د. نواف إبراهيم*

تحول العالم بسرعة هائلة إلى قرية كونية صغيرة بفعل التطور الهائل في وسائل الإتصال ونقل المعلومات بكافة أشكالها المرئية والمقروءة والمسموعة، وهنا بدأت مرحلة جديدة يصعب على البشر التأقلم معها بسرعة كبيرة تتناسب مع سرعة انتشارها وتطورها في زمن الثورات التكنولوجية ونقل الأحداث من كل بقاع الأرض إلى كل أطرافها وزواياها.

من هنا، يدرك المرء إلى أي حدث بات الإعلامي يلعب دوراً أساسياً ومحركاً هاماً في تفاصيل الحياة اليومية لأنه بات “الحلقة الذهبية” التي توصله بهذا العالم الشاسع على بعد مسافاته وحتى أقربها، بل بات الإنسان يعرف أخبار أقرب الناس إليه وبسرعة كالنار في الهشيم عن طريق وسائل الإعلام وخاصة مواقع التواصل الإجتماعي، كـ “الفايسبوك” و”الواتساب” و”الفايبر”، على صغرها وصغر أهميتها ليتسع الصحن ويتابع الأخبار العالمية عن طريق مساعدة الوسائل الأخرى، كالتلفاز والمذياع وغيره.

لذلك، نرى أن وسائل الإعلام باتت بالفعل الركيزة الأساسية أو العمود الفقري الذي من خلاله يمكن تشكيل الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي على اختلاف أجناسه وقومياته وآرائه واتجاهاته وتوجهاته السياسية والإجتماعية والدينية وحتى الثقافية، إذ بات العام محاصر تماماً بشبكة تصور للبشر كل حركة تحدث على وجه البسيطة وحتى خارجها.

لذا يمكننا أن ندرك أهمية الإعلام وأهمية الدور الذي يلعبه في تأسيس الرؤى عند العامة وكيف يتم إرساله من المرسل وكيف يتم استقباله من المرسَل إليه وكيف يتعامل معه في ظل الظروف والتغيرات الراهنة على وجه الكرة الأرضية. بالطبع، إنها مسألة شائكة ومعقدة تحتاج إلى الكثير من العمل والتفكير في كيفية استغلالها الإستغلال الصحيح والأمثل والذي من خلاله يمكن استثمار المعلومات والأخبار في محاكاة شرائح البشر والتقريب فيما بينها ودعم حوار الحضارات والثقافات بدل من السير في طريق تدمير البشرية، وخلق الآفات التي تفتك في علاقات البشر على أسس واهية لم ينزل بها الله سبحانه وتعالى من سلطان، بدل من أن تخدم أهداف ومصالح أشخاص وجهات ليس لها هدف سوى حماية مصالحها بغض النظر عما يجري من قتل وتدمير وتفكيك المجتمعات وإشعال الفتن والحروب.

من هنا، بات الإعلام شر وخير لا بد منهما. لكن السؤال الذي يبحث عن نفسه لجواب هنا هو: من هي الأيدي والعقول التي تديره ولصالح من؟ وإلى متى؟!

*إعلامي وكاتب سوري.

مصدر الصورة: جريدة النهار.

موضوع ذا صلة: عولمة الإعلام وآثارها على تكوين هوية ما بعد الحداثة