سمر رضوان*

في الفترة الأخيرة، تزخر الساحة السورية بالكثير من التطورات على الصعيدين الميداني والسياسي، بالإضافة إلى تباينات واضحة بين المنخرطين في ملفها، لا سيما روسيا وتركيا، والتي ظهرت في الإجتماع الأخير بين مسؤولين عسكريين روس وأتراك، بالعاصمة أنقرة، بخصوص إدلب.

فمنذ أن دخلت روسيا إلى سوريا العام 2015، بدأت بالعمل والتعاون العسكري مع الدولة السورية في مكافحة الإرهاب؛ إلى جانب السياق العسكري، نشط العمل السياسي بالتوازي من خلال مبادرات وهُدن بعضها نجح وبعضها الآخر لم يحقق النتائج المرجوة منه. إلا أن القيادة الروسية، في جل تصريحاتها التي خرجت سواء عن مسؤولين سياسيين أو عسكريين، متفقة على إنهاء الإرهاب ما يعني بأن هذه الجزئية غير قابلة للنقاش وإن صاحبها الكثير من المماطلة على الجانب التركي.

خلافات وتباينات

وشى الاجتماع المشترك بين المسؤولين الروس والأتراك بحجم الهوة والخلاف حتى وإن لم يظهر ذلك إلى العيان، فكل النقاط التي وضعتها أنقرة تم رفضها من الجانب الروسي وبالعكس. لكن، ما هي هذه النقاط أو ما أهمها؟

طلبت روسيا من المسؤولين الأتراك الإنسحاب من نقاط المراقبة غير الشرعية والقريبة من مواقع الجيش السوري ومناطق سيطرته، إلا أن أنقرة رفضت الأمر، ما يعني أنها غير متمسكة بأي مسعى لحل سياسي بل تريد المماطلة للبقاء أكثر وقت ممكن على الأراضي السورية على الرغم من عدم تحقيقها أي شيء. كذلك، طلبت موسكو منها تخفيض عديد قواتها، وهو امقترح الذي تم رفضه أيضاً. في المقابل، طلبت تركيا من روسيا تسليمها منطقتي تل رفعت ومنبج، وهو ما قوبل برفض تام.

من خلال ما سبق، يمكن القول بأن نتيجة المحادثات المشتركة كان “صفر حلول”، لا سيما فيما يخص وضع نقاط أساسية لحل ملف إدلب.

الوجود الخفي

تحاول تركيا اليوم إيهام الرأي العام العالمي بأن لروسيا وجود عسكري بليبيا، في حين أن موسكو نفت هذا الأمر جملة وتفصيلاً. لكن، ما غاية تركيا من الترويج لهذا التدخل؟

يبدو بأن أنقرة تريد الزج بروسيا في ملف ليبيا لتأليب الغرب عليها في وقت تشهد طرابلس الغرب بداية محادثات وإتفاقات قد تنهي المعارك، أو على الأقل تخفف منها. فعندما يتحول الوضع إلى التشكيك بأن روسيا موجودة وداعمة لقوات شرق ليبيا، هذا يعني إفراغ الساحة لأنقرة للعمل على إيجاد بديل عن رئيس حكمة الوفلق، فائز السراج، الذي ينوي الإستقالة في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل (2020)، وسط منافسة شديدة بينه وبين وزير الداخلية، فتحي باشاغا، الذي يبدو بأنه شخصية قيادية.

وعلى الرغم من إنتماء باشاغا لتنظيم “الإخوان المسلمين”، إلا أنه من الشخصيات التي يصعب السيطرة عليها، وهذا لا يتوافق مع مصالح حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، ما يعني أن وضع تركيا أصبح غير مستقر في الداخل الليبي وتريد توجيه الأنظار نحو موسكو لمحاولة ترتيب وضعها في القارة السمراء.

على المقلب الآخر، لم تقم روسيا بتقديم تبريرات لهذه التصريحات على الرغم من إتهامها سابقاً بإرسال مقاتلات روسية إلى شرق البلاد، حيث أظهرت قيادة أفريكوم صوراً إلتقطت للطائرات عبر الأقمار الصناعية، إلى جانب أخبار أخرى تتحدث عن سقوط مقاتلة روسية في الصحراء الليبية وتصوير الطيار على أنه روسي، ليكتمل المشهد ويبين أن المصلحة من كل ذلك هو إنقاذ تركيا كي تتمكن من إكمال التحضيرات للمرحلة المقبلة.

رد ناري

يبدم من الجلي بأن موسكو قد سئمت “المراوغة” التركية في الملف السوري، لا بل كافة الملفات المشتركة. فعلى مدار ثلاثة أيام قبل وبعد لقاء أنقرة، لم تهدأ المقاتلات الروسية من تنفيذ الطلعات الجوية على محيط إدلب وقصف مقار ومواقع للتنظيمات الإرهابية المسلحة، بينما دك الجيش السوري مواقع للإرهابيين بالقصف المدفعي، وهي إشارة إنذار روسية لأنقرة بضرورة إتباع النهج السياسي. لكن هذه الإشارة قبولت برفض تركي رغم اليقين بأن أية مواجهة مقبلة ستكون مشابهة للمعركة الأخيرة، أواخر العام 2019 والتي حصدت أكثر من 200 قتيل تركي.

وفي وقت إستبدلت فيه أنقرة تسميات التنظيمات الإرهابية من أجل إشراكها ضمن الحلول المستقبلية، إلا أن ممارسات “مرتزقتها” في مناطق سيطرتها، لن تجعل من هذا الخيار ممكناً أبداً، وما الغارات الروسية الأخيرة إلا تمهيد لقرب أخذ القرار بتحرير الشمال السوري. وطالما أن أنقرة تغلق كافة منافذ الحل السياسي؛ وبالتالي، لا بديل عن هذه المعركة التي ستحسن الواقع الإقتصادي، حيث ستعطي فرصة لروسيا من أجل البدء عملياً بتنفيذ العقود التي تم توقيعها مع الجانب السوري، والتي لا يمكن الشروع فيها مع وجود خطر التخريب وهو ما تدركه روسيا وسوريا جيداً.

أخيراً، يبدو أن البساط بدأ يسحب من تحت أقدام سيطرة الرئيس رجب طيب أردوغان، فبعد “إتفاق المغرب” ومحادثات “مونتير” في سويسرا بخصوص ليبيا، يبدو أنه رضخ لها مكرهاً رغم أن من مصلحته تكمن في إثارة المعارك لزيادة بسط سيطرته على الأراضي الليبية، فلقد بدأ يدعو إلى الحوار شرق المتوسط على الرغم من نشره لأسطول عسكري على الحدود مع اليونان، إضافة إلى قرار واشنطن سحب قواتها وأسلحتها النووية من قاعدة “أنجرليك”، وهو ما يزيد الوضع سوءاَ.

إذاً، لم يعد بإستطاعة أنقرة مقارعة كل هذه الدول معاً، في ضوء تحميل الحكومة التركية الحالية مسؤولية عودة إنتشار فيروس “كورونا” مجدداً، وضياع فرصة الحل مع المسؤولين العسكريين الروس مؤخراً، إلى جانب تلويح أوروبي بفرض عقوبات عليها. كل تلك العوامل ترجمها تصريح الرئيس أردوغان مؤخراً متهماً دولاً كثيرة بالتآمر عليه والوقف في وجه نهضة بلاده، وهذا ما يعكس حجم الضغط الذي أوقع نفسه وبلاده فيه، ليبقى له خيارين لا ثالث لهما، إما أن يقبل بطلبات روسيا وينهي مسألة إدلب والشمال السوري سياسياً، أو يثبت على رفضه ويدخل في أتون معارك جديدة ستطيح به داخلياً. إنها لحظة ستكون شديدة الخطورة عليه، وربما كانت الفخ الذي يريده له الجميع.

*المدير التنفيذي في مركز سيتا

مصدر الصور: دار الحياة – المونيتور.

موضوع ذا صلة: “الغزل التركي”.. هل يعيد ثقة الشركاء؟!