1. إلى بوتين الأكبر
لأول مرة في تريخه، يشن الاتحاد الروسي ضربة استباقية دفاعية في أوكرانيا السلافية منعاً لوقوعها في أحضان الأخطبوط الأنكلوسكوني ومنعاً لاضعافه وتفكيكه وتحدياً لغربٍ لا يتنفس إلا أميركياً.
الحرب حرب الضرورة في مواجهة غطرسة الغرب وأحابيله للهيمنة على العالم. إنها حرب بالنيابة عن الفقراء والمستضعفين لتعزيز أمنهم وتوحيدهم لا لانضمامهم لأحلاف الغرب المتأمرك والمتسلط والمتجبر الذي ينهب الشعوب وخيراتها ويزعم أنه مع حقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
لذلك نقول:
“إن رسالة روسيا التاريخية هي أن تشكل نموذجاً يحتذى للبشرية جمعاء. ونعترف أن بوتين الأكبر بعقله الاستراتيجي وارادته الصلبة قد أسقط الأحادية القطبية لـ ’الأنكلوسكسون’، ووضع حجر الزاوية لعالم متعدد الأقطاب مبشراً بعالم ينتهي فيه الفقر والقهر والاستغلال. ونعتقد أن الخبز والأرض والسلام (khlab, Zamla, Mir) هي حقائق تاريخية وضعتها الثورة الروسية العظمى على جدول أعمالها منذ 1917، وجعلت من موسكو عاصمة للثوار في العالم أجمع. وُفقتم في خطاكم من أجل التحرير والإزدهار: والنصر المؤزر.”
2. ملخص
لو كان رديارد كبلنغ – Rudyard Kipling حياً (1865 – 1936) لأنشد مقولته الشهيرة: “الشرق شرق والغرب غرب والتوأمان لا يلتقيان أبداً، سيزغرد: In weal and woe . في السراء والضراء نمجد أميركا لأنها امتداد لمجدنا وتفوّقنا وعظمتنا وحضارتنا.”
موقف بريطانيا التي فقدت عظمتها في الحرب العالمية الأولى يجاهر رئيس وزرائها، بوريس جونسون، بتأييده للحرب ضد روسيا بالسلاح وليس بالكلمة فحسب. الموقف يعيدني إلى حرب القرم (1853 – 1856)، الحرب التي شنتها تركيا على روسيا القيصرية (1853) والتحقت بها بريطانيا وفرنسا (مارس/آذار 1854) وسردينيا (يناير/كانون الثاني 1855)، لمنع التوسع القيصري؛ وبالتالي، ضم بلدان البلقان إلى الامبراطورية الروسية وفرض السيطرة والوصاية على “الأراضي المقدسة”.
تدخلت دول أوروبا لإطالة حياة “الرجل المريض” إلى أن انهارت وهُزمت العثمانية في الحرب العالمية الأولى. وفي الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)، حرر الجيش الأحمر بلدان البلقان وبلشفها. ولكن مع انهيار الاتحاد السوفياتي (25 ديسمبر/كانون الأول 1991) والاتفاق أو التعهد بعدم أطلسة تلك البلدان، نكثت أميركا بالعهود والخديعة والكذب والنفاق وضمت تلك الدول إلى الحلف الأطلسي الذي تقوده أميركا منذ (4 أبريل/نيسان 1949) حتى الساعة. أميركا بحروبها ضد روسيا تتخندق وتخطط لتطويق روسيا وتحويلها إلى دولة إقليمية تحت الهيمنة الأميركية.
الظاهر في هذا السياق أن جونسون قد تحركت جيناته العثمانية العقلية للانتقام من هزيمة أسلافه العثمانيين الذي كان والده أحد الجنرالات المهزومين، والذي لجأ إلى بريطانيا. وعلى منواله، يتصرف السيد رجب طيب إردوغان، الرئيس التركي، ويتبارى معه بإرسال مسيّرات “البيرقدار” إلى رفيقهم اليهودي الصهيوني زيلنسكي في أوكرانيا.
أنا أؤكد أن هذه الأوراق لن تؤهل الرئيس إردوغان لدخول “جنة” الاتحاد الأوروبي مهما قدّم من مساعدات لصديقه الصهيوني، وسيبقى أداة للحلف الأطلسي ومسلماً منبوذاً خارج أوروبا. من الملفت أن أميركا التي بدّدت 3 تريليونات دولار في حربها ضد العراق وخسرته، ستوظف 30 تريليون دولار للحرب على روسيا وتحصد هزيمة مدوية وتهبط في نهاية الأمر إلى دولة إقليمية وراء البحار!
إن “البطل” الدمية زيلنسكي، الذي استخلف يهود العالم لنجدته ومؤازرته، لا يدرك أن يهود موسكو ليسوا أقل نفوذاً وسطوةً من يهود اميركا وأترابهم وأنهم مع التوجه شرقاً. وقد لا يعلم “البطل” أن الطغمة اليهودية الأوكرانية التي أوصلته إلى السلطة في كييف، قد حوّلت أموالها إلى فلسطين المحتلة ورحل أقطابها إلى “أرض الميعاد”: فهل يلتحق بهم السيد “البطل”؟
أعتقد أن العم جو بايدن، “المهووس” بالعقوبات وأسلحة الدمار الشامل التي تتضمنه، لا يفهم أن الغرب – بما فيه أوروبا وأميركا – لا يشكل سوى ثلث سكان العالم واقتصاده، وإن العالم يتجه شرقاً تحت لواء أوراسيا ومبادرة “الحزام والطرق”؛ وبالتالي، فقد بوصلة المستقبل المنظور.
أوروبا الجزيرة الكونية وحروبها القارية الأربعة
أوروبا الجزيرة هي التي اقتحمت جميع أصقاع الأرض، من عصر الاكتشافات في القرن السادس عشر إلى عصر الذرة في القرن العشرين، هي التي دجنت وقمعت واستوطنت القارات والحضارات وأبادت كثيراً من شعوبها وحققت ذلك بإسم الحضارة والتقدم وأحياناً المسيحية. استمر الأمر على ذلك النحو من التفوق والاستعلاء من البداية حتى عصرنا، وازدهرت مآلاته وتطلعاته في أعقاب الثورة الفرنسية (1789) التي طمح قادتها إلى إلغاء الإقطاعية وإسقاط الملكية المطلقة ومعها كهنتها وأقطابها ونبلائها. وتم ذلك تحت يافطة “المساواة والحرية والأخوية الإنسانية”.
3. الحروب البونابرتية – الحرب القارية الأولى
من نتائج تلك التحولات وتداعياتها ظهرت البونابرتية كطريقة حكم وتوسع وانتشار، مما أفضى إلى الحرب القارية الأولى؛ وبالتالي، على طريق المجد والعظمة، اندلعت حروب التحرير من الإقطاع والتمدد الفرنسي في القارة الأوروبية الذي دفع نابليون لاجتياح روسيا القيصرية، حيث دُفنت مطامحه وطموحات من سيتبعه في القرن العشرين، كأدولف هتلر وغيره.

وفي هذا السياق، أسمح لنفسي بالإشارة إلى المؤرخ الجنرال شارل ديغول (صاحب مشروع أوروبا من أيبيريا إلى الأورال كبديل للأحاديات القطبية) الذي يؤرخ لبداية الانحطاط الأوروبي من غزوة نابليون لروسيا (1812) وهزيمته النكراء في موسكو، الهزيمة الكبرى في واترلو (18 يونيو/حزيران 1815) بقيادة الجنرال البريطاني ولنغتون – Wellington والبيروسي بلوكر – Blucher ، الحرب التي أُنجزت بتمويل من بنك روتشيلد – Rothschild اليهودي الذي موّل أيضاً – في القرنين التاسع عشر والعشرين – الاستيطان اليهودي في فلسطين ورفع رايات الصهيونية العالمية في ديارنا؛ لذلك، كان السيد ماير انسلم – Meyer Anselm المنتصر الوحيد في الحرب البونابرتية، الذي يتمتع هو وخلفاؤه بملذات هذه الدنيا وأمجادها بينما المسكوني الكورسكي، المحرر التاريخي نابليون يموت مسموماً في جزيرة هيلانه العام 1821.
بعد الحرب يأتي السلام، والسلام جاء من مؤتمر فيينا (1814 – 1815) الذي أرسى قواعد السلام ومعالمه، السلام في أوروبا القارية لمائة عام. وذلك بقيادة جماعية من خمسة أقطاب هي: روسيا، بروسيا، بريطانيا، النمسا المجر وأسوج.
يعتز ويتباهى ليبراليو ذلك الزمان، بأن القرن التاسع عشر، قد وفّر لأوروبا والعالم الفكرة القومية، الليبرالية الاقتصادية، والديمقراطية التمثيلية.
تجلّت الفكرة القومية في نشوء الأمبراطورية الألمانية ووحدتها (1871 – 1918) بقيادة أتوفون بسمارك. وتمثلت بتأسيس الرايخ الثاني بعدما ألغى نابليون الرايخ الأول (962 – 1806) المسماة “الأمبراطورية الرومانية المقدسة”. وكذلك ظهرت إيطاليا كدولة متجددة (1871) وعاصمتها روما بقيادة مازيني وغاريبلدي – Mazzini & Garibaldi الحدث الذي يشير بانبعاث الأمم وحركات التحرر.
إقرأ أيضاً: في ظل مفهوم تحوُّل القوة.. مصير النظام العالمي الحالي بعد الحرب الأوكرانية
وقد أصبحت بريطانيا مصنع وسوق عالمية وتعممت الليبرالية الاقتصادية، وتوسعت دوائر الرأسمالية الصناعية وتفرعاتها. أما الديمقراطية التمثيلية، فقد انتشرت ولو ببطء مع منح حق الاقتراع للبورجوازية الصاعدة. باختصار، التصنيع والتحولات الاقتصادية والاجتماعية تجسدت بـ “ربيع الأمم” وكتابة البيان الشيوعي بقلمي ماركس أنغلز، البيان الذي شكّل الدليل للتحرير والثورة الاشتراكية (1848) في العالم.
4. بسمارك، الرايخ الثاني والحروب الإمبريالية، الحرب القارية الثانية
في مطلع القرن العشرين، اتضح أن العالم على شفير حرب كبرى متوقعة وذلك نتيجة السباق الامبريالي على المستعمرات هنا وهناك، ولكن بالتحديد في إفريقيا من شمالها إلى جنوبها بدءاً من حرب البوير – Boers أو حرب جنوب افريقيا (1899 – 1902).
استشعرت أحزاب الأممية الثانية بقدوم الحرب، ومنها حزب العمال الديمقراطي الروسي الذي بدأ بالتخطيط لتحويل الحرب القادمة إلى فرصة للإطاحة بالنظام الرأسمالي الامبريالي. في هذا السياق، كتب لينين (1870 – 1924) كتابه الشهير “ما العمل؟” (1902) الذي ميّز فيه بين النقابية العفوية التلقائية والوعي الثوري، وأقر أن الوعي المطلوب يتطلب حزب طليعي لإنجاز مهام الثورة.
وبين النقابية والثورية وقع انشقاق تاريخي بين الأكثرية البلشفيك والأقلية المنشفيك. وفي كتاب الامبريالية (1916) حُسم أمر الثورة، في مواجهة الرأسمالية لأنها دخلت مرحلة الاحتكار، وتخلت عن المنافسة مما يعني، احتدام الصراع كونياً وضرورة الإطاحة بالامبريالية.
على إيقاع الصراعات الامبريالية، اندلعت الحرب القارية الثانية في أوروبا (أغسطس/آب 1914 – 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1918). سأقدّم في هذا المجال السردية التقليدية المدرسية، أُغتيل الدوك فرنسيس فردينان (28 يوليو/تموز 1914)، فأعلنت ألمانيا الحرب على روسيا القيصرية (1 أغسطس/آب 1914) وضد فرنسا (3 أغسطس/آب 1914). وإذ ببريطانيا تتصدى لألمانيا وتعلن الحرب عليها (4 سبتمبر/أيلول 1914). عندها تبلورت الأحلاف في اصطفافين: الأول ألمانيا والنمسا المجر والامبراطورية العثمانية (1914) والتحقت بلغاريا بهم (1915). أما حلف الحلفاء الذي قادته بريطانيا فرنسا، فانضمت إليه روسيا، صربيا، بلجيكا وغيرها (1914) ثم التحقت بالحلف إيطاليا (1915).
أنا لا أعتقد أنه من الضروري سرد معارك الحرب، لكني أريد لفت النظر إلى واقعتين هما: الثورة الاشتراكية التي حدثت في روسيا بقيادة فلاديمير لينين (1870 – 1924) والحرب التي شنتها 14 دولة ضد روسيا بغية إسقاط الثورة وفشلها في ذلك. ثانياً، دخول أميركا في الحرب إلى جانب بريطانيا فرنسا، 4 أبريل/نيسان 1917، بعدما تأكدت بشكل حاسم، أن الحلفاء على وشك إحراز الانتصار؛ لذلك، أعلن الرئيس الأميركي وودرو ويلسون (1856 – 1924) برنامج الـ 14 بنداً كقواعد للسلام والاعتراف بحق تقرير المصير (1918). ولم ينتهِ عام 1918 حتى استسلمت ألمانيا في 11 نوفمبر/تشرين الثاني.
بعد الحرب يأتي سلام المنتصر! السلام الذي تجلى بمعاهدة فرساي (28 يونيو/حزيران 1919) التي أقرها مؤتمر السلام في باريس. تلك المعاهدة بتقديري هي التي استولدت الحرب العالمية الثانية، وهنا أشير إلى تشكيل عصبة الأمم من 45 دولة (24 أبريل/نيسان 1919) التي ركزت خطوطها على الأمن الجماعي، التحكيم في الخلافات بين الدول ونزع السلاح.
أما أبرز بنود فرساي الرئيسية؛ أولاً، بعد الاستيلاء على ألمانيا وأراضيها، تقرر توزيع 13% من الأراضي الألمانية على الدول الآتية: فرنسا، بلجيكا، لتوانيا، الدانمرك، والأهم والأخطر منح بروسيا قاعدة الامبراطورية الألمانية إلى “الجارة” بولندا.
ثانياً، تجريد ألمانيا من سلاحها بعد حرمانها من أراضيها، والسماح لها بتشكيل جيش من 100 ألف جندي فقط وبدون أسلحة ثقيلة وسلاح جوي، ويأتيك بيت القصيد. وهو تحميل ألمانيا مسؤولية الحرب وإرغامها على دفع تعويضات الحرب – War Reparations للمحتل! أي إفقار ألمانيا وإذلالها وتجويعها ودوس كرامتها!
والسؤال: أين الفهرور – Fuhrer الذي سيحرر ألمانيا من فرساي وتبعاتها والتسلط الأوروبي على مجريات الحياة السياسية والاجتماعية؟ هل يمكن أن نستغرب ظهور أدولف هتلر (1889 – 1945) وكتابه كفاحي –Mein Mampf الذي أعلن فيه تفوق العرق الآري على كافة الشعوب ودخل حزب العمال القومي الاشتراكي الألماني كعضو رقم 55 وحوّله إلى قوة ضاربة صادمة لتحرير ألمانيا من فرساي وصانعيها؛ وبالتالي، شنّ حرب الثأر على أوروبا ومن فيها في الحرب العالمية الثانية.
وفي نهاية المطاف، لم يُصدّق الكونغرس الأميركي على معاهدة فرساي؛ وبالتالي، لم تشارك واشنطن في عصبة الأمم، وعادت إلى عزلتها المعهودة وراء البحار. لذلك، لا بد من العودة إلى الفترة الزمنية بين الحربين، فترة الجيشان في أوروبا والعالم:
– روسيا البلفشية: أسست الأممية الشيوعية في مارس/آذار 1919 بقيادة زينوفيف (1883 – 1936) الأممية التي نظمت الأحزاب الشيوعية في العالم قاطبة (الشيوعي اللبناني 1924)، وأحدثت تحولات تاريخية في مسيرة الشعوب في أوروبا والصين وغيرها.
– روسيا تحوّلت من روسيا البلشفية إلى الاتحاد السوفياتي العام 1922، العام نفسه الذي شهد العالم زحف بينيتو موسوليني على روما، بعدما كان قد شكّل الحزب الفاشي (1919) ونظم فرق “القمصان السود” وتُوجت مساعيه بتكليف رئاسة الوزراء باسمه الجديد الدوس – IL Duce؛ ولكي يعبر “الدوس” عن بطولاته، قام بغزو أثيوبيا العام 1935، وشارك بإسناد قوات فرانثيسكو فرانكو في الحرب الأهلية في إسبانيا، وبالتالي شكّل مع الفهرور “محور روما – برلين (1936)، المحور الذي أهّله لدخول الحرب العالمية الثانية بالمشاركة مع هتلر. لكن تعثر إيطاليا في الحرب، أدت إلى الإطاحة به (1943) واغتاله وطنيو الأنصار العام 1945.
– انهيار الرأسمالية العام 1929، والكساد والركود الذي أحدثته تلك الفاجعة التي أصابت أميركا وحلفاءها. وبعد طول انتظار، تقرر الخروج من الكساد بالتنازل للدولة عن حقها في التدخل لإنقاذ الرأسمالية من أحابيلها وتبني مقولة “دولة الرفاه الاجتماعي” بقيادة الرئيس ثيودور روزفلت (1882 – 1945).
– احتلال اليابان لمنشوريا في شرق الصين (1932)، وانطلاقة العسكرية اليابانية وفرض هيمنتها على محيطها. ذلك الاحتلال مهّد إلى العدوان على أميركا في بيرل هاربور – Pearl Harbor (7 ديسمبر/كانون الأول 1941) وفرض على أميركا المشاركة في الحرب العالمية الثانية.
5. صعود الرايخ الثالث وحتمية الحرب
إبان الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918)، تمزّقت الأممية الثانية (1889) بين جناحين؛ الجناح الأول، أيد دولته الأم ووقع على ميزانية الحرب. أما الجناح الثاني، طرح تحويل الحرب الإمبريالية إلى حرب عالمية ثورية من أجل تحرير الإنسان والأوطان من نير الحروب.

الجناح الثاني في ألمانيا كانت تقوده المناضلة الأممية روزا لكسمبورغ – Rosa Luxemburg (1870 – 1919) والمحامي الثوري البرلماني في حزب SPD كارل لايبنخت – Liebknecht (1871 – 1919) اللذان شكلا حركة سبارتكست – Spartakist (1916) البشير بالحزب الشيوعي الألماني. الاثنان معاً أعلنا الثورة ضد الامبراطورية التي كلفت فريكوربس – Freikorps بقتلهما في الميدان والقضاء على أتباعهم، العام 1919
تنازل امبراطور الرايخ الثاني (1871 – 1918) عن العرش بعد استسلام المانيا ( 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1918)؛ وعليه، نظّم مؤسسو الجمهورية في فيمر – Weimar بلد الشعراء والأدباء غوتيه، ويلند، هردر وشيلر (Goethe, Schiller, Herder, Wieland) جمهورية جديدة. تبنت، في بند أول، دستوراً ديمقراطياً، اعترف بحق جميع المواطنين بالاقتراع دون استثناء. أما البند الثاني والأهم، فقد تمثل بالتمثيل النسبي كأفضل طريقة للتعبير عن آراء الناخبين. وأما البند الثالث، فقد منح كافة الحريات الديمقراطية كالتنظيم والتجمع وغيرها.
إقرأ أيضاً: فوز ماكرون.. إنقاذ أوروبا من التفكك.. أم توحيد الانقسام الفرنسي؟
كانت ألمانيا المهزومة المأزومة برئاسة الجنرال هندنبرغ -Hindenburg (1847 – 1934) ترزح تحت وطأة معاهدة فرساي (28 يونيو/حزيران 1918) وتعويضاتها المنهكة والتضخم المتزايد يومياً مع البطالة الشاملة والركود العام. كرد على هذا الواقع، تحالف هتلر مع الجنرال إريك لدندورف -Erich Ludendorff (1865 – 1937)، الجنرال الذي انتصر في جميع معاركه وخذله السياسيون الذين وقعوا صك الاستسلام واتهمهم بطعن الجيش بالظهر. قام الثنائي بما سُمي تاريخياً انقلاب هتلر -Hitler’s Putsch، 8- 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1923. لكن الجيش سحقها وسجن هتلر. في السجن، بلور هتلر أفكاره وكتب أيقونته التاريخية “كفاحي” مصنفاً شعوب العالم على أساس عرقي يتزعمه الجنس الآري. خرج هتلر من السجن وقرر اعتماد البرلمانية كوسيلة للوصول إلى السلطة كما ورد في دستور فيمار. وإذ بهتلر يفوز في الانتخابات؛ لذلك، استقال هاينرتش بروننغ – Heinrich Bruning (1885 – 1970) المستشار آنذاك، ثم تبعه المستشار الثاني فون بابن – Von Papen (1934 – 1947) الذي ألح على الرئيس بتكليف هتلر بالمستشارية، الذي عينه فيها في 30 يناير/كانون الثاني 1933. إنتُخِب هتلر ديمقراطياً وتسلم السلطة بدون منافس، فوعد بتأسيس رايخ ثالث تدوم لألف عام!!!
رحبت “الديمرقراطيات” الغربية “بالرفيق” الديمقراطي بقيادة الولايات المتحدة التي كانت تعيش تداعيات زلزال 1929، إ وفلاس الرأسمالية. لكن الحقيقة التاريخية أن الولايات المتحدة كانت منذ أن رفض الكونغرس التصديق على فرساي، قد تصالحت مع ألمانيا العام 1921؛ عندها، اقتنص الرئيس الأميركي ويلسون الفرصة وراح يساعد الجمهورية الجديدة بما استطاع من سلاح ومال. وفي العام 1933، كما أشرت أعلاه، وبعده، شرعت بنوك نيويورك بيهودها ورأسمالييها مع مصانع أسلحتها وتجارها في الصناعات الثقيلة كالفولاذ تفتح مخازنها لألمانيا وتمويلها لإعادة تسليحها لثلاثة أسباب: أولها، استنهاض الداخل الأميركي. وثانيها، معاداة الاتحاد السوفياتي. وثالثها، القناعة السائدة بأن لا خروج من زل زال 1929 إلا بالحرب!
في المرحلة الأولى من الحكم، تألق هتلر كرجل دولة يطمح لإعادة الاعتبار لدولة ألمانيا المهزومة وتصرف بموجب “قانون التمكين”، أي التخويل لكي يجمع بين يديه سلطات تمكنه من إعادة الإعمار وتسليح الجيش وإنعاش الاقتصاد. الخصم اتهمه بالدكتاتورية والعسكرة والعدوانية والقمع. لكنه عندما تيقن من النهوض الشعبي والتأييد العارم، بدأ يلعب دور الفهرور البطل القومي الذي يتحدى معاهدة فرساي ويستنكر انكشارية الحلفاء الذين أرغموا ألمانيا على الاستسلام والخضوع والخنوع.
على هذا المنعطف، تصرّف هتلر بـ “أنا” مضخمة وبغرور غاشم، فأقدم على فرض التجنيد الإجباري في 16 مارس/آذار 1935، واحتل الراينلاند – Rhineland، في 7 مارس/آذار 1936، وتحالف مع موسوليني في اتفاقية المحور العام 1936، ثم احتل النمسا في 12 مارس/آذار 1938، عند ذاك عقدت دول أوروبا “العظمى” بريطانيا ممثلة بشمبرلين – Chamberlain (1869 – 1940) فرنسا دالدير – Daladier (1884 – 1970) إيطاليا موسوليني وألمانيا هتلر. أخذ مؤتمر ميونيخ، 29 سبتمبر/أيلول 1938، بهدف احتواء هتلر وشرعنة غزواته وتوجيهه شرقاً نحو الاتحاد السوفياتي العدو الذي قهره. في تلك الفترة، سادت سياسة الاسترضاء – Appeasement التي كانت في الفضاء الأوروبي، وكان الأوروبيون يشعرون بعقدة الذنب تجاه ألمانيا؛ لهذا، عندما عاد رئيس الوزراء البريطاني إلى لندن حاملاً معه وثيقة المؤتمر، أعلن في زمنٍ من الغفلة “إن الوثيقة تعزز السلام في زمننا”.
جوزيف ستالين (1879 – 1953) باني الاتحاد السوفياتي (1922 – 1991) لم يخدعه نفاق بريطانيا ولا مبادئ الغرب اللا أخلاقية وازدواجية معاييره. وكان على علم بعدوانية هتلر ونظرية “المجال الحيوي” الذي قد توفره روسيا لإشباع مطامحه واحلامه. فقرر ستالين تكليف وزير الخارجية مولوتوف – Molotov (1890 – 1986) بالتفاوض مع ريبنتروب – Ribbentrop وزير خارجية هتلر (1893 – 1946) والتوصل إلى اتفاقية “عدم العدوان” (1939) بين الرايخ والاتحاد السوفياتي والتوصل لاتفاقية التي أجّلت الحرب على روسيا لنحو سنتين، وأعطت ستالين فرصة للتحصين والتجييش والتعبئة لمواجهة هتلر الذي نكث العهد وشنّ الحرب على الاتحاد السوفياتي في 22 يونيو/حزيران 1941.
مصدر الصور: اقتصاد الشرق – روسيا اليوم – ميدل إيست أونلاين.

د. جورج حجار
رئيس منتدى العروبة للدراسات الاشتراكية – لبنان