تحتل إسرائيل جزءاً من فلسطين ثم تهيمن على الباقي الذي يسمى “الأراضي المحتلة”؛ ولكن إسرائيل تعلن دائماً بأنها ليست أراضٍ محتلة، بل هي ملكية تاريخية اعاد اليهود استردادها.
من هنا وما دامت الانتخابات سوف تجرى حيث يوجد الفلسطينيون في داخل إسرائيل وفي القدس – بشقيها الشرقي والغربي – ما دامت إسرائيل قد أعلنت أن القدس عاصمة لها، فهذا يعني أن أية انتخابات في هذه الأقاليم لا بد أن تتم بموافقة إسرائيل.
ويرى جانب كبير من الفلسطينيين أن الانتخابات مهمة لتشكيل المؤسسات الديمقراطية، كما أن مكسب كبير للشعب الفلسطيني بالذات حتى سيدفع بها حجة إسرائيل بأن الأخيرة لديها نظاماً ديمقراطياً وهي التي تستحق فلسطين دون سكانها، وهذه حجة استعمارية تقليدية.
هذا المنطق هو الذي دفع بحركة “حماس” إلى رفض الوصاية الإسرائيلية كما جاء على لسان إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة، الذي يريد أن تُجرى الانتخابات حتى تستكمل الديمقراطية الفلسطينية شكلها، وربما أراد هنية بهذه الانتخابات أن تظهر غلبة المقاومة وانصارها، وهذا ما حدث بالضبط العام 2006 حيث تمزقت عُرى اللحمة بين الفلسطينيين التي لم تستفد منها سوى إسرائيل.
أما المعارضون للانتخابات، فقد بنوا موقفهم على ثلاثة أسس؛ الأساس الأول، ضرورة موافقة إسرائيل على إجراء الانتخابات وهذا مستحيل هذه المرة – وتحديداً في القدس – لا سيما بعد التطورات التي حدثت في القضية منذ العام 2017. وبالطبع، إن موافقة إسرائيل تنطوي على تفاهمات وتدخلات في عمليتي الترشّح والانتخابات خاصة وأنها تريد – هذه المرة – أن تُفرز الانتخابات شخصيات نيابية ورئاسية تستطيع من خلالها ابرام اتفاق تسليم فلسطين.
أما الأساس الثاني فهو أن الحرية للمواطن في مواجهة حكومته لا قيمة لها ما دام الحاكم يخضع مع الوطن للاحتلال الإسرائيلي؛ وترتيباً على ذلك، سيظل الحكم في فلسطين مخاصماً للديمقراطية وبعيداً عن نبض الشعب ما دام الاحتلال قائماً. وإذا علمنا أن هذا الاحتلال سيتحول إلى ضم لكامل فلسطين، فمعنى ذلك أنه لا حرية للمواطن ولا حرية للوطن، والأفضل التركيز على المقاومة ضد الاحتلال وتأجيل حرية المواطن بعد أن يحصل المواطن على حريته.
أما الأساس الثالث فيوم على أن الانتخابات ستؤدي إلى تمزق العلاقة بين الإخوة في المقاومة وفي السلطة، فقد ضغطت المقاومة الفلسطينية على الرئيس محمود عباس – أبو مازن حتى قرر إجراء الانتخابات؛ ولما تراجع عن إجرائها بعد رفض إسرائيل، اتهمته بأنه يلعب مع الصهاينة، وأن هناك العديد من الضغوط عليه، بالإضافة إلى أن إحراجه من جانبها سيعدّ عملاً وطنياً. لذا، أخذ عليه هنية “انصياعه” لإسرائيل بينما الانتخابات قرار سيادي فلسطيني، وهو تحدي للاحتلال حيث يكاد يقول إن عملية اجراء الانتخابات في القدس ستكون أعلى درجات المقاومة لتصرفات ومزاعم إسرائيل.
وبالطبع، أغفلت إسرائيل كل ما جاء في “اتفاق أوسلو” من أن القدس ومصيرها ضمن 5 قضايا حجزت لمحادثات الوضع النهائي؛ ولكن كلاً من إسرائيل وواشنطن قررتا فرض أمر واقع، وهو نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس واعتراف واشنطن – في عهد الرئيس اأمريكي السابق دونالد ترامب – بأنها العاصمة الدائمة والأبدية لإسرائيل.
وهكذا، كان رفض إسرائيل إجراء الانتخابات سبباً في انهيار التوافق الفلسطيني الذي بُني على عمود واحد هو إجراء الانتخابات.
من وجهة نظري، أرى أن الانتخابات في القدس لن تجرى إلا بموافقة إسرائيل رضاء أو اقتناعاً ومع تخلي الاتحاد الأوروبي عن دفع إسرائيل إلى الموافقة، وهذه حقيقة ظاهرة.
يقابل هذه الحقيقة نظرية هنية بأن الانتخابات قرار فلسطيني، وأن أبو مازن تراجع لأسباب لديه ولكنه اتخذ ذريعة إسرائيل سبباً في التراجع. فماذا لو قرر أبو مازن المضي بإجراء الانتخابات ثم قامت إسرائيل بعرقلتها في القدس؟ هل ستصمد نظرية هنية التي تتحدى لإسرائيل؟
يبقى أن يعالج عقلاء القوم هذه القضية بروح وطنية بعيدة عن الحسابات الحزبية لأن القضية تمر بأخطر مراحلها.
مصدر الصورة: الميادين.
موضوع ذا صلة: الإنتخابات الفلسطينية 2021: السياق والتوقعات
د. عبدالله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ محاضر في القانون الدولي – مصر