إعداد: مركز سيتا
في خضم السباق نحو لقاح “كورونا” والمنافسة عليه عالمياً، تبقى المسألة الأهم بالنسبة للبشرية، التي فقدت مئات الآلاف في أقل من عام، هي وجود لقاحٍ آمنٍ وفعال. رسمياً، أعلنت روسيا تسجيل أول لقاحٍ في العالم مضاد للفيروس؛ وبحسب السلطات، فلقد تمت التجارب السريرية بنجاح، وإجتاز اللقاح جميع الإختبارات اللازمة، وأظهر فاعليته خلال فترة وجيزة، الحدث مهم للعالم أجمع.
منافسات شديدة
يتسارع السباق المحموم بين الدول الكبرى، من روسيا إلى الولايات المتحدة وغيرها، لتطوير اللقاح، الأمر الذي يشي أن العالم اليوم أمام “حرب لقاحات”، خاصة بعد التشكيك الأميركي بفعالية اللقاح الروسي، الذي أعلن عنه الرئيس فلاديمير بوتين، إذ بات التوصل إلى لقاح أمراً أساسياً أكثر من أي وقت مضى، في حين يزداد عدد الإصابات في العديد من الدول مما ينذر بموجة ثانية أقسى بعدما كانت تباطأت وتيرة إنتشار المرض.
لقد بدأت الدول والمؤسسات الكبيرة بجمع الأموال على المستوى الدولي، ما يسمح لها البدء بالتصنيع التجاري للقاح في الوقت نفسه الذي تعمل فيه على تطويره، وهما العادة مرحلتين منفصلتين. ما يثير الإستغراب هو أن المشاريع الأكثر تقدماً بالنتائج ستكون بحلول نهاية العام 2020، وللوفاء بهذه المواعيد “النهائية المستحيلة”، وفق الصحف الأجنبية، لا تنتظر المختبرات النتائج النهائية لمرحلة بعينها لبدء المرحلة التالية.
وبالتالي، فإن العديد منها في مرحلة الإنتاج الصناعي بالفعل حتى قبل معرفة فعاليتها الحقيقية. فهل هذا يعني أن الاستثمار السياسي والإقتصادي لهذا الوباء العالمي سيكون على حساب صحة البشر؟ وهل نحن أمام موجة أخرى من الموتى تحت شعار “السباق العالمي” لمحاربة الوباء؟
مراحل معتمدة
قالت منظمة الصحة العالمية، إن “هناك 26 لقاحاً مرشحاً في مرحلة التقييم السريري بما في ذلك اللقاح المسجل في روسيا والذي طوره معهد الجمالية للأبحاث العلمية للأوبئة وعلم الأحياء الدقيقة”، واللقاح الروسي الذي طوره معهد أبحاث “غاماليا” ووزارة الدفاع الروسية، هو واحد من بين 28 لقاحاً بلغت المرحلة الثالثة، لكن منظمة الصحة العالمية تدرجه في المرحلة الأولى.
وقالت المنظمة في بيان، إنها “على إتصال بالعلماء الروس والسلطات الروسية وتتطلع إلى مراجعة تفاصيل التجارب”، مضيفة أنها “ترحب بجميع التطورات في الأبحاث الجارية على اللقاحات المضادة لـ “كوفيد 19” وفي مجال تطوير اللقاحات”، وما زال معظم هذه التجارب في “المرحلة الأولى” التي تهدف بشكل أساسي إلى تقييم سلامة المنتج، أو “المرحلة الثانية” حين يتم بالفعل استكشاف مسألة الفعالية.
من هنا، يوجد خمسة لقاحات منها فقط في “المرحلة الثالثة” الأكثر تقدماً، أي عملية قياس الفعالية على آلاف المتطوعين، وهذا ينطبق على اللقاحات التجريبية، التي طورتها شركتا “بيونتك” الألمانية و”فايزر” الأميركية ومختبرات “مودرنا” الأميركية و”سينوفارم” و”سينوفاك” الصينية وجامعة أكسفورد بالتعاون مع “أسترازينيكا” البريطانية، وتجري اختبارات على لقاحات تجريبية أخرى على نطاق واسع في بلدان متعددة، حيث وقد بدأت إندونيسيا تجربة لقاح آخر على 1600 متطوع ضمن المرحلة الثالثة.
رهانات وإستثمارات
تراهن حكومة الولايات المتحدة على العديد من اللقاحات التجريبية سيما وأنها قد استثمرت مليارات الدولارات في برامج مختلفة للحصول على 300 مليون جرعة لقاح، حيث أعلن الرئيس، الأميركي دونالد ترامب، عن عقد بقيمة 1.5 مليار دولار مع شركة “مودرنا” الأميركية لشراء 100 مليون جرعة من لقاح اختباري تطوره، وهو سادس عقد من نوعه منذ مايو/أيار، وقال الرئيس ترامب “لقد توصلنا لإتفاق مع مودرنا لتصنيع وتقديم 100 مليون جرعة من لقاحهم المحتمل لفيروس كورونا”، مضيفاً “ستمتلك الحكومة الإتحادية تلك الجرعات من اللقاح، إننا نشتريها.” وتدخل الحكومة الأمريكية أيضاً في شراكة مع شركة “جونسون أند جونسون” وعدة شركات أميركية أخرى لدعم إنتاج لقاحاتها على نحو واسع النطاق.
في حين قال الرئيس الأرجنتيني، ألبرتو فرنانديز، إن كلاً من الأرجنتين والمكسيك ستشتركان معاً في إنتاج ملايين الجرعات من اللقاح الذي طورته جامعة أكسفورد البريطانية مع شركة الأدوية العملاقة “أسترازينيكا” لأميركا اللاتينية.
أما ألمانيا، فلقد أعلن معهد “باول أيرليش”، المسؤول عن إصدار تصاريح اللقاحات، عن تفاؤله بالوصول إلى لقاح نهاية العام 2020، ففي 9 أغسطس/آب 2020، قال كلاوس سياشوتيك، رئيس المعهد، أن التصاريح الأولى ستصدر في نهاية العام أو في بداية العام المقبل، 2021، شرط أن تنجح المرحلة الثالثة من إختبار البيانات التي تؤكد هل اللقاح يحمي بالفعل من الإصابة.
وتعمل الهند أيضاً على تطوير لقاح إسمه “كوفاكسين”، عبر شركة “بهرات بيوتيك إنديا” بالتعاون مع المعهد الوطني للفيروسات.
من هم الرابحون؟
رغم تزايد عدد الإصابات والوفيات بالفيروس التاجي لكنه أنعش الإقتصاد الرقمي، إذ أن قادة العالم والدبلوماسيين ومحللي الجغرافيا السياسية يدركون أنهم شهود على إنبلاج فجر عصر جديد على مكافحة الوباء ، من جهة، وما ستخلفه هذه الأزمة من إرث للعالم، من جهة أخرى.
لذلك، تعتبر شركات الإنترنت هي الرابح الأكبر على المدى الطويل جراء تفشي الوباء، إذ ان التغييرات السلوكية التي أحدثها زادت من الإستهلاك الدائم عبر الإنترنت بشكل دائم، في أمريكيا بالتحديد، حيث ظلت حركة التجارة الإلكترونية قوية بعد أن بدأت الولايات إعادة فتح الإقتصاد والحركة، إذ تتوقع وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية تضاعف مبيعات التجزئة الإلكترونية بحلول العام 2024.
وعلى منصة الرابحين الكبار ظهرت شركات التجارة الإلكترونية “أمازون”، التي وظفت 100 ألف شخص لتلبية الطلب المتزايد، وخدمات المؤتمرات الإفتراضية “زوم”، حيث إرتفعت أسهمها بنحو 60%، إضافة إلى شركات الترفيه المنزلي عبر الإنترنت، مثل “نتفلكس” وشركات إنتاج المستلزمات الصحية.
أخيراً، مع عدم تحقيق تقدم سريع في تطوير اللقاح والعلاج، ترجح إدارة الشؤون الإقتصادية والإجتماعية التابعة للأمم المتحدة أن يكون عالم ما بعد “كوفيد 19” مختلفاً إلى حد كبير عن العالم الذي عرفناه، وعلى الرغم من أنه من المتوقع في العام 2021 سيحدث انتعاش طفيف بنسبة 3.4%، معظمه سيكون من إستعادة الناتج المفقود، لكن إمكانية الإنتعاش البطيء تلوح في الأفق إذا طال أمد الركود الإقتصادي مع تزايد الفقر وعدم المساواة، فلقد أصيبت قطاعات كثيرة بالشلل التام كقطاعي السياحة والتجارة، في حين أن العجز الكبير وارتفاع مستويات الدين العام يشكلان تحديات كبيرة في البلدان.
وفي الوقت الذي يبقى غموض حول الدول السباقة في طرح لقاح آمن 100%، تدور التوقعات في فلك كل من روسيا والولايات المتحدة والصين وبريطانيا، أيهما سيقوم بطرح اللقاح الآمن الذي سيدخله من بوابة التاريخ.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: الميادين.
موضوع ذا صلة: الدنمارك ضد السويد: حصانة القطيع تعد إستجابة فاشلة لفيروس “كورونا”