السفير د. عبدالله الأشعل*

ذكر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أمام الجامعة العربية ومجلس الأمن عقب الإعلان عن “صفقة القرن” أن إسرائيل اعترفت بالشعب الفلسطيني ضمن “وثيقة الإعتراف المتبادل” بين الطرفين، التي وقعها رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين عن إسرائيل وعن الجانب الفلسطيني الرئيس الراحل ياسر عرفات – أبو عمار في نفس الجلسة التي عقدت بالبيت الأبيض يوم 13 سبتمبر/أيلول 1993 والتي ربطت فيها إسرائيل بين توقيع هذه الوثيقة وبين توقيعها على “إتفاق أوسلو”، إعلان المبادئ.

لقد ظل الطرف الفلسطيني يعتبر كلاً من الإتفاق ووثيقة الإعتراف “كسباً كبيراً” للقضية على الرغم من أنه كان يجب أن يدرك أنها من أهم محطات المشروع الصهيوني التي حققت منها إسرائيل خمسة مكاسب؛ المكسب الأول، الحصول على اعتراف الرئيس عرفات، بصفته رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، بإسرائيل اعترافاً غير مشروط بعد أن تطوع الفلسطينيون واعترفوا بقرار التقسيم، فيما لم تعترف إسرائيل في المقابل بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني على أرضه. المكسب الثاني، إستقدام الرئيس عرفات من منفاه في تونس لكي يكون تحت سيطرتها المباشرة في رام الله وبعد أن غيرت “أوسلو” لقبه من رئيس للمنظمةchairman – إلى رئيس للسلطة – President. المكسب الثالث، ضمانها لشق الصف الفلسطيني، لأن حركة “حماس” التي نشأت في العام 1987 أي قبيل إتفاق “أوسلو” بستة أعوام، فأصبح الصراع حول “أوسلو” سبباً فى الشقاق بين الإخوة. المكسب الرابع، وظفت إسرائيل رئيس السلطة ورهنت وجوده بخدمة أمنها، فيما عرف بالتنسيق الأمني ضد المقاومة التى صارت إرهاباً. المكسب الخامس، تمزيق إتفاق “أوسلو” للصف العربي المتراجع أصلاً، بل إن إسرائيل بإصرارها على أن يشهد الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، والرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، وملك الأردن الراحل، حسين بن طلال، مع الرئيس عرفات على إتفاق “أوسلو” كضمانة لها بأن السلطة ستنفذ ورقة نسيتها إسرائيل قبل توقيعها.

والسؤال هنا: لماذا تمرد الرئيس عرفات على وضعه في “أوسلو” حيث تم التخلص منه بعد تحديد إقامته وانعقاد قمة بيروت – 2002 بدونه، حيث اعتمدت المبادرة السعودية للسلام التي كانت أحد محطات “صفقة القرن”؟

أما بالنسبة إلى مكاسب الجانب الفلسطيني فيمكن القول بأنها “أوهام موعودة” لا يصدقها تاريخ المكر الصهيوني. لقد أدرك الرئيس عرفات أدرك حجم الكارثة متأخراً، وأنه محاط بما لا يملك الفكاك منه. أيضاً، نسيت إسرائيل “أوسلو”، الذي بات لغماً بين السياسات والقوى الفلسطينية، وأحدثت شقاقاً لا يزال قائماً. وما يجب ذكره هنا بأنها هي المسؤولة عن إنتخابات العام 2006 وتفرُّد حركة “حماس”، وجذب السلطة لمناهضة المقاومة بزعم أن الحركة قامت بإنقلاب عسكري على سلطة شرعية ومصدر شرعيتها إسرائيل.

بين القاهرة ونيويورك، تغير خطاب الرئيس أبو مازن أمام مجلس الأمن عنه أمام وزراء الخارجية العرب من الإتفاق، فأكد من نيويورك اعترافه بإسرائيل وبأوسلو بكل تفاصيلها والتفاهمات التى تمت على هامشها. يبدو أن سبب التراجع هو تلمسه بقدرة واشنطن على إحلاله، وبكل سهولة، بآخر يقبل ما يرفضه ليكون هو “الشريك الجديد” في عملية تصفية التركة الفلسطينية، فغلب عليه حب البقاء ضمن المشهد بدلاً من الإختفاء المجاني منه وربما سيلقى مصير الرئيس عرفات.

أكذوبة الإعتراف المتبادل

أدرك الرئيس عرفات أنه اعتراف بإسرائيل بغير شروط، وأنها الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك حدوداً ثابتة لأنها رهنت تحديدها وتركتها تتحدد بحسب قوتها وقدرتها على قهر جيرانها، وبالطبع فقد تجاوزت تماماً “قرار التقسيم”.

ويبقى السؤال المحوري هنا: فهل اعترفت إسرائيل حقاً بفلسطين أو بحقوق الفلسطينيين في الوثيقة السابقة مباشرة على “إتفاق أوسلو”؟

لم تعترف إسرائيل بفلسطين أو بحقوق الفلسطينيين، كما أن الرئيس عرافت لم يتحفظ في المقابل بأنه يعترف بإسرائيل بشرط اعترافها بحقوق الفلسطينيين، فهي لن تقدم على ذلك لأن المشروع الصهيوني يريد كل فلسطين، خصوصاً وأن الإتفاق قد صيغ بدقة حتى لا يصادر حركة إسرائيل مستقبلاً في فلسطين، حيث أشار إلى أنها تعترف فقط بـ “منظمة التحرير” كممثل وحيد للشعب الفلسطيني بمفهوم واحد وهو أن الرئيس عرفات وحده يمثل الفلسطينيين، وأن هذا يعزز قيمة اعترافه بإسرائيل.

وما يمكن ذكره هنا أن إسرائيل، رغم ضعف الجانب الفلسطينى وفرضها الأمر الواقع عليه بقوتها، تحرص على اعتراف الضحية بالجلاد لأنها تعلم يقينا أنها حائزة وليست مالكاً، وأن شرعيتها الزائفة مرهونة بإعتراف الضحية بها. فلا قيمة لإعتراف العالم كله بها ما دام الطرف الفلسطيني، وهو المخول قانوناً بالتصرف، حجب الإعتراف عنها؛ بل إن هاجس الإعتراف يسيطر على “اللص” الصهيوني، الذي يحرص على أن يورد الإعتراف كأول التزام على أي طرف عربي، خاصة مصر، وهو ما نصت عليه معاهدة السلام في “كامب ديفيد”.

لهذا السبب، إشترطت إسرائيل على الرئيس عرافات أن يوقع أولاً على وثيقة الإعتراف، التي سميت خطأ وللتغطية الإعتراف المتبادل.

إن كل ما قدمته إسرائيل في الوثيقة هو الإعتراف بأن المنظمة هي وكيل مفوض بالتعاقد عن التصرفات لأغراض الإعتراف بها حتى لا يشكك أحد في أهلية المنظمة بمثل هذا التصرف، فيما قصرت الوثيقة اعتراف إسرائيل بالمنظمة كمتحدث ومتعاقد بإسم الشعب الفلسطينى حتى تعزل حركة “حماس” وكل فصائل المقاومة الرافضة لهذا التنازل المجاني.

*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.

مصدر الصورة: المركز الفلسطيني للإعلام.

موضوع ذا صلةقراءة في خطاب الرئيس الفلسطيني أمام مجلس الأمن