إن الضمانة الكبرى لحماية حقوق الإنسان هي في قدرة شعبٍ ما على فرض إحترام حقوقه حتى ولو لم توجد قواعد ناظمة لهذا الإحترام لأن الشعب، في الأساس، هو الضامن والحارس لحقوقه.
يلعب الرأي العام دوراً حاسماً في مقاومة الطغيان والإستبداد التي تعاني منها الشعوب حول العالم. فلقد أكدت المادة /2/ من إعلان حقوق الإنسان أن من الحقوق الطبيعية للإنسان هي مقاومة القهر، وأن إضفاء الشرعية على إستعمال القوة ضد تعسف السلطة ذو مدى محدود لأنه من الصعب معرفة مدى تغير المشروعية، أيضاً لأن في أغلب الحالات تكون الحكومة هي الأفضل تسليحاً في نطاق القوة والعنف، كما حدث من مظاهرات في الولايات المتحدة وقمع الشرطة الأمريكية لها لأنها الأقوى من الشعب الأعزل، كذلك الأمر في إحتجاجات “السترات الصفراء” حيث رأينا مدى عنف الشرطة الفرنسية. يحدث ذلك في أيامنا هذه وعدسات الإعلام تنقل كل شيء، فكيف كان الحال إبان ثورات السود والبيض أو ما شابه ذلك؟
لقد دلت التجربة أن اللاعنف ومحاولة التفاوض يقدمان على الأرجح إمكانيات مجدية لمقاومة القهر ولو كان نادراً ما جرى إستعمالهما، فأي نظام تسلطي يمكنه مقاومة إضراب عام؟ وأي وزن كان لحركة اللاعنف التي قادها الماهاتما غاندي في سبيل الحصول على إستقلال الهند؟ ولمَ كان لمقاومة أطفال فلسطين من أثر عالمي في تصديهم لقوات الإحتلال الصهيوني المجهز بأحدث الأسلحة؟ هي أمثلة كثيرة متنوعة بالنتائج والممارسات؛ بالتالي، ما يمكن قوله من حصيلتها ومن أحداث التاريخ، إن تعلق شعب ما تعلقاً عميقاً بحريته هو الذي يشكل المتراس الحقيقي والكبير ضد التسلط.
من هنا، إن مقاومة الظلم كحق من حقوق الإنسان، كانت ولا تزال، من أهم المعضلات الفكرية والإنسانية والحياتية في تاريخ الشعوب، إذ قال بها علماء وفقهاء ورجال فكر كثيرون. لكن مثل هذه النصوص تخلق إشكالات كثيرة في إضفائها المشروعية على الثورة؛ لذلك؛ إستبعدت من الدساتير الحديثة للدول كافة، وبدأت محاولات إيجاد البدائل السلمية لها، لكن السلطة بهذه الحالة قد تكون منزوعة السلاح أكثر تجاه العصيان المدني على إعتباره عملاً فردياً للغاية حتى ولو مورس جماعياً.
إلى ذلك، توجد بالفعل إمكانيات للعمل الجماعي الذي يستطيع أن يكون فعالاً مع تصعيد مبدأ الأكثرية، وأن المثال المفضل عن هذه الإمكانات يتكون بإنشاء أجهزة خاصة للدفاع عن الحريات، مع الإشارة إلى أنه إذا كانت هذه الأجهزة عديدة ومتنوعة في بعض البلدان المتقدمة، فهي معدومة الوجود في غيرها، بحسب دراسات لأوضاع هذه البلدان.
وتقول الآراء الطبية إن أكبر طبيب للجسم الحي هو الجسم الحي نفسه، ويكون دور الطبيب ثانوي بالقياس إلى المريض نفسه وإرادته في التغلب على مرضه. فلن يشفى أي مجتمع من أمراضه، وأخطرها “إغتيال” حقوق الإنسان، ما لم يتمكن المجتمع نفسه من إيجاد الأدوات والنظم والأولويات التي تضمن تغلبه على أزماته الملحة. وإذا كانت الحرية تجعل من الجسم الإجتماعي طبيب نفسه وتدل القادة على موضوع العلة ونوع الشكوى، فذلك من أجل أن يلعبوا الدور الذي يقوم به الأطباء في مداواة العلل المجتمعية.
أخيراً، إن الحرية هي شرط ضروري للرقي والتقدم ووجودها وفرضها من قبل الشعب هو التعبير عن المرحلة الحضارية والإنسانية التي وصل إليها الشعب نفسه.
*مستشار قانوني – الكويت.
مصدر الصورة: الحرة.
موضوع ذا صلة: معضلة الجزاء في نطاق السلطات الإدارية المستقلة