فراس الراعي*

“إن روسيا تحتفظ بعلاقة وثيقة مع اليهود السوريين، كما نساعدهم في ترميم المعابد اليهودية”. هذا ما قاله الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في مؤتمر صحفي جمعه مع رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، في بودابست، في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019، والمستغرب بأن الصحفيين والمحللين السياسيين لم يقفوا عند هذا التصريح ليكتشفوا خلفيته ويقوموا بتحليله.

هذا ما دعانا للتساؤل عما الذي يريد أن يشير له الرئيس بوتين بالضبط عندما تحدث عن التعاون مع اليهود السوريين ومساعدتهم؟ هل يوجد في سوريا حقاً مجتمع يهودي فاعل؟ وكيف تتعاون روسيا بالفعل مع هذا المجتمع؟

الوساطة الروسية: بين إسرائيل وسوريا

 إذا فرضنا أن روسيا تقدم مساعدات بالفعل، فمن المؤكد أنها تقوم بذلك بالتنسيق مع حليفها “النظام السوري” وهذا ليس مستبعداً. لماذا؟ لأن روسيا كانت وسيطاً بين الحكومة السورية وإسرائيل المحتلة في أكثر من حدث.

ففي أبريل/نيسان العام 2019، أعادت روسيا رفات الجندي الإسرائيلي، زكاري بوميل، الذي أُعلن عن فقده بعد معركة السلطان يعقوب في لبنان، العام 1982. وجاء في بيان وزارة الدفاع الروسية “سلمت روسيا رفات جندي كتيبة الدبابات الإسرائيلية، زكاري بوميل، الذي كان مفقوداً منذ أكثر من 37 عاماً للجانب الإسرائيلي، وقد تم تسليم رفات العسكري الإسرائيلي اليوم في وزارة الدفاع الروسية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لدفنه من قبل الأقارب في وطنه الأم.”

وفي العام 2016، أعادت روسيا أيضاً دبابة شاركت في المعركة ذاتها كانت قد استولت عليها سوريا، حيث ذكرت صحيفة “كوميرسانت” الروسية أن روسيا ستعيد لإسرائيل دبابة لها كان الجيش السوري قد غنمها في الثمانينات. وجاء في بيان للمكتب الصحفي في الحكومة الإسرائيلية وقتها “بأوامر من الرئيس بوتين الذي استجاب لطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ستقوم روسيا بإعادة الدبابة التي خسرها الجيش الإسرائيلي في المعارك قرب السلطان يعقوب.”

الهجرات اليهودية من سوريا

إن عدد اليهود الباقين في سوريا غير معروف منذ موجة الهجرة الأخيرة، العام 1994، والتي بدأت عقب قرار الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، بالسماح لليهود بمغادرة سوريا بعد “مؤتمر مدريد” للسلام. ووفقاً للقانون السوري، فإن التعداد السكاني لا يقدم تقاريراً عن الإنقسام العرقي.

وفي العام 2013، إنتقل بعض يهود دمشق، الذي يقدر عددهم بحوالي الـ 1200، إلى مدينة بانياس في محافظة طرطوس والقامشلي بعد تدمير الكنيس الكبير في حي جوبر إثر الحرب. وبحسب موقع منظمة “جيمينا” على الإنترنت والتي تعنى بالحفاظ على تاريخ وتراث اليهود الأصليين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مقر‌ها في سان فرانسیسكو – کالیفورنيا، فإن الهجرات اليهودية من سوريا بدأت منذ العام 1850، حيث غادر اليهود سوريا إلى مصر، وفي وقت لاحق إلى انكلترا.

تاريخياً وفي العام 1908، وصل سيل كبير من اليهود السوريين إلى نيويورك، حيث تعيش فيها اليوم أكبر جالية يهودية سورية. وبحلول العام 1943، كان هناك 30 ألف يهودي يقيمون في سوريا، ومعظمهم في حلب. ومع ذلك وفي محاولة لإحباط الجهود الرامية لإقامة وطن قومي لليهود، قيدت الحكومة السورية الهجرة إلى إسرائيل، وأحرقت وصادرت الممتلكات العائدة لهم، وجمدت حسابات مصرفية عائدة لأبناء الطائفة. وبسبب الخوف، هرب حوالي 7 آلاف يهودي من حلب، وأصبح الوضع السياسي والإقتصادي عدواني بصورة أكثر عندما تمت إقالتهم جميعاً من جميع المناصب الحكومية مما أدى إلى مغادرة 15 ألف يهودي سوري. وفي العام 1994، تم إخراج 1262 يهودي في عملية سرية كانوا قد مُنعوا سابقاً من مغادرة سوريا وجلبهم إلى إسرائيل.

المسيحيون رافعة سياسية

إن تصريح الرئيس بوتين بدعم اليهود ومساعدتهم لا ينفصل عن الرعاية الدينية للأقليات غير المسلمة ففي ذات المؤتمر قال “إن وضع المسيحيين في الشرق الأوسط مأساوي ويعانون من القمع والإغتصاب والنهب، وأن روسيا تبحث عن طرق لحماية المسيحيين من المضايقات”، ولهذا الغرض إجتمع مع الجاليات المسيحية على هامش زيارته لدولة المجر.

هل نحسب هذا الموقف من الرئيس بوتين إيثاراً خالصاً، فهو لم يتأثر على مدار سنوات تورط روسيا العسكري في سوريا بقتل المدنيين من أية ديانة، لكن حماية المدنيين المسيحيين، الذين يشكلون نحو 16% من عدد سكان سوريا، وهي بالنسبة له رافعة سياسية مهمة يمكن أن تكون مفيدة عندما تتفاوض الأطراف على حل دبلوماسي لإنهاء الحرب في سوريا، ومن المتوقع أن يتم منحهم تمثيلاً سياسياً مناسباً بعد صياغة الدستور السوري الجديد.

الإنجيليون الأمريكيون ومخاوف بوتين

تراقب موسكو عن كثب الإحتجاجات المسيحية الإنجيلية في الولايات المتحدة ضد قرار الرئيس دونالد ترامب بإنسحاب القوات العسكرية من سوريا، حيث حذر القادة الإنجيليين ، مثل بات روبرتسون وتوني بيركنز وفرانكلين جراهام، الرئيس ترامب من أن هذه الخطوة يمكن أن تؤدي إلى إنقراض المسيحيين في المنطقة، الذي قد يؤدي إلى فقدانه “تفويض السماء”، كما قال روبرتسون. ومن المعلوم أن الإنجيليين كانوا قوة رئيسة في فوز الرئيس ترامب، في إنتخابات العام 2016، حيث صوت 81% منهم لصالحه، بحسب الإحصاءات.

قد تخشى روسيا أن يدفع هذا النوع من الضغط الرئيس ترامب إلى عكس قراره، وزيادة عدد القوات الأمريكية في سوريا، وربما هذا ما دفع الأول إلى أن يضع المسيحيين على رأس جدول أعماله في مؤتمر بودابست.

ختاماً، تذكرنا دبلوماسية بوتين الدينية بالسياسات، التي تبنتها فرنسا وبريطانيا في القرون الماضية، عندما وسعت نفوذها عبر المجتمعات غير المسلمة في الإمبراطورية العثمانية من خلال الادعاء بأنها تحمي الأقليات، عامة، والمسيحيين، خاصة.

*كاتب سوري

مصدر الصور: الجزيرة – النهار.

موضوع ذو صلةشراء الكنائس في أوروبا: الصلاة خير من النوم