سمر رضوان

جاءت نسبة المشاركة، التي كانت الرهان الوحيد في الإستفتاء على الدستور الجزائري، أقل بكثير من النسبة المسجلة في الإنتخابات الرئاسية، أي 39.93%، التي فاز بها الرئيس عبد المجيد تبون، في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، حيث إعتبرت ضعيفة جداً لكونها لم تتعدى الـ 23.7%. يأتي ذلك في وقت تنظر الرئاسة الجزائرية فيه للتعديل الدستوري على أنه “ثمرة” أولى لبرنامج الإصلاح السياسي الشامل الذي تعتمده، وأن التعديلات المنجزة تؤسس لـ “جزائر جديدة”.

عن الإستفتاء الدستوري في الجزائر، وأسباب ضعف التصويت من قبل الشعب، سأل مركز “سيتا” الأستاذ أحمد كروش، الخبير الأمني الجزائري والمراقب الأممي السابق في بعثة الأمم المتحدة للسلام، حول هذا الملف.

فقد الثقة

إن السبب الرئيسي لعزوف الشعب الجزائري في المشاركة بقوة في الإستفتاء على الدستور يرجع بإعتقادي إلى عدة أسباب، أهمها أن الشعب الجزائري فقد الثقة في السلطة نتيجة ممارسات النظام السابق في تزوير الإنتخابات، حيث كانت الإدارة هي من تقوم بالإشراف وتنظيم العملية الإنتخابية، وكذلك القوائم الإنتخابية التي تعدها الإدارة وتضخم أعداد الكتلة الناخبة أو تحذف أسماء من القائمة. كما كانت الإدارة أيضاً هي من تعين أعضاء إدارة المكاتب ومراكز الإقتراع، وفي الأغلب هم موظفون يخضعون لسلطتها. الأمر نفسه بالنسبة إلى عملية المراقبة فهناك أفراد من الأحزاب المشاركة في الإنتخابات يكون لها الحق في التواجد طيلة يوم الإنتخابي للمراقبة.

لكن أحزاب التحالف الرئاسي كانت المسيطرة على هذه العملية نظراً للإمكانيات الضخمة التي تمتلكها، لا سيما لجهة مراقبة العملية، في حيتن تفتقر الأحزاب الأخرى لها. أيضاً، إن عملية جمع الأصوات بعد فرزها تقوم بهذه العملية الإدارة، ووزارة الداخلية هي من تعلن النتائج الأولية، أي أن الإدارة هي الآمر الناهي في العملية ككل، تعطي الفوز لمن تريد وتسقط من تريد.

من هنا، يرى الناخب الجزائري أن صوته لا يؤخذ به حقيقة وإنما إرادة الإدارة هي من تتحكم في العملية الانتخابية، بالإضافة غلى إفساد العمل السياسي من طرف أحزاب التحالف الرئاسي في النظام السابق حيث كانت الأموال الفاسدة هي من تتحكم في إعتلاء رؤوس القوائم الإنتخابية، ودليل ذلك المحاكمات الجارية الآن لبعض المنتخبين لهذه الأحزاب حيث كشفت عن أرقام مالية خيالية. نتيجة لسلوكيات الإدارة وأحزاب التحالف الرئاسي سابقاً، كان الشعب يعزف عن الإنتخابات في كل مناسباتها ومستوياتها، والحقيقة أن الإدارة هي من كانت تضخم أرقام المشاركة.

غياب المحفزات

الآن وفي وجود سلطة وطنية مستقلة لمراقبة وتنظيم الإنتخابات وإبعاد الإدارة كلياً عن العملية الإنتخابية، إلا أن الشعب بقي فاقداً للثقة في العملية الانتخابية. يضاف إلى ذلك أن عملية الإستفتاء على الدستور ليس لها محفزات من أجل تجنيد الشعب للإنتخاب، على عكس الإنتخابات التشريعية أو الرئاسية وحتى المحلية.

فبالرغم من دعوة بعض الأحزاب وكثيراً من هيئات المجتمع المدني للإستفتاء على الدستور بـ “نعم”، كان هناك أحزاب تنادي وتجند الشعب للتصويت بـ “لا”، وكلاهما عجز عن تجنيد الشعب بالذهاب إلى الإستفتاء، وربما تسبب وجود صوتين متعاكسين، أي “نعم” و”لا”، بجعل الأغلبية الساحقة تلتزم الحياد والإنكفاء عن المشاركة، ففي الإستفتاءات السابقة كان المواطن يسمع كلمة واحدة وهي المشاركة والتصويت بكلمة “نعم”.

ميراث تراكمي

جاء الرئيس الحالي بإرادة شعبية وإنتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف ومراقبة وتنظيم السلطة الوطنية للإنتخابات، بعد حراك شعبي إستطاع إسقاط النظام السابق بطرق سلمية، حيث ورث تراكمات من الماضي، بما فيها المؤسسات الدستورية المنتخبة.

من هنا، لا يمكن تغيير سلوكياتها وممارساتها بين ليلة وضحاها، فموروثات الماضي تلك، البرلمان والمجالس المحلية، لا زالت تعمل حتى الساعة إذ لم يقم الرئيس تبون بحلها كي لا تفرغ الدولة من مؤسساتها، واعداً بإجراء إنتخابات مبكرة بعد الإنتهاء من عملية الإستفتاء على الدستور وسن قوانين جديدة، كقانون الإنتخابات وقانون الأحزاب.

معالجة ضرورية

بإعتقادي، إن معالجة الملف من طرف الرئيس يبقى في كيفية إعادة الثقة المفقودة بين السلطة والشعب خاصة في العملية الإنتخابية وتنظيف العمل السياسي من كل الشوائب، لا سيما “المال الفاسد”، وربما قاعدة الثقة التي بدأت تبنى شيئاً فشيئاً، كما أظن بأن وجود سلوكيات مستقلة للسلكة على مبدأ الحياد التام في العملية الإنتخابية كفيل بإستعادة الثقة لدى الناخب الجزائري وتشجيعه للذهاب إلى صناديق الاقتراع مستقبلاً لأنه سيكون متأكد أن صوته لن يزور، وأنه هو صاحب القرار في تعين من يمثله.

تغييرات مصلحية

للأسف في تاريخ الجزائر المستقلة عدد الدساتير بعدد الرؤساء الذين حكموا البلاد وربما تفوقها. ففي عهد النظام السابق، كانت هناك ثلاث تعديلات للدستور لم تمر على الإستفتاء حتى، بل كانت تمر على غرفتي البرلمان فقط. لقد كانت غاية كل دستور تسيير مرحلة معينة بذاتها. أما اليوم، فالجزائريون يتطلعون إلى دستور دائم يضمن الإستقرار السياسي وعملية تداول السلطة بالإرادة الشعبية.

فعلاً إن أي إصلاح يجب أن يبدأ بتعديل الدستور لأنه القانون الأسمى في الدولة، وعلى كل القوانين الإنضواء لأحكامه. لذا، إن تعديل الدستور هو الممر الإلزامي لأية عملية إصلاح، وتبقى الإرادة السياسية هي من يقوم بتحقيق ذلك، لكن العبرة تكمن في ترجمة مواد الدستور على أرض الواقع كي يكون في خدمة الشعب وليس آلة من أجل تسيير مرحلة الحاكم.

مصدر الصورة: العربي الجديد.

موضوع ذا صلة: هل من محاولات لتفجير الوضع الداخلي الجزائري؟!