لا يزال المشهد الليبي يتصدر قائمة النزاعات على المستويين الإقليمي والدولي، نظراً لتعقيداته وكثرة اللاعبين فيه، دون بوادر حل تلوح في الأفق على المدى المنظور، فيما تبقى الأطماع بثرواته هي الجامع بين الشركاء في هذا الملف.
حول آخر تطورات الملف الليبي، على الساحتين العربية والغربية، سأل مركز “سيتا“، الدكتور أحمد كروش، الخبير الأمني الجزائري والمراقب الدولي السابق في بعثة الأمم المتحدة للسلام، حول هذا الموضوع.
موقف ثابت
أعتقد أن موقف الجزائر من الأزمة الليبية هو موقف ثابت يستند إلى مبادئ سياستها الخارجية، فهي ترفض أي وجود أجنبي على أرض ليبيا، وترفض أي تسليح أو مد بالمرتزقة للأطراف المتحاربة. إن المقاربة الجزائرية تعتمد على إيجاد حل سلمي عن طريق حوار مشترك ليبي – ليبي بعيداً عن أي تدخل أجنبي وبمشاركة جميع الأطراف الداخلية دون استثناء.
تثبيت للأقدام
لا عجب من مسارعة تركيا لبدء الحديث عن إعمار ليبيا بعد أن شاركت في تدميرها، فهي وقعت معاهدات سابقة مع حكومة الوفاق، كتحديد المنطقة الإقتصادية الخالصة، وسيطرت على الوضعين الأمني والعسكري عن طريق معاهدة التعاون الأمني والعسكري مع نفس الحكومة، كما أبرمت عدة عقود تجارية واقتصادية، كعقود التنقيب عن الغاز والنفط سواء في الداخل أو على الساحل الليبي.
من هنا، يمكن القول بأن تركيا قد جاءت بنية استغلال الثروات الليبية ولتجعل منها منطقة نفوذ لها. فمع تثبيت أقدامها على أرض ليبيا، بدأت الأنباء تتحدث عن بناء قواعد عسكرية لها، بحرية في مصراته وجوية في الوطية (الذي استولت عليه من الجيش الليبي)، كما بدأت الزيارات لوفود سياسية واقتصادية للحصول على أكبر قدر من العقود فيما سمي بإعادة الإعمار، إذ أصبح وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، يتفاوض مع الدول الأجنبية على المسائل الأمنية والإقتصادية في ليبيا.
كل هذه التصرفات، تعقد الحلول السياسية في ليبيا وتعطل المسعى الجزائري لعقد حوار ليبي – ليبي في الجزائر، كما أنه ينذر بإمكانية تقسيم ليبيا إلى مناطق نفوذ للدول الداعمة للأطراف المتحاربة في ظل غياب تام لأي دور للشعب الليبي المفترض فيه أنه مصدر كل سلطة في البلاد.
العين على الهلال
بإعتقادي، إن عين تركيا أبعد من مدينة سرت، فهي تقع على منطقة الهلال النفطي، والإستحواذ على كل المنطقتين الشرقية والجنوبية الغنيتين بالنفط والمياه الجوفية. لكن، نجد أنها تعثرت ولم تستطع التقدم والسيطرة على المدينة عسكرياً، بعد نشوة الإنتصارات بسقوط مدن غرب البلاد سريعاً في أيديها. بالتالي، إن كل إنتصار تحرزه تركيا هو مقابل لأي نفوذ روسي أو صيني في ليبيا، ما يعني بأنه “مكسب” لحلف الناتو. على سبيل المثال، عندما تستولي تركيا على قاعدة الوطية الجوية، تصبح قاعدة للناتو والأمر نفسه بالنسبة للموانئ والمناطق الحيوية الأخرى.
إلى ذلك، يبدو صحيحاً وجود العديد من الهواجس لدى بعض الدول الأوروبية من النفوذ التركي في ليبيا بعد أن ذاقوا مرارة تصرفاتها واستعمالها لورقة اللاجئين والإرهاب في سوريا وتهديد أوروبا في كل مرة لا تنفذ لها رغبتها. والسؤال هنا: كيف سيكون الأمر إذا أصبحت تتحكم ببوابتين، واحدة في شرق أوروبا وأخرى في جنوبها؟
“تدخل” مصري
منذ بداية الأزمة، كان هناك تدخلات دولية داعمة للأطراف المتحاربة في ليبيا على كافة الصعد، كالمال والسلاح والذخيرة والإستشارة والمعلومات الإستخبارتية وحتى الدعم السياسي، ولكن “من تحت الطاولة”.
بالنسبة إلى تركيا، تخلت ليبيا عسكرياً وبشكل واضح، من خلال دعم حكومة السيد فايز السراج، مع عدم الالتزام بمخرجات “مؤتمر برلين”، حيث زادت من ضخ الأسلحة المتطورة، التي قلبت موازين القوى على أرض الميدان، ناهيك عن إستقدام المرتزقة من شمال سوريا، ما يعرف بـ “الجيش السوري الحر” بحدود الـ 1200 عنصر.
في المقابل، وكان من المنتظر تقديم الدعم للمشير خليفة حفتر، خاصة من جانب مصر من أجل الوقوف في وجه تركيا وإيقاف هجومها نحو الشرق. فمصر، وكل الدول العربية، ترى بأن النفوذ التركي في تلك المنطقة يعد تهديداً لأمنها القومي، وما تجربة العراق وسوريا مع تركيا إلا شاهد حي.
لذلك، أعتقد أن مصر جادة في موقفها لجهة وقف “الزحف التركي” غرباً، والدليل على ذلك إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي أن الجفرة وسرت “خط أحمر”؛ بالتالي، إن أنقرة ستلجم طموحاتها قرب سرت ما لم تلقى دعماً، أمريكياً أو أوروبياً، ما يعني إذاناً ببدأ حرب إقليمية، على الأرض الليبية، قد تتطور إلى حرب عالمية صغرى تأكل الأخضر واليابس وعلى ما تبقى من بنية تحتية، حيث سيدفع الشعب الليبي، خاصة، وشعوب دول المنطقة وجوارها، عامة، ثمنها غالياً.
مصدر الصورة: سبوتنيك.
موضوع ذا صلة: المشهد الليبي.. نحو الحل أم التأزم؟!