصادية المفروضة على التعاملات المصرفية في سوريا من عمليات شراء المواد الأولية للمعامل الدوائية ما دفع الشركات الدوائية للبحث عن مصادر جديدة، يعد إنشاء هذا المعمل مرحلة أولى من مراحل رائدة سيكتب لها النجاح عندما تنفض الحرب غبارها بشكل كامل. فالقطاع الدوائي لا يخدم السوق المحلية السورية فقط، بل هو عامل مساعد لدول الجوار خاصة الدول التي لا يوجد فيها تطبيق لمبدأ الضمان الصحي، كالعراق ولبنان وإلى حد ما الأردن، إذ أن هذا المعمل، وغيره، سيشكل عاملاً إقتصادياً مهماً للإقتصاد السوري، كما أنه سيساعد على علاج السوريين وأشقائهم العرب، خاصة وأن دمشق، رغم ما يحيط بها من دمار، لا تزال تمتلم أرخض فاتورة علاجية إذا ما قورنت بشقيقاتها من الدول العربية.
مصدر الأخبار: سيتا+ وكالات.
مصدر الصور: روسيا اليوم – أرشيف سيتا.
موضوع ذو صلة: صناعة الأدوية في الكويت بين الإمكانات والمعوقات