حوار: سمر رضوان

أقر مجلس النواب التونسي استعجال عرض مقترح القانون المتعلق بتجريم التطبيع مع إسرائيل على التصويت في جلسة عامة للمجلس. يأتي ذلك بعد دعوات واسعة في البلاد لسن قانون يجرم التطبيع مع الكيان.

عن هذا القانون ودلالاته على المستويين الرسمي والشعبي، سأل “مركز سيتا“، الأستاذ بلحسن اليحياوي، الكاتب والإعلامي – تونس.

أسباب العرقلة

هذا المطلب كان مرفوعاً من قبل القوى السياسية والجزء الكبير من الشعب التونسي إبان كتابة الدستور بين عامي 2011 – 2014، ووقع التعلل آنذاك من طرف الكتلة الأكبر المهيمنة على البرلمان أي “حركة النهضة”، جماعة “الإخوان المسلمين” بأن هذا المطلب لا يخدم القضية الفلسطينية، بل أكثر من ذلك، فقد وصل الأمر بأحدهم للإدعاء بأن القيادات الفلسطينية قد اتصلت به لعدم تمرير هذا البند في الدستور.

ومع بدء عملية الانتخابات الرئاسية وتحديداً في الحملة الانتخابية، وضّح الرئيس قيس سعيد موقفه بصورة تامة في المناظرات التي جمعت بين المرشحين الرئاسيين، ولعل ذلك كان أحد أيرز الأسباب التي جعلت شعبيته تصل إلى حدود 3 ملايين ناخب صوّتوا له في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية.

كل هذا يعتبر مؤشراً على أن عموم الشعب التونسي ينظر إلى الكيان الصهيوني ككيان عدو؛ يعني أن تونس هي في حالة حرب دائمة ومتواصلة معه بدليل أنه قد استبح الأراضي التونسية أكثر من مرة، لا سيما العام 1986، ثم العام 1988، وآخرها عملية اغتيال الشهيد المهندس محمد الزواري العام 2016.

ارتباط تاريخي

من خلال ما سبق، من الطبيعي أن ينظر الشعب التونسي إلى الكيان الصهيوني على أساس أنه كيان عدو؛ بالإضافة إلى ذلك، إن تاريخ القضية الفلسطينية دائماً ما كان متواجداً في الوجدان التونسي، على اعتبار أن الأخير كان دوماً يميل إلى القضايا المحقّة بغض النظر عن وحدة القوميات ووحدة المعتقد.

فحتى كل الخطوات التي كانت تتخذ منحى تطبيعياً، سواء تعلق الأمر بزيارة كنيس الغْريبَة الذي يحج إليه جمع من اليهود في ربيع كل عام، وبعض الخطوات على المستوى الأكاديمي التي كشفت عن تطبيع مع الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى بعض الفنانين الذين افتضح أمرهم بأنهم احيوا حفلات داخل أراضي الكيان الصهيوني، فلقد تمت مقاطعة هذه الشخصيات وهؤلاء الفنانين. فالسواد الأعظم من الشعب التونسي يرفض التطبيع والتعامل مع الكيان الصهيوني مهما تعالت الأصوات هنا وهناك، التي تنادي بأولوية الشأن التونسي والاهتمام به.

هنا، لا بد بأن نشير إلى أن “وقاحة” بعض الأطراف وصلت إلى درجة المطالبة بضرورة أن يكون هناك علاقات مع الكيان الصهيوني بحجة أن ذلك يخدم المصلحة التونسية. لكن الحقائق التاريخية والسياسية أثبتت عكس ذلك تماماً، بدليل أن جُل البلدان العربية والإسلامية التي تملك علاقات مع الكيان الصهيوني لم تستفد شيئاً من هذه العلاقات. كما أننا نعلم بأن شعوب تلك البلدان هي في قطيعة تامة مع حكامها وصانعي القرار السياسي فيها بالنسبة إلى هذه النقطة بالتحديد.

ونأخذ هنا مثلاً على مصر – التي كانت من أول البلدان التي لها علاقات مع الكيان الصهيوني – حيث أن الشعب المصري ما زال حتى اليوم يرفض هذه العلاقة، خاصة وأنها لم تجلب أي خير لهم. والأمر نفسه بالنسبة إلى كل من الأردن والمغرب وأخيراً الإمارات العربية المتحدة، ناهيك عن بعض العلاقات القائمة “من تحت الطاولة”، وأبرزها تلك التي تجمع ما بين قطر والكيان الصهيوني أو غيرها من البلدان العربية والخليجية.

استعمار مغلّف

إن تجريم التطبيع في القانون التونسي هو أمر حيوي بسبب حاجة الشعب التونسي والمواطن التونسي إلى أن يؤمن بقضية المقاومة، ويؤمن بقدرته على المقاومة؛ وكما يرزح الشعب الفلسطيني والأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال العسكري المباشر، كذلك شعب المغرب العربي عموماً يرزح تحت نوع آخر من الاستعمار في جزئه الكبير، هو استعمار اقتصادي – مالي على وجه التحديد، وثقافي على اعتبار هيمنة الثقافة الفرنسية على شعوب المنطقة.

من هنا، إن القول بأن وجود هكذا بند سيضعف من موقف تونس لدى المجتمع الدولي غير صحيح؛ بل على العكس من ذلك تماماً، حيث سيكون لها شيء تبادل به أو نقطة قوة في صالحها. أما الحديث عن المساعدات المجتمع الدولي التي يقدمها لتونس، فالحقيقة أنه لا يقدمها لها بسبب “خُضرة عينيها”، كما يقول المثل الشائع، وإنما يقدمها كنوع من الاحتلال “المغلّف” ببعض الأرقام التي لا تُغني ولا تسمن من جوع، وإنما تُمعن في عملية التبعية لهذه الاقتصادات والدوائر المالية الدولية.

بالتالي، لا أعتقد أن هذا الأمر يُضعف موقف تونس على مستوى المجتمع الدولي، بل على العكس من ذلك، فهي تحتاج إلى أن توصل رسالة إلى المجتمع الدولي على أنها بلد مستقل فعلاً، ولديه هيبة وقرار سياسي مستقل، وهنا مربط الفرس، لأن المشكلة الأساسية تتعلق بالقرار السياسي.

ديمقراطية شكلية

لقد تمكنا في تونس من إحداث ديمقراطية “شكلية” من خلال حرية الانتخاب وحرية الاختيار؛ ولكن في المضمون، الأمر أعقد من ذلك بكثير فهناك العديد من المشاكل التي تعترض تونس والتونسيين فيما يتعلق بحرية وسيادة القرار السياسي.

إن تمرير هكذا قانون في الدستور التونسي هو الرسالة التي يجب أن تصل إلى المجتمع الدولي بحرية، ووجود سيادة تونسية على القرار السياسي، خاصة من القضية الفلسطينية والقضايا المحقّة في العالم ككل؛ وبذلك، يمكن أن تسترجع تونس هيبتها على المستوى الدولي، تلك الهيبة التي فقدتها بسبب بالساسة الهواة الذين سيطروا على صنع القرار فيها في الأعوام العشر الأخيرة، بل حتى قبل ذلك، حيث فقدت تونس هيبتها الدبلوماسية إبان حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، والتي كانت بفضلها تمتلك هيبة على المستوى الدولي.

مصدر الصورة: إيطاليا تليغراف.

موضوع ذا صلة: التطبيع المغربي – الإسرائيلي: بين المكاسب والمخاطر