حوار: سمر رضوان

إن الوضع في ليبيا كما هو معروف، ومنذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في العام 2011 بواسطة الناتو وبمباركة وطلب من الجامعة العربية، والتدخلات الأجنبية موجودة على أرضها بحيث أصبحت ساحة لكل مخابرات العالم ولجميع مسميات التنظيمات الإرهابية التي تعيث فساداً فيها.

حول آخر تطورات الأزمة الليبية بعد رفض المشير حفتر التوقيع على إتفاق الهدنة في موسكو وقبيل إنعقاد قمة برلين والدور التركي وموقف الجزائر، سأل مركز “سيتا” الأستاذ أحمد كروش، الخبير الأمني الجزائري والمراقب الأممي السابق في بعثة الأمم المتحدة للسلام، عن هذه الملفات.

حراك مكثف

إن التدخلات الدولية أيضاً جعلت من ليبيا ساحة تصفية حسابات بين دول إقليمية عن طريق “الحرب بالوكالة”، لجهة التسليح ودعم طرف ضد آخر والدعم اللا محدود بالرغم من وجود قرار من مجلس الأمن يمنع تسليح أي طرف من ليبيا. كما ظهر العداء المستشري بين الأطراف خاصة العداء التقليدي الأيديولوجي بين جماعة الإخوان المسلمين والداعمين لهم، تركيا وقطر، والمحور المعادي، المتمثل في كل من مصر والإمارات والسعودية، إلى جانب أطراف دولية أخرى.

بعد هجوم المشير حفتر على طرابلس ومشارفتها على السقوط في يد الجيش الوطني الليبي، ثارت ثائرة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وطلب من البرلمان تشريع قانون يسمح له بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، الذي شجبته دول العالم، لتبدأ الآلة الدبلوماسية بالتحرك من أجل منع حدوث ذلك.

فما كان من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو الخبير بمطامع الرئيس التركي، إلا أن عرض عليه فكرة إيقاف النار برعاية روسية – تركية كما الحالة السورية، وعبر وجود آلية لمراقبة وقف إطلاق النار وتسيير دوريات مشتركة بين البلدين؛ في هذه الحالة، يصبح التواجد التركي العسكري مقبولاً دولياً.

برأيي، أظن أن اللواء حفتر، ومن خلفه داعميه، تفطنوا إلى هذه الحيلة إذ أنه لم يوقع على اتفاق وقف إطلاق النار وعاد الى ليبيا، لتظهر ردة فعل الرئيس التركي الغاضبة، الذي وصفه بأبشع الأوصاف وهدد بإرسال قوات إلى ليبيا. ربما كان ذلك استباقاً لـ “مؤتمر برلين” لتنتقل “الحرب بالوكالة” بين الأطراف الداعمة إلى “الحرب بالأصالة”، أي أننا سوف نشهد اشتباكات بين جيوش أجنبية على أرض ليبيا، وهو ما سيعقد الحل ويزيد في تضخيم الأزمة ومأساة الشعب الليبي، بالإضافة إلى أنه سيمون عبئاَ إضافياً على دول الجوار.

الموقف الجزائري

إن موقف الجزائر واضح وثابت، منذ اندلاع الأزمة في ليبيا، فهي لم توافق على ضربها كما أنها لم تدعم أي طرف ضد طرف، لا سياسياً ولا عسكرياً ولا استخباراتياً ولا بأي شكل من الأشكال، فمقاربتهاً كانت تقول دائماً بأن الحل يجب أن يكون سياسياً ويشارك فيه كل اللبيبين دون إقصاء. فعندما زار فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي وكذلك وزير خارجية تركيا، الجزائر سمعا الطرح نفسه، معتبرة أنها ضد وجود أية قوات عسكرية أجنبية على أرض ليبيا من أي دولة كانت، كما أنها ضد الهجوم وإسقاط العاصمة طرابلس من أية قوة كانت. هذه الموقف هو ما تتميز بها الجزائر بين جميع الأطراف في ليبيا سواء على المستوى الرسمي من الأطراف المتحاربة في ليبيا، أو على المستويين الشعبي والقبلي لأن هناك عشائر وقبائل متداخلة بين البلدين وهي تحظى بإحترام الجميع.

إن الرد الجزائري، بحسب ما أرى، سوف يتوقف على الدبلوماسية من خلال التأثير على أطراف دولية، وهي لن تكون في أي محور من محاور الصراع، وأن الحدود الجزائرية – الليبية معززة، والجزائر تعايشت مع هذه الوضعية ومع الأمن الهش في ليبيا لمدة ثماني سنوات؛ ورغم إشتعال المنطقة، بقيت حدود الجزائر آمنه بفضل جيشها والجبهة الداخلية الرافضة لأي تدخل أجنبي.

ترابط الملفات

عند النظر إلى توقيت اقتراح وقف إطلاق النار من الطرفين الروسي والتركي، نرى أنه جاء متزامناً مع اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب السورية. من هنا، يمكننا القول إن موسكو أرادت إخراج أنقرة، والرئيس أردوغان تحديداً، من المأزق الذي وضع نفسه فيه مقابل تنازلات مع دمشق.

فإذا رجعنا إلى كل اتفاقات إطلاق النار بين روسيا وتركيا بيما يخص الشأن السوري، نرى أن هناك آلية للمراقبة والإشراف مشتركة؛  فتركيا هي من تمون على التنظيمات الإرهابية المقاتلة في سوريا، وهي من كانت تضمن وقف إطلاق النار من جانبهم أو انسحابهم إلى الأماكن المتفق عليها.

أعتقد أن الطرفان اتفقا كذلك على إحداث آلية مراقبة إطلاق النار مشتركة في طرابلس تتيح لتركيا إدخال قوات عسكرية كقوة مراقبة وإشراف لعملية وقف إطلاق، وبمباركة من المجتمع الدولي؛ لكن عدم توقيع المشير حفتر على الإتفاق أربك الموقف التركي وذهب إلى التصعيد مرة أخرى.

قمة برلين

لست متفائلاً بنتائج “مؤتمر برلين” خاصة بعد النكسة التي شهدتها لقاءات موسكو وفشل عملية التوقيع على وقف إطلاق النار والذهاب إلى هدنة طويلة الأمد، لتعطي دوراً أكبر للدبلوماسية من أجل عقد مؤتمر ليبي جامع يتفق فيه الليبيون على حل سياسي يرضي الجميع ويفضي إلى تشريع دستور وانتخابات برلمانية ورئاسية، خاصة وأن القائمين على تنظيم المؤتمر أقصوا دول فاعلة وجارة لليبيا ويهمها الشأن الليبي، بينما نجد أن دولاً بعيدة ستحضر المؤتمر.

برأيي، حتى لو إنعقد المؤتمر تحت إشراف من الأمم المتحدة، فهناك قرارات من مجلس الأمن تخص ليبيا لم تطبق وتم خرقها من دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، حسب تصريح ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا.

لقد إعتاد الرئيس أردوغان على خلق سياسة الأمر الواقع، يخلق بؤرة توتر ثم يفاوض عليها والأمثلة عديدة في الشمال السوري، خصوصاً وأنه لديه الكثير من أوراق القوة في وجه الإتحاد الأوروبي، ومنها التهديد بفتح الباب أمام اللاجئين السوريين؛ والآن، ربما يضيف إليهم اللاجئين اللبيين والأفارقة، أضافة ألى أنها يعد “الإبن المدلل” لدى حلف الناتو، الذي لا يمكنه الإستغناء عن دور أنقرة في المنطقة.

مصدر الصورة: شبكة أبو ظبي الإخبارية.

موضوع ذو صلة: إياناريلي: السياسات الأوروبية رهن بالأميركية.. وإيطاليا فقدت دورها في ليبيا