السفير د. عبدالله الأشعل*
من الملاحظ إزدياد تعلق دول المغرب العربي بفلسطين والدفاع عنها، وهجومه على إسرائيل ومنع التطببع معها رغم أن الجاليات اليهودية، تاريخياً، كانت تشكل قسماً كبيراً من سكان هذه البلاد، وعندما هاجرت منها أصبحت من أبرز القيادات الصهيونية.
على الجانب الآخر، يتجه الخليج، بشدة وبلا مبرر، إلى معاداة الفلسطينيين ومساندة “صفقة القرن” للتخلص منهم لصالح إسرائيل، علماً بأنه لا يوجد يهودي واحد في معظم هذه الدول سوى عدد قليل منهم في البحرين وحتى بعض الآثار اليهودية، التي يزعم الصهاينة أنهم وجدوها في كل من البحرين والإمارات، كانت ليهود في العصر الحديث من الذين استخدمتهم بريطانيا عندما دخلت إلى المنطقة، في العام 1819، على الرغم من أن الخليج نفسه كان معين المشاعر القومية، ومناصراً للفلسطينيين وأشد القلاع المعادية لإسرائيل بتضامنه مع مصر وسوريا والأردن في صراعهم معها.
ولكنني لاحظت أن عدداً من الحكومات الخليجية سمحت لبعض مواطنيها بزيارة إسرائيل والظهور في الإعلام الإسرائيلي والعربي ومطالبتهم بالتطبيع معها؛ ولعلنا نتذكر جيداً زيارة أحد الأخوة السعوديين إلى القدس المحتلة ودخوله المسجد الأقصى متحدياً مشاعر الفلسطيينين، في حين أن السعوديين كان يجب عليهم أن يكونوا الأحرص على المسجد الأقصى على الأقل بحكم تقاليد الأسرة الحاكمة التي تمنى الملك فيصل بن عبد العزيز، وهو يبكي، أن يزور الأقصى قبل موته ويكون شهيداً للقدس، لكن واشنطن دبرت موته وقتله، في العام 1975، عندما تأكدت من صدق نواياه.
ما يهمنا في هذه المقالة هو أن نرفع درجة الوعي عند هؤلاء المطالبين بإحلال إسرائيل محل الفلسطينيين في فلسطين، ونرد على أباطيلهم التي ليس لها إلا مبرر واحد وهو الجهل بطبيعة المشروع الصهيوني؛ ففلسطين هي جزء من الجسد العربي والإسلامي، والقدس “أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين” وليس لليهود فيها أي حق. هنا، يمكن القول بأن الحركة الصهيونية تقف ضد مبادئ الديانة اليهودية، فهي حركة سياسية عنصرية ومؤامرة غربية تستخدم اليهود لإخضاع المنطقة، وزرع الكراهية بين أبنائها مع هؤلاء اليهود، فإسرائيل تشبه تماماً الولايات المتحدة وكندا في إغتصاب الأرض وإبادة السكان والتجرد من القيم الإنسانية. وقد ردد هؤلاء المرجفون الكثير من الأباطيل التى يسهل دحضها ونختار منها عشرة أهمها فيما يلي:
1.سكن اليهود فلسطين وقام الفلسطينيون بإجلائهم عنها وأن لهم حق العودة إلى أرضهم، وهذا جهل بالتاريخ.
2.أن المقاومة الفلسطينية ضد “إسرائيل المسالمة” هو نوع من الإرهاب، وهذا ما يناقض الواقع. فإسرائيل هي التي تغتصب الأرض وتبيد السكان، والمقاومة هي رد فعل على تلك الجرائم لكون الأصل أن فلسطين للفلسطينيين، الذين عاشوا عليها آلاف السنين، وكل دعاوى اليهود التاريخية والدينية المتعلقة بهذه الأرض ليس سوى أساطير وأكاذيب.
3.مقولة أن “إسرائيل متقدمة وفلسطين متخلفة”، وهذا صحيح؛ لكن السبب هو أن إسرائيل “مشروع غربي” يدعمه الغرب وتسكنه عناصر غربية حصلت على الخبرة والتقدم، بينما الفلسطينيون هم جزء من العالم العربي المتخلف، الذي تساهم إسرائيل في زيادة تخلفه.
4.هزمت إسرائيل كل الجيوش العربية وهذا ليس ميزة لها، فهذه الجيوش تنتمي إلى نظم مستبدة لا تحسن استخدام الجيوش والإنفاق عليها. لذلك، كان الأداء المصري والعربي، في العام 1973، في الأسبوع الأول استثنائياً لأن القيادات العسكرية أحسنت إعداد الخطة وأخلص المقاتلون اقتداء بقيادتهم المثالية.
5.أن إسرائيل متقدمة تكنولوجياً وعلمياً وتتمتع بالديمقراطية، بينما الدول العربية متخلفة تحت الحكم المستبد والقائلون بهذا يجب أن يوجهوا هذا النقد إلى أنفسهم وبلادهم. على سبيل المثال، لو أن الأموال الخليجية انفقت في أماكنها الصحيحة لوصلت بلادهم إلى القمة لكنها، وللأسف، ذهبت هباء؛ فالعيب فيهم وليس في الدول العربية الأخرى. إن إسرائيل ظاهرة نفسية يتغذى تقدمها على تخلف المحيط العربي.
6.القول بأن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة أمر غير صحيح، فهي تحرص على منع الديمقراطية في الدول العربية وتتحالف مع الحكام العرب لقمع شعوبهم. فلو أتيح لهذه الشعوب أن تعبِّر عن نفسها، لما كان لإسرائيل مكان في هذه المنطقة. أيضاً، إن الديمقراطية فيها لليهود وحدهم وتعادي الفلسطينيين فكلما كان السياسي الإسرائيلي “ديمقراطياً”، كلما كان أكثر قسوة على الفلسطينيين والدليل على ذلك أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الملطخة يده بدماء الفلسطينيين والمتسبب في معاناتهم هو الأقرب إلى منصب رئيس الوزراء مجدداً. هناك الكثير من الدراسات والكتب التي تحدثت عن شخصية الإسرائيلي المدمرة والسلبية التي لا تقبل التعايش مع غيرها.
7.إن عبارة “إسرائيل دولة محبة للسلام” لا تهدد الدول الخليجية، إذ لا وجه للعداء معها، هي مغالطة كبرى لأن إسرائيل ليست دولة وإنما “عصابة” في شكل دولة. فهي تريد تدمير المنطقة، والهيمنة عليها، واستذلال العرب، ومن يشك في ذلك عليه أن يراجع سجلها وتصريحات مسؤوليها ليكتشف أنها هي السبب لكل آلام المنطقة ومصائب العرب وتقسيم أوطانهم واستبداد حكامهم ودمار بلادهم وهجرة أبنائهم إذ لم يعد الفلسطيني وحده لاجئاً، وإنما أصبح كل العرب لاجئيين؛ اللاجئ الفلسطيني بسبب اغتصاب وطنه، واللاجئ العربى بسبب استحواذ الحاكم على بلاده ومقدراتها. هذا هو الخيط الذي يجمع بين الحكام وإسرائيل، فالأولى بالمواطن الخليجي أن يلوم حاكمه على تخلفه، وألا يترجم ذلك إلى نقمة من العرب ومن وطنه وكراهية للفلسطينيين.
8.أن إسرائيل لم تعتدِ على الخليجيين، فهل اعتدى الفلسطينييون عليهم؟ وهل يشعر الخليجيون أنهم جزء من أمة عربية واحدة وأن إسرائيل تريد طي صفحة العروبة والإسلام وإحلال الهوية الصهيونية محلها؟ وهل أنهم لا يشعرون بإنحرافهم عن التشخيص السليم وبيان أسباب تفوق إسرائيل بحيث كلما كثرت الأسباب إزدادت محنة العرب وارتفع تفوق إسرائيل؟
9.لقد إنتصرت إسرائيل في جميع المعارك التي شنها عليها العرب، ولذلك لا قبل لهم بها ما دامت واشنطن قد حصنتها وهي التي تتحكم بحكام والأوطان العربية، وأن هؤلاء الحكام حريصون على مقاعدهم التي تضمنها لهم واشنطن أكثر من حرصهم على أوطان هشه متخلفة هم سبب بلائها. إن هذه الحجة مضللة، والقائل بها جاهل أحمق لأنه لو تدبرها وتابع الفكر الصهيوني ونظريته لعلم أن الدكتاتورية العربية هي التي سهلت له التوغل في الجسد العربي؛ ثم أن نظرية نتنياهو التي تُرجع تقدم إسرائيل على الجثة العربية، تحدد ثلاثة نقاط لقوة إسرائيل. النقطة الأولى، هي “سحق” العظام والجيوش العربية بحيث تصبح قياداتها موالية للحكام فقط وليس الأوطان، وتصبح عامل سيطرة للمشروع الصهيوني على بلادها لأنها هي التي تدرك مغزى القوة الإسرائيلية وفتكها بهم. النقطة الثانية، أن إسرائيل تمد يدها بـ “السلام المسموم”، أي سلام المقابر، وأن العرب ترددوا في قبوله ثم تجرعوا السم بسبب ضعفهم وانعدام البديل. أما النقطة الثالثة والأخيرة، استمرار دعم واشنطن للمشروع بكل الطرق، وهيمنتها على المنطقة العربية لا سيما بعد سقوط الإتحاد السوفيتي.
10.أن فلسطين أرض موعودة لليهود في القرآن الكريم يعد تقوُّلاً على الله واعتداء على القرآن الكريم، لأن الله سبحانه لم يخصص أرضاً لأحد، فالقرآن الكريم يؤكد وضع الأرض للأنام، كل الأنام. كذلك، يخبرنا القرآن الكريم أنه إختار “بني إسرائيل” ليختبر إيمانهم، فأنزل عليهم رسولين كريمين برسالتين يصدق بعضهما بعضاً، وهما موسى وعيسى عليهما السلام، كما أنزل التوراة والإنجيل لكنهم كذبوا وكفروا فعاقبهم الله بتشتيتهم. من هنا، جاءت الحركة الصهيونية لتتحدى قدر الله فيهم، وتريد أن تجمعهم تحت ستار الدين، الذي هو منهم براء، في “أرض الميعاد” ضمن “إختراع” صهيوني لا علاقة له بالشرائع السماوية. وقد فصلنا الرد على خرافات الصهاينة في استخدامهم للقرآن الكريم بعد أن يئسوا من تحريفه وكتابته كما أخبرنا القرآن نفسه، فعمدوا إلى الإنحراف بتفسيره. ومن عجب أن هذه الفرية تنطلي على هؤلاء المرجفين الذين في قلوبهم مرض، والذين فتقوا رداء العروبة والإسلام فلفظتهم العروبة والإسلام.
*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.
مصدر الصور: سي.أن.أن عربية – مصر العربية.
موضوع ذا صلة: معضلة “الشرعية الدولية” لإسرائيل