إعداد: مركز سيتا

تسبب “سد النهضة”، الذي سيصبح بعد إنجازه أكبر مصدر للطاقة الكهرمائية في أفريقيا، بتوتر بين أديس أبابا والقاهرة منذ أن بدأت إثيوبيا العمل على تشييده في العام 2011، إذ يثير السد مخاوف مصر لجهة حصتها من مياه النيل. وعلى الرغم من انشغال دول العالم بمكافحة وباء “كورونا”، بقي الملف حاضراً لما يشكله من هاجس للدول الثلاث المعنية به، وهي السودان ومصر وأثيوبيا.

إلى الآن، يبدو أن مصر لم تستقر على طريقة لإدارة هذا الملف المعقد، خاصة بعد فشل المفاوضات التي رعتها الولايات المتحدة لتقريب وجهات النظر بين القاهرة وأديس أبابا بشأن فترة ملء بحيرة السد خلال السنوات المقبلة. يأتي ذلك في ظل وصول العملية الإنشائية إلى مراحلها الأخيرة، والإعلان الأثيوبي عن بدء تخزين المياه في السد ابتداءً من الصيف المقبل (2020)، بالتزامن مع موسم الفيضان.

جولات مصرية

خلال شهر مارس/آذار الماضي (2020) وعلى مدار أكثر من أسبوعين، قام وزير الخارجية المصري، سامح شكري، بزيارات عديدة خاصة إلى دول عربية وأفريقية وأوروبية، في محاولة لتحقيق مهمة الحشد الدولي لدعم موقف بلاده فيما يتعلق بالأزمة، إذ حط الوزير شكري في الدول الشريكة في حوض النيل، لشرح وجهة النظر المصرية، وسط وجود دعم واضح وقوي للموقفه مع ترجيح مساندة مصر، في حال اللجوء إلى الاتحاد الأفريقي، وهي الخطوة التي يتوقع الإعلان عنها رسمياً لاحقاً.

أما التحول المهم الذي سعت مصر إلى احتوائه، خلال الفترة الماضية، هو الموقف السوداني الذي أظهر تحفظاً مُعلناً على بيان الجامعة العربية، بالإضافة إلى عدم دعم المطالب المصرية بشكل واضح، وهو تحول كان متوقعاً حتى وإن جاء في ظل التقارب السوداني، نظام ما بعد الرئيس عمر البشير، مع أديس أبابا خاصة خلال فترة المفاوضات بين القوى المدنية والمجلس العسكري.

فلقد كان من المتوقع أن توقع مصر والسودان وإثيوبيا على اتفاق، في العاصمة الأمريكية – واشنطن، الشهر الماضي مارس/آذار (2020)، بشأن ملء خزان “سد النهضة”، الذي تبلغ تكلفته أربعة مليارات دولار، وتشغيله لكن إثيوبيا تخلفت عن الإجتماع فيما وقعت مصر فقط على الإتفاق بالأحرف الأولى.

الموقف السوداني

خلال اللقاءات والإتصالات التي جرت، سواء زيارة مدير المخابرات المصرية عباس كامل إلى الخرطوم أو زيارة النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الإنتقالي السوداني محمد حمدان دقلو – حميدتي إلى القاهرة، والإتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس المجلس الإنتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، استقرت في النهاية على ترشيح رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، للقيام بدور الوساطة بين الرئيس المصري ورئيس الوزراء الأثيوبي، آبي أحمد.

هذا وقد أبلغ البرهان السيسي، في إتصال هاتفي، وقوف بلاده إلى جانب المطالب المصرية، وعدم إضرار السودان بالحصة التاريخية لمصر من مياه النيل، فيما سيقوم حمدوك بمتابعة جهود الوساطة خلال الأيام المقبلة، أملاً في التوصل إلى رؤية مشتركة لحل الأزمة.

في تصريح خاص لمركز “سيتا“، قال الباحث السوداني، إبراهيم ناصر، إن “زيارة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، التي كانت قبل حوالي أسبوع، إلى العاصمة الأثيوبية – أديس أبابا، كان في المقام الأول بشأن الخلافات الحدودية بين أثيوبيا والسودان، إضافة إلى مسألة سد النهضة.”

ويضيف إبراهيم، “أن مصرصعدت من لهجتها حيال موضوع السد، حيث كان هناك مسعى لإستهدافه من قِبل الجانب المصري، لكن ولسبب ما تم إحتواء الأزمة. في هذا الوقت، عرض الوزير حمدوك الوساطة بين مصر وأثيوبيا، وذلك بطلب من الولايات المتحدة، وتحديداً من وزير الخزانة الأمريكي. من هنا نستطيع التأكيد بأن غرض زيارة حمدوك إلى أديس أبابا هو إحتواء أزمة سد النهضة.”

إستئناف المفاوضات

من المتوقع أن يكون هناك توصل إلى رؤية مشتركة تضمن المصالح المائية للدول الثلاث. يأتي ذلك فيما كان السودان قد اتفق على شراء كميات من الكهرباء التي سيولدها السد من أجل تأمين العجز الكهربائي لديه في الجنوب.

في هذا الشق، يرى العديد من المحللين بأنه ومنذ البدء بعملية إنشاء السد، في العام 2011، يقف السودان موقفاً أقرب إلى الحياد ظاهرياً، إلا أنه منحاز إلى أثيوبيا في الباطن لا سيما وأن الخرطوم لم توقع بالأحرف الأولى على الإتفاقية التي جرى التوصل إليها في مفاوضات واشنطن، نهاية الشهر الماضي، والتي انسحبت منها أثيوبيا، متذرعة بعدم القدرة على التوقيع قبل الإنتخابات المقبلة.

سيناريو متوقع

إن السيناريو الأقرب، في الوقت الحالي، هو تأخر عملية الإنتهاء من بحيرة السد، بما يعوق البدء في التخزين خلال الصيف المقبل؛ وبالتالي، يجري إرجاء الأمر إلى صيف 2021 ما يفتح مجالاً للتفاوض، بشكل أكبر، خلال الأشهر التي تلي موعد الإنتخابات المحلية، في نهاية آب/أغسطس المقبل (2020).

على الجانب الآخر، يبدو أن مصر تستعد لسيناريوات عدة من بينها التحرك الأثيوبي المنفرد، وخصوصاً بعد حصول القاهرة على تأكيد سوداني صريح بعدم موافقة الخرطوم على البدء المنفرد بخزان البحيرة الصيف المقبل. وهو ما سيعلن عنه بشكل واضح في المحافل الدولية، حال تصعيد الأزمة التي تم إرجاء الحديث فيها إقليمياً حتى إشعار آخر، بسبب تطورات فيروس “كورونا” وانتشاره.

أخيراً، إن أزمة “سد النهضة” لن تفضي إلى حل مرضي للدولة المصرية في ضوء إصطفاف واشنطن وتل أبيب مع أديس أبابا بشكل واضح، بينما السودان يميل بين الطرفين دون أن يحسم موقفه بشكل واضح على الرغم من تضرره هو الآخر من هذه المسألة. قد تكون الجائحة العالمية عطلت موعد إنفجار “قنبلة” السد، لكن صمام الأمان ينتظر أحد الأطراف الثلاثة سحبه لحدوث الإنفجار الكبير والذي قد يكون مصرياً هذه المرة في ضوء الإصرار على أن أمنها المائي لا مساومة فيه.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصورة: مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.

موضوع ذا صلة: سد النهضة الإثيوبي وآثاره على مصر