لا تزال العملية العسكرية الخاصة التي أطلقتها روسيا في 24 فبراير من هذا العام، تشغل الحيز الأكبر من اهتمام العالم على كافة المستويان بالنظر إلى الخلل الكبير الذي تسببت به، حيث وصلت تداعياتها إلى أغلب دول العالم، فما هو الجديد، وإلى أين ستنتهي الأمور، وهل من موعد لوضع حد لكل هذا الدمار؟

بانوراما دولية

سأبدأ مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي قيل إنها رعت مفاوضات غير معلنة بين الجانبين الروسي والأوكراني، من بعض الشروط المطروحة، أن تفرج روسيا عن جميع الأسرى الأوكرانيين، مقابل السماح بتصدير الأمونيا الروسية عبر أوكرانيا إلى العالم، وهذا العنوان لا نرى منه إلا أن المصالح وحدها الحاكمة بعيداً عن مسألة إنهاء الصراع رغم دعوات الكثيرين له، على المستوى العربي طُرحت مبادرات عدة من بينها مبادرة ملك البحرين التي نقلها السفير البحريني لدى موسكو قبل بعض الوقت.

إلا أن الأمور لا يبدو أنها ستتغير رغم أن الكثيرين عوّلوا على احتمالية هدنة إجبارية بسبب ظروف الشتاء القاسية في تلك البلدان، وصعوبة المعارك على خلفية الثلوج والعواصف التي تتميز بها تلك المناطق من العالم، لكن قصف منشآت الطاقة والبنى التحتية الأوكرانية يخفي خلفه الكثير ما يعني أن ثمة تحول في هذه الحرب نحو التدمير الشامل.

ماذا يعني استهداف منشآت الطاقة الأوكرانية؟

إن التفجير الأخير الذي طال جسر القرم، ومن بعده محاولة استهداف الأسطول الروسي في خليج سيفاستوبول في البحر الأسود، كان القشة التي قصمت ظهر البعير كما يُقال، حيث أن روسيا كانت مكتفية بمساحة منطقة العملية العسكرية الخاصة، ولم ترد التوسع خارج الحدود الموضوعة منذ 24 شباط، لكن انتقال الأعمال العدائية إلى مرحلة استهداف الداخل الروسي كان موضع خطير ربطاً مع التركيز على استهداف المناطق الحدودية مع أوكرانيا التي تتعرض لقصف أوكراني يومي سواء في بيلغورود أو كورسك أو بريانسك وغيرهم، فجاء قصف المنشآت الطاقوية رداً على ذلك، لكن وزارة الدفاع الروسية ادّعت أنها ستدمر تلك المنشآت رداً على ضخ الأسلحة الغربية إلى نظام كييف.

فقد اعترفت السلطات الأوكرانية بأن إصلاح منظومة الطاقة يحتاج إلى ملايين الدولارات فضلاً عن الوقت الكبير، ونصحت السكان بتقنين استهلاك الكهرباء ووضعت برنامج للترشيد ما يعني أن الأزمة كبيرة جداً، خاصة مع القصف التي طالها في 25 نوفمبر، حيث كان هناك خروجاً جماعياً لعدد واسع من المحطات والمحولات في عموم المدن الأوكرانية، والغرب لحل هذه المعضلة بدأ بإرسال المولدات ولوازم أخرى للحد من انقطاع الكهرباء، على سبيل المثال، أعلنت ألمانيا عن إرسال 2500 مولدة كهربائية، واليابان تبرعت بالمساعدة في إصلاح نظام الطاقة.

وهذا بطبيعة الحال يبين أن ثمة تقاطعات توضح مسألة الانسحاب الروسي من منطقة خيرسون على نهر دنيبر، ما يعني أن هناك ما يُطبخ خلف الكواليس وإن كان غير ظاهر للعيان لكن ليس مستغرباً أن يستشفه المرء من مجريات الأحداث.

حرب العقوبات

بشهادة الغرب أنفسهم، ورغم حجم العقوبات المهول، لكن لم يحقق الفائدة المرجوة منه، إذ يبدو أن روسيا أخذت استعداداتها جيداً، فلم ينفع مغادرة الشركات الأجنبية السوق الروسية، ولم ينفع مقاطعة السوق الأوروبية للغاز الروسي، وغير ذلك الكثير، اليوم ارتفع صوت الاتحاد الأوروبي ولأول مرة في وجه الولايات المتحدة الأمريكية حيت تم اتهام الأخيرة بأنها تتربح من هذا الوضع على حساب وقف الإمدادات الروسية إلى دول الاتحاد، فضلاً عن بيع غازها بأسعار مرتفعة، حتى أن استثناء النفط الروسي بالنسبة للغرب، أو حتى رفع العقوبات عن مشروع سخالين -2 كرمى لليابان كله لم يؤتِ ثماره، وهذا شئنا أم أبينا يُسجل انتصاراً لروسيا التي تركتهم يتخبطون فيما بينهم، بينما هي في الجزائر تجري مناورات عسكرية ضخمة لتوصل رسالتها بأن الغرب لن يستطع وضع يده على النفط الجزائري أقله (إيطاليا وإسبانيا) اللتان حاولتا المناورة للحصول على الغاز الجزائري في ظل الأزمة الأخيرة.

بالتالي، بعد انهيار منظومة الطاقة بشكل كبير، ومهما بلغ حجم تسليح الجانب الأوكراني يبدو أن الأمور بحسب الوقائع لن تسير لصالح الجانب الأوكراني إلا إذا تم التدخل المباشر للداعمين في هذه الحرب، وهذا أمر مستبعد رغم أن حادثة إسقاط الصاروخ في بولندا على الحدود مع أوكرانيا الذي زُعم في البداية أنه روسي وتبين العكس، حاولت كثير من الدول التلويح والتهديد بالرد، لكن الوقائع بينت لمرة جديدة أن الغرب سعيد بموقع المتفرج وهو يراقب دمار اقتصاده على المديين القريب والبعيد.

من هنا، وباختصار، كشف الروسي مخطط المعامل البيولوجية وأحرج الجانب الأمريكي لامتلاكه أدلة، وأيقظ الأمم المتحدة من سباتها حيث اعترفت بصدقية الفيديو المصور حول إعدام جنود روس على يد نظرائهم الأوكرانيين بدمٍ بارد، ودفعت برئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي للقول بأن هناك أطراف غربية تقف خلف استهداف محطة زابوروجي للطاقة النووية، ودفعت الشارع الغربي للطلب من حكوماته رفع العقوبات وعدم ضخ الأسلحة إلى كييف، حتى قبل دخول الشتاء فكيف الحال إذاً اليوم؟!

هذه الحرب عرّت الكثيرين وكشفت مخططات الغرب الاستعماري، وبصرف النظر عمّن سيربح، باعتقادي لا يوجد أي رابح ولا منتصر فيها، لأنها كعادة كل الحروب لم تضر سوى بالإنسان الذي يضطر للامتثال لقرارات رؤسائه دون سؤاله أو حتى استفتاءه، لكن هذه الحرب من ناحية أخرى قد تلجم بعض الأنظمة التي ظنت يوماً أنها تملك العالم، فلا يمكن لمتسيد أن يبقى سيداً كل الدهر، فالتاريخ يقول إن أقوى الإمبراطوريات تدمرت بقرار أو موقف أو حاكم كان غبياً أو تم التلاعب به، فليتعظ من كان يملك عقلاً قبل أن ترتفع فاتورة الإنسان أكثر من ذلك.

مصدر الصورة: تويتر.

إقرأ أيضاً: ما هي تداعيات العزلة السياسية الخانقة على روسيا بسب غزوها أوكرانيا؟

عبد العزيز بدر القطان

كاتب ومفكر – الكويت