د. هشام حمدان*
في الجزء الأول، تم طرح ستة مبادئ. وفي هذا الجزء، سنكمل المبادئ الخمسة المتبقية.
المبدأ السابع: دعم قضية فلسطين والقضايا العربية المحقة والمشروعة
يلتزم لبنان، وفقاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، بالقضايا العادلة، والقضايا الحقوقية العادلة للإنسان، سواء ما اتصل بلبنان، أو بالدول الأخرى المعنية من الدول المجاورة، وبصورة خاصة في فلسطين. ويمكن للبنان أن يقوم بدوره الطبيعي بهذا الصدد، ضمن آليات الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، وحقوق العضوية فيهما، وكذلك من خلال دورنا التاريخي في الدفاع عن حقوق الإنسان، ولا سيما أننا شاركنا بصياغة الإعلان الدولي لحقوق الإنسان، وصياغة شرعة المحكمة الجنائية الدولية. ولبنان ملتزم إعلان بيروت لعام 2002 بشأن تسوية القضية الفلسطينية.
المبدأ الثامن: تحقيق الإصلاحات المنشودة للبنان جديد
حصل منذ العام 1990، إثر انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء بالتالي الحرب الباردة التي أصفها بالحرب العالمية الثالثة، العديد من التحولات الكبيرة في المجتمع الدولي. لقد انهزم محور الدول الإشتراكية بقيادة الإتحاد السوفيتي، بكل استراتيجيته ومفاهيمه الإيديولوجية. وربح المحور الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة، بكل مفهومه الإيديولوجي. وعليه، قام بتطبيق هذه المفاهيم على النظام الدولي العام السياسي والإقتصادي. ومن المؤسف أن اللبنانيين لم يتابعوا هذه التحولات عن كثب. فكل المفاوضات ومشاريع الإتفاقيات بشأنها جرت ضمن دائرة مغلقة.
ورغم أننا عمدنا في السلك الدبلوماسي على تأكيد مشاركة لبنان في الإعداد لكل هذه الإتفاقيات وتابعنا التحضيرات للمؤتمرات الدولية التي رسمت آفاق العولمة، ومفاهيم النهضة، والإزدهار والتنمية في كل الدول، إلا أن الشعب اللبناني وصانع القرار ظل غائباً عنها. وعليه، يجب علينا أن نفهم أولاً، هذه التحولات، لكي يمكننا الإنخراط المفيد في محيطنا الإقليمي، والمجتمع الدولي، والدفاع المناسب عن حقوقنا، وتفعيل عملية التنمية الوطنية المستدامة في بلادنا، علماً أن التنمية المستدامة هي أيضاً، حاجة أساسية في بناء الاستراتيجية الدفاعية عن حقوقنا.
وتتطلب التنمية المستدامة، الإطلاع عن كثب على مقررات المؤتمرات العالمية التي جرت منذ العام 1990 والتي شملت الجوانب الإجتماعية، والعائلية، والبيئية، والسياسية، والإقتصادية، والأمنية، والطاقة ومفاهيم القانون الدولي، كالإتفاقيات المتعلقة بحقوق المواطن، والطفل والمرأة وكبار السن، وكافة المؤتمرات الدولية بدءاً من العام 1990.
ومن الضروري أن نشير إلى أن هذه التحولات أدت إلى إستكمال كافة أعمدة نظام “بريتون وودز” الإقتصادية من خلال إنشاء منظمة التجارة الدولية لتضاف إلى البنك الدولي للتنمية والإعمار وصندوق النقد الدولي. وعليه فإنه يجب أن ندرس بدقة أنشطة التجارة الدولية، إذ لا يمكن لنا أن نتقدم ونصبح جزءاً فاعلاً في حركة التجارة الدولية إن لم نكن أعضاء بمنظمة التجارة الدولية. وعلينا أن ندرك بأنه لا يوجد اليوم، مفاهيم للنمو، والتقدم والإزدهار والتنمية بإطار منعزل عن مجموعتنا الإقليمية، التي هي الدول العربية. وهذا يفرض تعزيز مفاهيمنا الاقتصادية التي تمكننا أن نلعب دوراً مفيداً لنا في إطار هذه المجموعة الإقليمية المهمة والغنية، والتي لها أهمية كبرى أيضاً، على المستويين الإقتصادي والمالي الدولي.
ولبنان مدرك تماماً لنظام الآلية المالية لـ “بريتون وودز” التي تشمل البنك الدولي للتنمية والإعمار الذي يقوم بمساعدة الدول النامية وغيرها من الدول التي تحتاج الى مساعدات لتطوير اقتصادها الوطني، وصندوق النقد الدولي الذي يضمن الاستقرار بالتعامل النقدي معتمداً على الدولار بعد أن تم ربط تسعير الذهب بهذه العملة. كل هذا الأمر يفترض أن نراعي في قواعدنا المالية الوطنية، هذا النظام خاصة وأن إقتصادنا “مدولر”.
بالتالي، يجب أن يكون لدينا توجه وفهم واضح، بأن نظامنا المالي يجب أن يكون في إطار منطقة الدولار dollar zone. وعليه لا يمكن أن نذهب شرقاً، أو غرباً أو يميناً أو يساراً ويجب أن نكون واضحين في هذا المجال. وغير ذلك سيتسبب بأكثر من خلل، لا بل بالإنهيار. نحن لدينا مؤسسات راسخة، وثابتة، وسبق أن بنيت في البداية بشكل مناسب. وقد تعززت اليوم مع التحولات الدولية التي حصلت، فإذا حصل خطأ في ممارسة دور القطاع المالي فهذا لا يعني تدمير النظام وإنما معاقبة المسؤول.
لنكن واقعيين. فإذا كنا سنكون بمنطقة الدولار، فهذا يعني أننا سنكون ملزمين بتنفيذ وتطبيق آليات مالية دولية، تفرضها القوانين النقدية الدولية، ولا سيما بموضوع تبييض الأموال، وبموضوع الإتفاقيات ضد الإرهاب وغيرها. لا يمكن أن نخرج خارج إطار هذا الموضوع. كما أن هذا الأمر يجعلنا نقرر بشكل سليم أين تكمن مصالحنا الفعلية في مجالات التعاون الإقتصادي والتجاري الدولي. فإذا كنا متفقين أننا ملتزمين ولو حالياً، منطقة الدولار، فهذا يعني أنه يجب علينا أن نفتش عن أصدقاء وشركاء في العمل الإقتصادي والتجاري ضمن هذه المنظومة، هذا من جهة.
من جهة أخرى، فإنه من الضروري أن نحدد تلك القطاعات ذات القيمة المضافة لإقتصادنا الوطني، والتي سبق أن برهنت ولمدة طويلة جداً، عن تفوق كما في مجال الخدمات، السياحة، الملكية الفكرية، الترانزيت والمصارف، وغيرها من القطاعات التي يجب علينا حمايتها. وفي حال وجود شوائب، علينا إصلاح الشوائب لا تغيير الأنظمة. من هنا يجب حمايتها وإعادة إحيائها، ونقوم بتعزيزها لأنها بالإضافة إلى اقتصاد منتج صناعي وزراعي، فهي التي ستجعل من لبنان دولة ناشطة، فاعلة ومؤثرة، مزدهرة ومتقدمة اقتصادياً، لا تقل أهمية عن سنغافورة.
لكن من الضروري أيضاً، أن ندخل مفاهيم أخرى في علاقاتنا بغية الوصول إلى أسواق جديدة كمبدأ التكامل من خلال إقامة الشركات المختلطة بين شركاتنا وشركات دولية أخرى. ومن هذا المنطلق، أكدت مراراً، أهمية دفع علاقات اقتصادية إستراتيجية مع دول أميركا اللاتينية. ففي هذه المنطقة من العالم، يوجد لدينا فرصة هائلة، لتعزيز شراكتنا الإقتصادية، والوصول إلى أسواق كبيرة. وأنا أعلم أن البعض منا، يعتبر أن مصلحتنا هي مع الصين، لكنني أسأل: أين هي مصلحتنا مع الصين؟ وما الذي نقوم به نحن مع الصين غير الإستفادة من قروض وديون؟ أو غير الذهاب لشراء البضاعة ومن ثم بيعها إلى مكان آخر؟ ماذا يمكن لنا أن نبيع الصين سوى زيت الزيتون والنبيذ؟ وهل من الممكن لنا منافسة الشركات الصينية؟ وما الذي يمكننا أن نقوم به في وجه الإقتصاد الصيني غير فتح سوقنا أمامه ليأتي ويأكله؟ بمعنى آخر بدل أن يأكله الأميركي والأوروبي يأكله الصيني!
نحن موجودون بقوة في أميركا اللاتينية وأفريقيا. فهاتين المنطقتين مثلنا، تسعى لتحقيق تنمية، وهي بحاجة إلى شركات واستثمارات، وبحاجة إلى صناعات، وبحاجة إلى مؤسسات، وبحاجة إلى خبراء، وبحاجة إلى عقول. ونحن نملك كل ذلك. ولطالما قدمت مثالاً واضحاً يتصل بمعامل غندورز على سبيل المثال، أنشأت شركة نستله Nestlé السويسرية، إمبراطورية في العالم من خلال إقامة شركات محلية لها في الدول الأخرى، معتمدة على المواد الأولية بالمنطقة التي تكون فيها، وعلى التكنولوجيا والمعرفة العملية know-how الخاصة بها. لماذا لا تعتمد شركة غندور هذا الأسلوب؟ لماذا لا يكون لدينا معامل لغندور وغيرها من المعامل في أميركا اللاتينية؟ كما أن لأميركا اللاتينية خبرتها الخاصة في قطاعات الزراعة والطاقة، والصناعة، والتي يمكننا الإستفادة منها.
المبدأ التاسع: عدم الإفلات من المساءلة ومن العقوبة
كنت شاركت بصياغة شرعة المحكمة الجنائية الدولية، وأدرك أن المجتمع الدولي لا يقبل التورية على أي مسؤول مهما بلغت مرتبته، سبق أن إرتكب جريمة موصوفة في القانون الدولي، بأنها جريمة إبادة، أو جريمة ضد الإنسانية، أو جريمة حرب، كما أنه لا يسامح من ارتكب جريمة إرهابية. لكن المجتمع الدولي، لم يتمكن من وضع تعريف لجريمة الإرهاب، مما سمح لكل دولة أن تحدد في قانونها الوطني، التعريف الذي تراه لهذه الجريمة، وأن تمارس قانونها الوطني على من تراه مرتكب مثل هذه الجريمة.
إنطلاقاً من هذا الواقع، فإن المجتمع الدولي لا ينسى من ارتكب في لبنان جريمة من هذه الجرائم. فعلى الرغم من أن “إتفاق الطائف” منح “أمراء الحرب”، وكل الذين ارتكبوا مثل هذه الجرائم قبل هذه الإتفاق، عفوا عنها، إلا أن المجتمع الدولي لا يرى نفسه ملزماً بالإتفاق اللبناني، لا سيما وأن الذين ارتكبوا هذه الجرائم ما زالوا يمارسون السلطة فيه، ويمارسون أشكالاً ملتوية في متابعة نهجهم الميلشياوي. أنا واثق أن أية إنزلاقة جديدة، إلى حرب أهلية أخرى، سيتعامل معها المجتمع الدولي بكثير من القسوة. كما أن من حق أي مواطن لبناني الآن، أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية في الدول الأخرى، لملاحقة المسؤولين خاصة وأنه ما زال يدفع ثمناً باهظاً، لتلك الممارسات الميليشاوية الملتوية، وأن القضاء الوطني لا يمكنه القيام بواجبه، بسبب استمرار سيطرة مثل هؤلاء المرتكبين على السلطة.
لذلك كله، وانطلاقاً من حاجتنا إلى السلم الأهلي، والوفاق الوطني، واستعادة الوحدة الوطنية، واستعادة ثقة المجتمع الدولي، فمن الضروري إتباع نهج سبق أن اعتمدته دولاً أخرى، ولا سيما جنوب أفريقيا، حيث تم عقد لقاء وطني كبير، للمصارحة والمصالحة، اعترف فيه المرتكبون بجرائمهم واعتذروا من الضحايا ولكنهم تنازلوا عن مواقع السلطة وعن مسؤولياتهم في الأحزاب التي يرأسونها.
ويجب إعادة النظر في النظام القائم للأحزاب، بغية فرض تعديل في أنظمتها الداخلية لكي تتوافق مع قواعد الدستور، فلا تظل أحزاب الطوائف. وتتحمل الأحزاب أيضاً، المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبتها. فهي جزء لا يتجزأ من ذاكرة الحرب. وعليها بالتالي، أن تعترف بما شاركت به، من جرائم يعاقب عليها القانون الدولي، وأن تعتذر.
المبدأ العاشر: تحويل الإغتراب إلى ثروة وطنية
يهمني أن أؤكد أيضاً على موضوع الإغتراب، الذي يجب طرحه على جدول أية خطة وطنية لبناء لبنان ما بعد الحرب. فلطالما تغنينا بالإغتراب في السابق، ويجب أن نستمر بالتغنى به، ويجب أن نمارس فعلاً شعار أن “لبنان طائر يطير دوماً بجناحين، جناح مقيم وجناح مغترب”. فلبنان لديه ثروة، أهم بكثير من ثروة البترول والغاز، هي ثروة الإنسان، المقيم والمغترب. لبنان لا يعرف حقيقة الطاقات الإغترابية المتوافرة، ولا يدرك مستوى النجاح الذي حققه الإنسان اللبناني، ولا مستوى التفوق اللبناني في الخارج، حيث زرعوا اسمه في ضمير كل مواطني الدول التي استوطنوها، بما فيه أميركا. وهم القوة الفاعلة للبنان في كل دول العالم للدفاع عن حقوقه وحمايته شرط أن نؤكد لهم ثبات وحدتنا الوطنية.
المبدأ الحادي عشر: الإيمان بوطننا وتعزيز التربية المدنية
الإيمان بالوطن ليس شعارات ترفع، بل هي تربية مدنية يومية، تزرع في الطفل منذ طفولته حس الانتماء إليه. غياب هذه التربية غلب الإنتماء إلى العائلة والقبيلة والطائفة والزعيم بدل الوطن، الذي نفتخر بالإنتماء إليه. أي بلد في العالم لديه هذا التاريخ الطويل المماثل؟ 5000 سنة من التاريخ. أسم لبنان هو اسم البلد الوحيد الذي يتكرر منذ أكثر من 4000 سنة، واسمه ورد 75 في العهد القديم وكذلك أرزه المقدس. كلنا نعرف قيمته التاريخية. أعطينا القارة الأوروبية اسمها، وأقمنا المدن المزدهرة، كقرطاجة وقادش وغيرها. ووصل أجدادنا إلى القارة الأميركية قبل كريستوفر كولومبوس بقرون، لكنهم لم يكونوا استعماريين بل رسل سلام، وعلينا أن نتابع هذا الدور فهذا هو تاريخنا.
هل يمكن أن تجد منطقة في لبنان تخلو من الآثار؟ وهل هناك منطقة في لبنان لم تتكلم عن مراحل تاريخية مرت عبر القرون؟ كانت جميعها تمر من هنا على إعتبار أن وطننا يشكل جسر عبور بين المناطق والدول في الداخل. وطننا متحف مفتوح، لماذا نقوم بتدميره؟ وفيما يتعلق بإنساننا، ألم نزرع العالم منذ فجر التاريخ الحروف الأبجدية وأنظمة الإبحار والتجارة؟ كل واحد منا طاقة، وكل واحد منا قيمة. لننظر حولنا وفي العالم، فإنساننا متفوق. والإنسان هو الثروة الأساسية لبناء أي مجتمع.
ترى ماذا سيكون عليه لبنان إذا تمكنا من منع التشرذم الطائفي والفئوية والمناطقية عن شعبه؟ وجعلناهم يصلون إلى مرحلة الإيمان بلبنان؟ هذا ما يجب أن نعود للمحافظة عليها وتعميمه. نحن لدينا القيم الثقافية والحضارية، التي تضاهي كل القيم البارزة في العالم. لدينا جبران الذي تتغنى شعوب العالم بكتابه “النبي”، ولدينا من زرع في الولايات المتحدة، كما أن لدينا الثروة المتعلقة بالحضور المسيحي ولا يجب أبدا التفريط بهذه الثروة. هذه هي القوة الأساسية لمجتمعنا اللبناني بكل أنحاء العالم، وهذه هي القوة الثقافية الأساسية التي فتحت مجالات التطور الثقافي في لبنان، ومنعت تحويله الى مجتمع مغلق، كما باقي المجتمعات الموجودة في محيطنا.
الخاتمة
أحيّي هذا الحراك الشعبي النموذجي رغم كل الثغرات، والذي صار نجمة أخرى مضيئة في تاريخ لبنان الإستقلالي وما قبله، تضاف إلى النجوم العديدة التي صنعها شعبنا جماعة وأفراداً. فهذا الحراك يقدم فرصة لا يمكن تعويضها، للانتقال بلبنان إلى مصاف الدول المتفوقة في العالم بعد أن أصبح وللأسف “دولة فاشلة”، كما قال دولة الرئيس تمام سلام عندما كان رئيساً لمجلس الوزراء.
من جهتي، أنا أطالب كل الأحزاب، والتي تتنافس في الإعلام على ما تقوله “إنقاذ لبنان”، أن تتوقف وتتمعن بما أنتجه هذا الحراك حتى الآن. هذا الحراك – “الثورة” أثبت أنه جدي جداً في مسعاه للتغيير؛ وعليه؛ فإن أية محاولة للتصدي له مهما كانت أشكالها، لن تفشل فحسب، بل ستولد نتائج لن تكون في مصلحة المتصدي له أبداً، وستؤدي إلى زيادة معاناة الناس، كل الناس، في كل المناطق، ومن كل الشرائح الإجتماعية.
نعم حصلت هفوات في هذا الحراك، وذلك أمر طبيعي لأنه حراك عفوي. بعض الجماعات حاولت أن تأخذه إلى مفهوم “الثورة الفوضوية” من خلال قطع الطرقات مثلاً، مما سمح بوقوع أحداث مؤلمة. هؤلاء أخطأوا رغم أنهم احتجوا بضرورة قطع الطرق للضغط على السلطة التي ترفض الإستماع إليهم. والسلطة أيضاً أخطأت لأنها لم تستمع إلى مطالب الناس كما في كل بلد حضاري. عدد من الأحزاب أخطأت عندما سعت إلى استغلال بعض الأحداث، لإقامة شارع مقابل آخر. الجميع أخطأ فيما كان الأجنبي المتربص بنا من كل صوب، ينتظر هذه الفرصة ليتحول الحراك إلى فوضى “خلآقة لهم” تسمح لكل بلد له مصالح في لبنان، بالتدخل فيه، كل وفقاً لأجندته وما أكثر الأجندات الدولية في وطننا، ولا سيما في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ المنطقة.
شكراً للناس الذين أفشلوا كل ذلك. شكراً مرة أخرى، لهذا الشعب العظيم الذي أثبت أنه شعب عظيم فعلاً. الشعب في كل المناطق، ومن كل الطوائف، ومن كل الفئات، أكد إصراره على سلمية الحراك ونجح وسينجح بإذن الله. حتى الآن، إستطاع إفشال كل الأجندات غير أجندته هو، التي لا تحمل سوى هماً واحداً هو النهوض بلبنان واقتصاده.
يجب أن نجعل من بيروت مركزاً دائماً لحوار الحضارات. لا مانع من أن ننشئ أكاديمية في هذا المجال ونحصل على تصفيق الأمم المتحدة استناداً إليها. لكن المطلوب هو أن تعتمد الأمم المتحدة لبنان مقراً لجهودها في دفع مبدأ حوار الحضارات، فتقيم في بيروت مركزاً دائماً لهذا الغرض وتموله، وتجعل من لبنان مثالاً تطبيقياً له. لبنان في واقع الأمر، هو مثال حقيقي عن حوار الحضارات. والغرض من المركز هو إقامة مؤسسة تدفع بحركة بشرية وجمعيات وأحزاب وممثلي حكومات من كل أنحاء العالم، بإتجاه لبنان، وعلى مدار 365 يوماً في العام. هذا المركز هو دعاية لا تقل عن الدعاية التي تمنحها جنيف لسويسرا، كما هو سيشكل عاملاً اقتصادياً يساهم كثيراً بمشاريع التنمية المستدامة.
كما يجب أن نقيم اللجنة الوطنية للتنمية المستدامة، التي تربط ما بين الإحتياجات الإنمائية الإقتصادية وما واحتياجات الحفاظ على البيئة، وأيضاً احتياجات التفاعل مع التشريعات الدولية التي تبقينا جزءاً من حركة التطور القائم في العلاقات الإجتماعية في العالم بما في ذلك تلك الحقوق الأساسية الضرورية التي نص عليها تعريف مبدأ بناء السلم بعد النزاع، الذي نعمل في ظله حالياً.
أؤكد أخيراً، قناعتي أننا وطن غني وقوي ولسنا دولة فاشلة. لدينا كل المقومات، وكل ما نحتاج إليه هو تحرير عقولنا من سيطرة الفاسدين الذين سرقونا بإسم حماية الطوائف وجعلونا دولة فاشلة وشبه ممزقة. لن تمر الخطة الصهيونية بتدمير وحدتنا وفدرلة بلدنا. وأنا سأداعي كل الذين ينادون بالفدرلة تحت عنوان “الخيانة العظمى” وتلبية مطالب صهيونية. لنستفد من قوتنا ولنطرد نقاط الضعف من بيننا التي تعيق وحدتنا.
*سفير لبناني متقاعد.
مصدر الصور: سبوتنيك – المركز اللبناني لتعزيز المواطنية
موضوع ذا صلة: الأمن القومي في مستقبل لبنان (2/3)