إعداد: مركز سيتا
الفطر السحري عبارة عن فطر، بري أو مزروع، يحتوي على واحد أو اثنين من المؤثرات العقلية المؤثرة على الهلوسة، تسمى سيلوسيبين وسيلوسين، حيث عرفت العديد من الثقافات خصائص الهلوسة ضمن بعض أصناف الفطر على مدى قرون. بالنسبة إلى مادتي السيلوسيبين والسيلوسين، فهما موجودتين في أي نوع من أنواع الفطر السحري إلا أن كمياتهما لا تزال غير معروفة.
تطويرالإبداع
هناك أدلة تشير إلى أن الفطر السحري قد استخدم في طقوس من قبل الأزتيك، المايا وغيرها من الثقافات القديمة في أمريكا الوسطى، وربما قبل آلاف السنين من قبل بعض قبائل الصحراء الأصلية في شمال أفريقيا. ووفقاً لتيرينس ماكينا، عالم النبات الأمريكي، قد يكون سيلوسيبين مسؤولاً بالفعل عن تطوير الإبداع منذ مئات الآلاف من السنين. أما في العصر الحديث، يحظر القانون حيازة واستخدام الفطر السحري في معظم أنحاء العالم. لكن، كيف وأين ينتشر؟
نبتة الفطر فيرة في الطبيعة، لكن يجب على من يجنبها أن تكون على دراية كبيرة بالسلالات المختلفة، لأن فيها مستويات متعددة من السمية؛ فبعضها يمكن أن يسبب التسمم الخفيف، في حين أن البعض الآخر قد يكون قاتلاً، خصوصاً أن الإختلافات في مظهرها دقيق جداً.
بالنسبة إلى الفطر المخدر، فهو منتشر بشكل شائع في جميع أنحاء أمريكا الشمالية، وخاصة على الساحل الغربي، وفي الشمال الشرقي من القارة وحول خليج المكسيك. أيضاً، ينبت في بعض دول أمريكا الجنوبية، مثل الإكوادور وكولومبيا والبرازيل وفنزويلا والأرجنتين، كما تعد هاواي مصدراً لبعض السلالات القديمة منه، بالإضافة إلى جنوب أفريقيا والساحل الشرقي لأستراليا وجنوب الهند والفلبين، وإلى حد كبير المنطقة الساحلية بأكملها في جنوب شرق آسيا، وفي أوروبا.
شعور بالأمل
تشير دراسة جديدة إلى أن تناول جرعة واحدة من مركب موجود في الفطر السحري يمكن أن يقلل من القلق والإكتئاب لدى مرضى السرطان، إذ وجد الباحثون أن المرضى الذين تناولوا هذا النوع من الفطر شعروا بالأمل أكثر وأصبحوا أقل إحباطاً وخوفاً من الموت؛ وعندما قارن الباحثون تناول المركب مع جلسات للعلاج النفسي، كان هناك تحسن كبير امتد لفترة تزيد عن الأربع سنوات.
وتضيف الدراسة، التي أجراها باحثون أمريكيون، أن “تأثير هذا المخدر الموجود في فطر عيش الغراب قد يستمر لنحو خمس سنوات في حالات الإكتئاب الناجمة عن الخوف من الموت، والتي تصيب مرضى السرطان”، مشيرة إلى أن “حصول المرضى على جرعة واحدة منه ارتبط بإنخفاض مستمر في مستوى القلق، والإكتئاب، واليأس، والإحباط، والخوف من الموت في كل نقطة من نقاط المتابعة التي أُجريت في المرة الأولى بعد ثلاث سنوات من حصول المريض على تلك الجرعة، وفي المرة الثانية بعد مرور أربع سنوات ونصف على تناول الدواء.”
علاج سحري
يقول الفريق، من كلية جروسمان للطب بجامعة نيويورك، إن النتائج تقدم دليلاً على أن الفطريات السحرية يمكن أن تكون علاجاً لمشكلات الصحة العقلية بين مرضى السرطان، بل وتساعد في دفع عملية تقنين الدواء.
ونقلت تقارير صحفية بريطانية عن روبين كارهارت هاريس، الباحث في مركز بحوث التخدير التابع لجامعة “إمبريال كوليدج” في لندن، ترجيحه استخدام ما أطلق عليه إسم “الفطر السحري” في علاج المرض النفسي، حيث يشرف هاريس على فريق علمي يدرس الطريقة التي يؤثر بها الفطر على مرضى الإكتئاب، ويقارن النتائج بأداء الأدوية التقليدية التي يصفها الأطباء لمقاومة المرض.
وبخلاف الأدوية، لا يسبب الفطر أي إدمان لدى مريض الإكتئاب، ولا توجد مؤشرات على ضرره في حال تناول الشخص جرعة زائدة منه، إذ يعتمد الباحثون على مادة “الأندوسيبين”، الموجودة في الفطر، وهي ذات فعالية مخدرة لكنها تخضع إلى قيود صارمة، في الولايات المتحدة، إذ يجري التعامل معها معاملة الهيروين؛ بموجب القانون الأميركي، يمنع على أي شخص أن يقوم بإستخلاص المادة المخدرة أو حيازتها بالنظر إلى كونها مصنفة ضمن المواد الخاضعة للرقابة.
أغراض طبية
يتحول عدد متزايد من الجنود البريطانيين الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة إلى “الفطر السحري” ومخدر الهلوسة، المعروف بإسم “إل.إس.دي”، لعلاج حالتهم. لكن قوانين المخدرات تجعل من شبه المستحيل تحديد فعالية الفطر السحري والـ “إل.إس.دي”.
لذلك، ستبدأ هيئة جديدة تعرف إسم “مجموعة عمل المخدرات الطبية”، المكونة من خبراء وأكاديميين وباحثين ومتخصصين في السياسة، للضغط من أجل تغيير قانون المخدرات حتى يتمكن العلماء من إجراء التجارب السريرية على “الفطر السحري” تحديداً، وذلك بحسب ما ذكرت صحيفة “الغارديان” البريطانية.
في هذا الشأن، قال البروفيسور ديفيد نوت، من هذه الهيئة العلمية المستقلة الجديدة التي تدعو إلى نهج قائم على الأدلة للتشريع، إن المحاربين القدامى استخدموا مادة السيلوسيبين لعلاج حالات الإكتئاب الحاد والقلق واضطراب ما بعد الصدمة، وتشير التقديرات إلى أن 17% من الأشخاص الذين أدوا الخدمة العسكرية النشطة أبلغوا عن أعراض مثل الكوابيس، والقلق، والإكتئاب، والحزن، والغضب. يأتي ذلك بعد تقدير لمنظمة الصحة العالمية يشير إلى أن نحو 350 مليون شخص حول العالم يعانون من الإكتئاب.
ملاذ المخدرات
أظهرت نتائج غير رسمية لتصويت في دنفر، بولاية كولورادو، أنها ستصبح أولى المدن الأميركية التي تجيز إستعمال مخدر “الفطر السحري” المسبب للهلوسة، حيث دعا التصويت إلى إنهاء فرض عقوبات جنائية على من هم 21 عاماً فأكثر بتهمة تعاطي أو حيازة مخدر السيلوسيبين. لكن الإحصاء النهائي على موقعها الرسمي أشار إلى أن 50.56% من الناخبين يوافقون على الأمر، فيما عبر 49.44% عن رفضهم.
وقالت جماعة “ديكريمينالايز دنفر”، التي قادت جهود إجراء هذا التصويت، إن مادة السيلوسيبين لها العديد من الفوائد الطبية، إذ اتضح أنها تحد من الإكتئاب والتوتر، وتساعد في العلاج من إدمان التبغ والكحول والمواد الأفيونية، وكذلك تخفف أعراض اضطراب ما بعد الصدمة. لكن بعض المعارضين يخشون من أن تعزز هذه المبادرة صورة دنفر بوصفها ملاذاً للمخدرات، حيث كانت كولورادو من أوائل الولايات الأميركية التي تجيز حيازة وبيع الماريغوانا للأغراض الترويجية.
أخيراً، إن إستخدام المخدرات لأغراض طبية من شأنه أن يخفف معاناة الكثير من المرضى، لكن دائماً ما يكون هناك تبعات أخرى لأي قانون يجيز هذا الأمر، ما يجعل نشاط الإتجار به مشروعاً، ضمن ضوابط معينة، للغايات الطبية. لكن الواقع يشير إلى عكس ذلك، إذ ما زال هذا الأمر يعد سيفاً ذو حدين، ومهما كانت هناك رقابة الدولة قوية فهي لن تستطيع ضبط الموضوع بسهولة، لا سيما فيما يخض الأنواع البرية كـ “الفطر السحري”.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: نيويورك تايمز – موقع صحتك.
موضوع ذا صلة: شركات الأدوية.. بين الإكتشافات والمليارات