الثابت أن هتلر كان رجلاً عظيماً لكنه لم يكتف باسترداد كرامة ألمانيا وإنما نحول إلى الانتقام من الشعوب الأوروبية الأخرى ولفت نظري في الحالة الألمانية خمسة مسائل:
المسألة الأولى: هل اضطهد هتلر يهود ألمانيا ولماذا؟
وما حقيقة التقارير حول تآمر يهود ألمانيا مع الحلفاء والتقارير التي بالغت في مأساة اليهود من أجل تهجيرهم إلى فلسطين لدرجة تعاطف د. طه حسين في مصر وبدأ حملة خيرية لجمع الأموال اللازمة لتهجيرهم إلى فلسطين أما العقاد فكان واضحاً وحاسماً منذ البداية حيث اعتبر الصهيونية والشيوعية والنازية أمراض يجب محاربتها واعتبارها عدوا للإنسانية. ولم يدرك المثقفون المصريون خطر الصهيونية إلا بعد قيام إسرائيل ولكن الحكومة لم تهجر اليهود المصريين إلى إسرائيل.
وكم كان عدد اليهود الألمان إجمالاً؟ ولماذا قبلت ألمانيا المهزومة أحكام محاكم نور مبرج كما قبلت الرواية الانفرادية لأعداء ألمانيا. وهل كان قبولها دفع التعويضات ثمن الهزيمة التي حصلتها إسرائيل باسم الدول الحلفاء؟
المسألة الثانية هي أعاجيب العلاقات الإسرائيلية الألمانية وهي ثمانية على الأقل.
الأعجوبة الأولى: القبول بإسرائيل وكيلاً عن يهود ألمانيا ويهدد العالم، ما هو السند القانوني لأهلية إسرائيل وجدارتها بتحصيل التعويضات ولماذا قبل الألمان الابتزاز الإسرائيلي؟
الأعجوبة الثانية: هي قبول ألمانيا للمشروع الصهيوني ودعمه الدبلوماسي والمالي والعسكري.
الأعجوبة الثالثة: اعتراف ألمانيا كلها بأنها تتحمل مسؤولية نظام هتلر وتقبلت دفع تعويضات دون جدال في صحة الهولوكوست وكيف قبلت أهلية إسرائيل لتلقي تعويضات يهود ألمانيا وهل كانت ألمانيا ضائعة في المؤامرة الصهيونية على فلسطين. وما دخل فلسطين حتى تتحمل أخطاء ألمانيا. ألا تستحق ألمانيا دعوى أمام المحاكم الألمانية لكشف المستور ولماذا لم تنشر ألمانيا وثائق هتلر واليهود.
الأعجوبة الرابعة: إذا كانت ألمانيا قد اعترفت بأنها أبادت اليهود الألمان فلماذا تساعد أحفاد الناجين من المحرقة في إبادة غزة ولماذا طلبت التدخل مع إسرائيل في قضية الإبادة؟
الأعجوبة الخامسة: تعلم ألمانيا اتفاقية الإبادة ظهرت لإدانتها رسمياً في القانون الدولي ولكي تغطي أحكام المحاكم العسكرية التي يفرضها المنتصر عادة على المهزوم؟ وهل عمدت ألمانيا إلى التغطية على التواطؤ مع إسرائيل في إبادة اليهود أو لإرضاء إسرائيل حتى لا تفضح ألمانيا وأفعالها ضد المواطنين الألمان اليهود.
ولذلك استفز سلوك ألمانيا التي لم تكتفِ بإبادة اليهود وإنما تريد أن تشبع نهمها في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، لعل المشاركة في إبادة الفلسطينيين يشبع هذا النهم وهذا ما استفز كوستاريكا فأقامت دعوى في أول مارس ضد ألمانيا أمام المحكمة فتدخل ألمانيا خصما ومتهما بالإبادة فتعطي المحكمة من قرارها المرتقب حول قبول أو رفض لطلب الألماني بالتدخل.
الأعجوبة السادسة: هي أن ألمانيا قدمت أولاً لإسرائيل على سبيل الابتزاز ثم تقدمت لدعم حملة الإبادة الإسرائيلية وربما هذا ما ينفي عن الأموال والأسلحة الألمانية الابتزاز حتى تظل إسرائيل تخفى أسرار العلاقة مع إسرائيل. على أن الضغط الأمريكي على ألمانيا حتى تدفع لإسرائيل لا يفسر سلوك ألمانيا الإجرامي مع إسرائيل وكيف أن البرلمان الألماني لا يستجوب الحكومة حول هذا السلوك الشائن. وربما استغلت ألمانيا هيمنة أمريكا على العالم العربي حتى لا ينتقم من ألمانيا كما حدث في الستينيات من القرن الماضي عندما اعترفت ألمانيا الغربية بإسرائيل عام 1965 فقطعت مصر والدول العربية علاقاتها بألمانيا الغربية يوم أن كانت مصر تقود العالم العربي وتدافع عن القضايا العربية.
الأعجوبة السابعة: هي أن إبادة ألمانيا لليهود الألمان لم يجد تحدياً قضائياً أو شعبياً ضد الحكومة الألمانية. ثم أن ألمانيا ليس لها رواية رسمية للمحرقة وأنها قبلت أن تعاقب بإعدام بعض قادتها دون أن تبرر الجريمة أو ترفعها، وتعلم الحكومة يقيناً أن الرواية اليهودية من طرف واحد والمفروض أن ألمانيا تعلق عليها. ورغم ذلك دعمت ألمانيا حملة الإبادة الإسرائيلية علنا مع العلم أن جريمة الإبادة تنفذ وتوثق على الهواء. ورغم ذلك أصرت إسرائيل على إنكار التهمة، فلما فشلت في التعتيم على السلوك الإجرامي، فإن فريقها القانوني حاول أن ينشر الشك حول نية الإبادة لدى إسرائيل. وسوف نخصص مقالاً بمظاهر وإثبات نية الإبادة فلدنيا عشرات الأدلة والقرائن التي تقطع بخطة الإبادة المتعمدة.
وقد فصلنا الفرق الساطع بين هولوكست لليهود الألمان وهولوكوست غزة المتواضع عام 2008- 2009 في أول عملية إبادة غزة وهولوكوست غزة في المرحلة الأولى لا يقارن بهولوكوست غزة بعد 7 أكتوبر 2023 سواء من حيث عدد القتلى أو مدة حملة الإبادة وكأن الحلقة الأولى كانت تجربة بدليل أن عدوان2012 الأقسى من 2008 ثم 2014 تصاعداً في الهولوكوست.
الأعجوبة الثامنة: إذا كانت إسرائيل واثقة من أهليتها لتحصيل التعويضات عن اليهود الألمان وواثقة من أن اتحاد الدين يمكن الاعتماد عليه بأمان للمطالبة، وإذا كانت إسرائيل واثقة من رواية الهولوكوست اليهودي فلماذا لم ترفع دعوى أمام المحكمة العالمية لمحاكمة ألمانيا لانتهاكها لاتفاقية الإبادة التي عمل اليهود على صياغتها وكانت إسرائيل أول المنضمين لها؟
المسألة الثالثة هي إعادة النظر في أسطورة الهولوكوست خاصة بعد حملة الابادة للشعب الفلسطيني.
المسألة الرابعة هي إعادة النظر في مصطلح الشعب اليهودي، أما الشعب الفلسطيني فهو حقيقة اجتماعية.
المسألة الخامسة: أساس شرعية إسرائيل وزيف عضويتها في الأمم المتحدة فهي ليست دولة ولا محبة للسلام ولا قادرة على خدمته ولا راغبة فيه وسجل إسرائيل عامر بتأكيد ذلك.
مصدر الصورة: الشرق الأوسط.
إقرأ أيضاً: التقابل بين مشروع “هرتزل الصهيوني” و”هرتزل العربي”
السفير د. عبدالله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر